صدق «أوباما» ولو لمرة واحدة

صلاح بدرالدين    
   بمرور الزمن ويوما بعد يوم يـتأكد
فحوى ومغزى التصريح الشهيرالمثير للجدل الذي أدلى به الرئيس أوباما في معرض تبريره
لامتناع الإدارة الأمريكية عن تسليح المعارضة السورية ومفاده ” من يعتقد أن
تسليح المعارضة السورية كان سيغير من الأمر شيئا هناك واهم لماذا ؟ أولا لأن
المعارضة السورية ماهي الا خليط من الفلاحين والنجارين والمهندسين والصيادلة
والأكاديميين وسواهم ممن تحولوا فجأة الى معارضين للنظام وهذه المعارضة غير منظمة
وفقيرة في تجهيزها وفي تدريبها ” .
  حتى لو تم الأخذ بعين
الاعتبار الطابع الذرائعي لذلك الموقف الأمريكي والاحتفاظ بكل المآخذ السابقة
واللاحقة على السياسة الغربية الملتبسة تجاه ثورات الربيع عموما والقضية السورية
والثورة ونظام الاستبداد على وجه الخصوص وتفضيل المصالح الخاصة على ماسواه من
مبادئ الحق والعدل ونصرة الشعوب وحقوق الانسان الا أنه وانصافا للحقيقة نرى العديد
من الإشارات الموضوعية في ذلك التصريح ومنها : 
 
 أولا – التصريح كما يظهر من
سياقه النصي لم يشر الى قوى الثورة على الأرض بمافيها الجيش الحر
والحراك الثوري العام في البلاد وأشار فقط الى – المعارضة – المعترفة بها من
مجموعة دول – أصدقاء الشعب السوري – وبينها الولايات المتحدة الأمريكية وهي تحديدا
كل من ( المجلس الوطني والائتلاف ) اللذان قدما قائمة طويلة من المطالب في أوقات
متفاوتة من بينها الدعم العسكري . 
 
 ثانيا – تشخيص المعارضة قريب من
الدقة في سياق التصريح وكما هو معلوم فهي عبارة عن اصطفافات تتضمن
التقليدي من الأحزاب والتنظيمات وحديثي العهد بمعارضة النظام ينتمي أعضاؤها
ومناصروها بغالبيتهم الساحقة الى الفئات الاجتماعية الموزعة بين مكونات
البورجوازية الصغيرة في المدن والريف المعروفة تاريخيا بالجبن والتردد وركوب
الموجة بحسب ماتقتضي مصالحها والانخراط غالبا في صفوف الثورات المضادة . 
 
 ثالثا – الفئة الأوسع في صفوف
المعارضة والمتحكمة بالقرار خرجت من صلب نظام الأسد الأب والابن ونهلت
من ثقافة البعث وكانت شريكة في نهب واستغلال خيرات البلاد وأموال الشعب السوري وفي
تعزيز قاعدة النظام الاجتماعية وتنويعها مذهبيا ومعظم أفرادها اما أن لفظته مراكز
قوى النظام وحرمته احتكارات آل مخلوف من امتيازات السلطة والمال أو انتقل بحثا عن
كمنافع أكثر وأضمن . 
 
 رابعا – تم الإعلان عن ( المجلس
الوطني السوري ) في استانبول بقرار انفرادي من – الاخوان المسلمين –
وبمعزل عن الرأي العام الوطني السوري المعارض وبدون أية تحضيرات أو لجان استشارية
وعدم التزام بالوعد المقطوع لنخبة من المناضلين المجتمعين في القاهرة حينذاك من
جانب العضو القيادي الاخواني – ملهم الدروبي – على أساس الاتفاق أولا على لجنة
تحضيرية معبرة عن المكونات والتيارات الوطنية تشرف على مؤتمر عام لاقرار صيغة
جبهوية وبرنامجها وانتخاب قيادتها وعوضا عن ذلك أعلن الاخوان سريعا عن مجلسهم وبطريقة
مبتذلة تم فيها ابتزاز أشخاص من غير – الاخوان – عبر عقود توظيفية اغرائية
واتفاقات جانبية مع أفراد من أصحاب الشهادات العليا لاضفاء الطابع التنوعي ظاهريا
امعانا في تضليل الوطنيين السوريين والرأي العام بالخارج . 
 
 خامسا – الأكاديمييون الذين أشار
اليهم تصريح الرئيس الأمريكي كانوا عبارة عن مجموعة من أصحاب الشهادات
الذين يعيشون في أوروبا وأمريكا وحتى لو كان بعضهم – علماء – الا أنهم كانوا
بعيدين عن الشعب السوري ومعاناته وأحواله يتعاملون مع محنته بنظرة – المستشرقين –
لم يكونوا يوما في مواجهة النظام ولم يذيقوا أهوال الملاحقات والاعتقال والتعذيب
والحرمان وهم ضلوا طريقهم وركضوا وراء المنافع ليكونوا قادة فاشلين للشعب  والثورة في حين أن دورهم الطبيعي هو مساعدة
القادة وهم في أماكنهم وجامعاتهم في الاستشارات وتقديم الأبحاث والدراسات ومشاريع
البرامج ان دعت الحاجة .
    سادسا – نعم وكما جاء في التصريح
تماما كانت ” معارضة غير منظمة وفقيرة وغير مدربة ” فلم يكن أفرادها (
ماعدا قلة قليلة ) يوما في سوح النضال المعارض ولم يكونوا منظمين في أحزاب أو
جماعات ثورية وطنية ديموقراطية مناضلة ولم يمارسوا العمل السري والملاحقة اللذان يوفران
الخبرة والتعود على تحمل الشدائد والتعرف على أحوال الشعب واحترام طموحاته فالخبرة
هي رأسمال المناضل سياسيا كان أم عسكريا . 
 
  من الواضح أن ماتطرق اليه
التصريح ومانحن بصدد تقييمه وتفسيره يتناول جوانب العوامل الذاتية وهي الأهم
في حياة الثورات والحركات التغييرية أما العوامل الموضوعية فلاشك أنها تتشعب لتصيب
بالادانة مايسمى بالعالم الحر والإرادة الدولية وفي المقدمة إدارة الرئيس أوباما
حول مسؤولياتها الأخلاقية تجاه معاناة شعبنا السوري .   

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف منذ سقوط النظام المجرم في 8 كانون الأول 2024 وتحول السلطة إلى السيد أحمد الشرع، بات السوريون، سواء أكان ذلك في العاصمة دمشق أو المدن الكبرى والصغرى، يتطلعون إلى مرحلة جديدة يتخلصون فيها من الظلم والاستبداد. حيث سنوات طويلة من مكابدات المعذبين في سجون الطاغية الأسد وأبيه كانت كفيلة بتدمير أرواح مئات الآلاف. بعض السجناء أمضوا…

شكري بكر هذا الموضوع مطروح للمناقشة قد يؤدي بنا للوصول إلى إقامة نظام يختلف عما سبقونا من سلاطين وحكام وممالك وما نحن عليه الآن حيث التشتت والإنقسام وتبعثر الجهود الفكرية والسياسية والإقتصادية والعمل نحو إقامة مجتمع خال من كل أشكال الصراع وإلغاء العسكرة أرضا وفضاءا التي تهدر 80% من الإقتصاد العالمي ، إن تغلبنا على هذا التسلح يمكن…

إياد أبو شقرا عودة إلى الموضوع السوري، لا بد من القول، إن قلة منا كانت تتوقّع قبل شهر ما نحن فيه اليوم. إذ إن طيّ صفحة 54 سنة خلال أقل من أسبوعين إنجازٌ ضخم بكل ما في الكلمة من معنى. سهولة إسقاط نظام الأسد، وسرعة تداعيه، أدهشتا حتماً حتى أكثر المتفائلين بالتغيير المرجوّ. إلا أنني أزعم، بعدما تولّت قيادة العمليات…

طارق الحميد منذ فرار بشار الأسد، في 8 ديسمبر (كانون الأول)، إلى روسيا، وهناك سيل من النقد والمطالبات للحكام الجدد، وتحديداً أحمد الشرع. والقصة ليست بجدوى ذلك من عدمه، بل إن جل تلك الانتقادات لا تستند إلى حقائق. وسأناقش بعضاً منها هنا، وهي «غيض من فيض». مثلاً، كان يقال إن لا حل عسكرياً بسوريا، بينما سقط الأسد في 12 يوماً…