من صلعة القومية إلى باروكة الإسلام السياسي الثقيلة

ابراهيم محمود 
 
 
الإهداء: إلى الأخ الرئيس مسعود البارزاني، ليت المقال يُقرَأ كاملاً ؟
 

خلال عقود زمنية، وفي المنطقة الشرق الأوسطية:
منطقتنا، ثمة لوحة عريضة، كبيرة، ضخمة، تحمل الآتي، وتتحدي الآتي، وفي الوسط،
وبالكتابة البارزة عبارة ” صلعة القومية وباروكة الإسلام السياسي الثقيلة
“: شدّوا الأحزمة من وطأة الضغطين : الجوي والأرضي:

الثورة الإيرانية سنة 1979، اُختزلت دفعة
واحدة وسريعاً تحت عمامة الخميني المنفي في عاصمة أوربية ” علمانية
” باريس، وزُحزِحت لتصبح الثورة الإسلامية بإطلاق، وتحت عمامة الخميني
المرشد، وآية الله، ترافق زلزالان لم يمكّنا إيران فارس واقعاً من الاستقرار السياسي:

 الزلزال الأرضي الذي يتحدى إيران جغرافياً،
والزلزال المختوم بالديني الخاص: الشيعي، والذي باسمه، وفي قاطرته الشيعية اُرتكبت
مجازر بحق كل من ينادي بالقومية: الكرد ضمناً، والزلزال السياسي يتحدى التاريخ
الإيراني المصفين، ومن هذا الزلزال الذي امتد تأثيره عميقاً وظاهراً في الجوار
” 
منطقة الزلزال غير مستقرة ومحدَّدة “، عبر سلالات جينية ”
تشيعية “: حزب الله في لبنان، كتائب الفضل بن العباس، عصائب الحق في
العراق، وما يلحَق بالمرشد الإيراني من ولاءات وإدارة علاقات على الأرض، جماعات
الحوثيين في اليمن وغيرهم، أي ليحل الإسلام السياسي المختزل محل القومية بتوجهها
العلماني الحداثوي أيام شاه إيران، إنما دون نسيان الموضوع تحت عمامة رجل الدين:
القومية الفارسية المصفينة. 
 
لنذكّر هنا بتركيا المعتبرَة علمانية، كما
يقول تاريخها الحديث طبعاً، وهي مفارقة كبرى، إذ إن تركيا أتاتورك العلمانية والذي أحل
الجمهورية محل الخلافة سنة 1923، وأطاح بكل العمائم، ولتكون القومية التركية هي
الوحيدة، فإنه باسم القومية هذه جرت مجازر ومذابح لاحقاً، وكان للكرد النصيب
الأوفر في ثوراتهم وانتفاضاتهم وهبّاتهم، وليبرز الحزب الديني ” حزب العدالة
والتنمية
” مسيطراً على مفاصل الحياة، دون التنكر لجهامة وجه أتاتورك،
وربما كانت باروكة الإسلام السياسي أكثر تناسباً مع صلعة القومية التركية، سوى
أنها لا تخفيها هي الأخرى، رغم كل الإدعاء أن ثمة تحولاً جديداً صوب الآتي . 
 
استيلاء صدام حسين على السلطة في سبعينيات
القرن الماضي في العراق، ليغدو فارس القومية العربية، وبغداد قلب العروبة النابض بعلامة البعثية
في نسختها العفلقية، وباسم فارس القومية العربية، وعبر مركزة قلب العروبة النابض،
سفِكت دماء العراقيين، إنما كان للكرد النصيب الكارثي الأوفر أيضاً، في قاطرة
عمليات الأنفال ” المرعبة، ولتكون مجزرة حلبجه الأوج في
التعبير عن بنية ممثلي القومية العربية بنسختها العراقية، والهجرة الكردية المليونية،
ومن ثم انفجار الطوائف والجماعات الدينية: السنية والشيعية وتنازعاتها، ولنشهد
حديثاً جداً الغزوة الداعشية الطاعونية باسم ” أبو بكر بغداديّها ”
العراقي، إنما دون نسيان أن صلعة القومية العربية في العراق تختفي تحت باروكة
إسلامية سياسية لها أكثر من دمغة/ صبغة، وما مآسي العراق والقتل الجماعي المروَّع
باسم الدين دون إخفاء البعد القومي العروبي: ضد الباحثين عن عراق يضم الجميع،
ومطاردة الأثوريين، وسفك دماء الكرد الإيزيديين والتنكيل بهم ومن ثم السعي إلى
إزالة كل وجود سياسي للكرد.. مظاهر تترجم ما هو صدامي نشط وهي متأسلمة! 
 
في سوريا، حيث كان التشديد على منع التحدث عن
الطائفية، والإقطاعية ، والعشائرية ، كما هو المدرَج في النظام الداخلي لحزب ”
البعث العربي الإشتراكي ” بنسخته السورية، صارت دمشق قلب العروبة المنافس
مقابل بغداد، وحافظ الأسد ابن الشعب البار، وأبو الشعب في آن، فارس العروبة،
ولاحقاً بشار الأسد منذ أكثر من أربعة عقود زمنية، سوى أن أحداث أخوان المسلمين،
وباسم القومية العربية كانت مجزرة حماة نهاية سبعينيات القرن الماضي، ولتتتالى
المآسي، ولنشهد ومنذ أكثر من ثلاث سنوات كيف أن عبارة ” الله أكبر
” غطّت على كل شيء، حتى الأكثر علمانية، إنما دون أن ننسى أن صلعة القومية
العربية جلية، وأن باروكة الإسلام السياسي هي الأخرى لا يمكنها التنكر لها. 
 
يحدث في مصر الآن، وقبل الآن، إذ إن ظهور
جمال عبدالناصر، في ” ثورته 1952 ” وتدشين ما يسمى بالعهد الجمهوري، غدت
القاهرة قلب العروبة الناض” ولا ندري كم عدد قلوب العروبة النابضة بالاسم
وتقديراً ! ” ، وعبدالناصر فارسها، ولكن قاطرة عبدالناصر جلبت كما حملت معها
مشاكل باسم القومية، وبعلامة الناصرية البراقة حتى خارج مصر” أم الدنيا
” في ظل آباء تقاسموها شهوة وعنوة، وليطارَد كل من يخرج عن حياض هذا المفهوم
القومي العربي الناصري، ولنشهد مآسي متتالية ضد القبط وفي معاضدة من يمثل القومية
العربية بعد رحيل عبدالناصر في العراق الصدامي الديكتاتوري وغيره، ولنشهد الصراع
على السلطة، حيث عبارة ” الله أكبر ” الأخوانية وغير الأخوانية
تتوعد الشارع المصري، والإسلام هو الواجهة البراقة، لكن صلعة القومية ملحوظة تحتها
هي الأخرى. 
 
وما يهم الثوري، والموعود بالمترتب على
الثورة، ما يخص فلسطين، وكيف أن منظمة التحرير الفلسطينية التي ولّدت كفاحاً مسلحاً مع
الفدائيين في نهاية ستينيات القرن الماضي، ولتكون المنظمة الوحيدة، ها هي تجد
نفسها، مزاحَمة ومنذ حين من الدهر، بتيارات وأحزاب دينية ” حماس في
الواجهة
“، وليتسرب الإسلام السياسي إلى جسم المنظمة بالذات، إنما دون
نسيان القاسم المشترك الأكبر بين هذه الأحزاب وتلك المنظمة: البعد القومي العربي
المأخوذ بما هو قائم في المنطقة: ياسر عرفات صاحب القبلة المشهورة لصدام حسين على
وقع صرخات ضحايا حلبجه، ومنافسة أحمد ياسين له وهي تحمل لافتة” من حماس
الأبية إلى صدام التحية ” حينها، ولتغدو حماس الآن في واجهة الجاري فلسطينياً
كثيراً . 
 
سريعاً: تونس بمظهرها الحداثي مع زين
العابدين، صارت تعرَف بالغنوشي الإسلامي أكثر، والرئيس الحالي : المرزوقي يجد نفسه محاصراً
بقوة إسلامية تتحدى نفوذه، وهو نفسه غير قادر على إخفاء صلعة القومية العربية
المعدَّلة إنما المتشددة ضد المختلف ” لنذكّر أن المرزوقي كان من بين أكثر
المؤيدين لنظام صدام حسين، وكحقوقي حينها
” ويروّج له ، والمغرب لا يمكنه
التنكر لما هو جار بمزعم إسلامي، وإن كانت ملكيته تسعى جاهدة لأن تكون دينية
مخففة، فالمغرب عربي هنا، ولتكون الجزائر بتاريخ الرعب فيها، حيث الإسلامي المتشدد
منتشر في أرجائها، وهذا يشمل ليبيا بشكل أكثر رعباً، إلى درجة صعوبة تصنيف الفرقاء
المتحاربين، سوى أن الإسلام السياسي المتشدد يطغى على كل شيء، دون نسيان من يشدد
في الواجهة السياسية على عروبة ليبيا بدورها رغم أنف الآخرين: الطوارق وغيرهم،
وهذا ينطبق على اليمن كما هو جار، وبشكل مفصلي ،هذا يشمل لبنان الذي لا يعرَف فيه
إلى أين تتجه قاطرته السياسية، لكن ثمة إسلاماً مركّزاً سياسي المضمون يتهدد فيه
علمانيته وتوازناته الطائفية: الشيعي فيه والسني ، تبقى دول الخليج التي كانت منذ
نشأتها تتحصن بإسلام ” القرآن هو الدستور “، لكن ذلك لم يمنع من ظهور
تحديات إسلامية متشددة، وطرح نسَخ بديلة ضد الجاري. 
 
لكن تصوروا، وأمعنوا النظر في إحداثيات
اللوحة التي تغطي منطقة كاملة، والكوارث الواقعة، إلى جانب المستجدات والمتحولات السياسية
والتي لا تخفي نسخاً من الإسلام متشابهة، ومتداخلة، ومتواجهة معاً :
 

أسامة بن لادن: اليمني السعودي والذي غيّر
وجه المنطقة من بعده: القاعدة التي أرادت وتريد القاعدة لكل قاعدة دينية إسلامية في
المنطقة: في المناطق الأكثر فقراً وشهوداً لها بالتوتر.

أبو مصعب الزرقاوي الأردني القاعدي والمجري
عملياته في العراق حتى مقتله . 

 
الجماعات الدينية المختلفة في سوريا الآن،
وهي ترفع رايات دينية وتعرَف بأسماء دينية عبر ألويتها، وتحت دمغة” الله أكبر “،
وكما الحال مع : جبهة النصرة، داعش ” .

أبو بكر البغدادي النسخة الأكثر تشدداً
وتمثيل رعب تكفيري في العراق، كما لو أن العراق بات يعرَف به وسوريا كذلك.

ما يجري في لبنان: حزب الله، ما قام به أنصار الإسلام في الشمال . 

 
ما يقوم به ” أنصار الشريعة ” في ليبيا، ومرادفاتهم في مصر
” أنصار المقدس ” وغيرهم بنسختهم الإسلامية المتشددة. 
 
والتحدي السياسي ذو النسَب الديني الإسلامي المتشدد يتحدى المنطقة
وخارجها.

ولنذكّر من يريد التذكر، أنه على المستوى
الكردي، نجد مثل هذا الانتشار لهذا الإسلام ولو في مسار آخر، ولكن ثمة نسبة ملحوظة
من الكرد تراهن على الإسلام السياسي بديلاً عن الكردية كقومية وتطرح نفسها كبديل في
الشارع الكردي ” في إقليم كردستان العراق، عبر كَوران، كمثال حي طبعاً
“، إنما دون نسيان ما يتعلق بتحديات دينية إسلامية متشددة ” وجود من
يؤمن بالقاعدة وينخرط في داعش
“. 

 
حتى على مستوى روجآفا، وأن لا بد من التذكير
هنا، وهو وجود ذلك التنافس الحزبي السياسي غير البريء طبعاً لكسب ود جماهيري كردي
استهواه مشهد الإسلام السياسي المنتشر من حوله، والأوج في ظهور معشوق الخزنوي،
واغتياله المأسوي والمتوقع سنة 2005، وإعلانه ” شيخ الشهداء “،
كما لو أن الذين بايعوا هذا الاسم أسلموا الحدث، ولتكون لدينا انعطافة ما في بنية
الذهنية لهؤلاء الذين يتجاهلون دلالة الألقاب واستثمارها هنا وهناك، وما في ذلك من
اعتراف ضمني بأن ما يتعلق بـ” القومية الكردية ” صار في منحى
آخر، ولتظهر صلعتها المتوقعة تحت باروكة سياسية تترافق مع مستجدات المنطقة، وهذا
يهدّد المشروع القومي الذي يعمل من أجله المعنيون به كردستانياً، وهي صلعة تخيف
أهل القضية والعاملون في مضمارها، خوفاً من أن تبتلعها الباروكة وتخفي حتى معالم
وجهها. 
 
والمتردد هنا ليس تعنيفاً للجاري، إنما هو
تشخيص وتوصيف، وفي الوقت نفسه، مكاشفة للحراك الكردي الذي يغفَل عن أهم علامة فيه،
هي جامعتهم : قوميتهم الكردية، وكردستانهم التي تنتظرهم، كما تقول برامجهم، وهو
التحدي البنيوي الذي يسمي مفاصل الحياة ومغذياتها الاجتماعية والثقافية والنفسية
في إقليم كردستان العراق خصوصاً “،
إنه التحدي الداخلي الذي يرتبط بالتحدي الخارجي، ويحفّز المسئولين على وجوب التنبه
للمآلات التي قد تثقل على ” الصلعة ” كثيراً، والكرد لما يزالوا في بداية
الطريق، وهذا ما يسعى إليه خصومهم القومويون في العمق ممن يتحدثون بلغات أخرى معهم
وفي الجوار المتقاسم لكردستانهم بالذات، حيث عبارة ” أخوة الدين ” تنافس
” أخوة القومية “، وحيث الجامع كمفهوم سياسي هنا، كما الحال في جل نقاط
التوتر في المنطقة، يرسم إحداثيات الساحة السياسية ويؤسلمها ولو بتفاوت، وكما تقول
المشاهد الحية في الشارع هنا وهناك على صعيد الزي والدال على المرافق له: أسلموا
تسلموا أو…؟! مع أخذ العلم أن ” أسلموا تسلموا ” غير الأولى، جهة
المضمون والتوجه والمطلب من المعني، أي حين يكون المسلم نفسه معنياً بها أكثر من
غيره، ولنشهد بالطريقة هذه تعمقاً في الصراع بين صلعة القومية والباروكة سالفة
الذكر..!

 

 

 

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف منذ سقوط النظام المجرم في 8 كانون الأول 2024 وتحول السلطة إلى السيد أحمد الشرع، بات السوريون، سواء أكان ذلك في العاصمة دمشق أو المدن الكبرى والصغرى، يتطلعون إلى مرحلة جديدة يتخلصون فيها من الظلم والاستبداد. حيث سنوات طويلة من مكابدات المعذبين في سجون الطاغية الأسد وأبيه كانت كفيلة بتدمير أرواح مئات الآلاف. بعض السجناء أمضوا…

شكري بكر هذا الموضوع مطروح للمناقشة قد يؤدي بنا للوصول إلى إقامة نظام يختلف عما سبقونا من سلاطين وحكام وممالك وما نحن عليه الآن حيث التشتت والإنقسام وتبعثر الجهود الفكرية والسياسية والإقتصادية والعمل نحو إقامة مجتمع خال من كل أشكال الصراع وإلغاء العسكرة أرضا وفضاءا التي تهدر 80% من الإقتصاد العالمي ، إن تغلبنا على هذا التسلح يمكن…

إياد أبو شقرا عودة إلى الموضوع السوري، لا بد من القول، إن قلة منا كانت تتوقّع قبل شهر ما نحن فيه اليوم. إذ إن طيّ صفحة 54 سنة خلال أقل من أسبوعين إنجازٌ ضخم بكل ما في الكلمة من معنى. سهولة إسقاط نظام الأسد، وسرعة تداعيه، أدهشتا حتماً حتى أكثر المتفائلين بالتغيير المرجوّ. إلا أنني أزعم، بعدما تولّت قيادة العمليات…

طارق الحميد منذ فرار بشار الأسد، في 8 ديسمبر (كانون الأول)، إلى روسيا، وهناك سيل من النقد والمطالبات للحكام الجدد، وتحديداً أحمد الشرع. والقصة ليست بجدوى ذلك من عدمه، بل إن جل تلك الانتقادات لا تستند إلى حقائق. وسأناقش بعضاً منها هنا، وهي «غيض من فيض». مثلاً، كان يقال إن لا حل عسكرياً بسوريا، بينما سقط الأسد في 12 يوماً…