كل الأحداث تؤدي إلى سوريا *

طارق الحميد

أعادت جريمة «داعش» الإرهابية بحق الصحافي الأميركي المنحور التركيز الدولي مجددا على الأزمة السورية وبات النقاش منصبا الآن على ضرورة التعامل مع الملف السوري، وأكثر المحاصرين، والمحرجين، هي الإدارة الأميركية.
ولفهم ذلك فإن القصة الآن ببساطة هي أننا أمام عملية نحر صحافي أميركي على يد إرهابي بريطاني ينتمي لـ«داعش» في سوريا، مما يعني أن الأزمة السورية ليست أزمة منطقتنا وحدها، بل هي أزمة أوروبية – أميركية لا يمكن تجاهلها، كما لا يمكن القول إن بمقدور الأسد الاستفادة من جرائمه الآن للتعاون ضد «داعش»، خصوصا أن جرائم «داعش» من العراق إلى سوريا تأتي مع حلول ذكرى مرور عام على جريمة الغوطة الكيماوية بسوريا ودون أن يقدم الأسد للعدالة، ودون أن يلتزم الرئيس الأميركي في التحرك ضد الأسد الذي تجاوز الخطوط الحمراء التي رسمها أوباما نفسه.
 ومما يزيد موقف الرئيس الأميركي تعقيدا إعلان الأمم المتحدة أن عدد القتلى في سوريا قد تجاوز المائة وتسعين ألف قتيل.
وعليه فنحن الآن أمام أزمة تجاوزت كل الحدود أخلاقيا، وأمنيا، وسياسيا، فكيف سيبلور الرئيس الأميركي الآن أي موقف لبلاده لا يحتوي على تحرك جاد ضد الأسد؟ أوروبيا، بات هناك موقف أكثر وضوحا مما هو في أميركا، حيث يقول وزير الخارجية الهولندي، وبلاده عضو في حلف شمال الأطلسي، تعليقا على الموقف من «داعش» بعد جريمة نحر الصحافي الأميركي إنه «لن تدوم الحلول في العراق إذا لم نجد حلا لسوريا»، مع دعوة الوزير إلى تقديم المزيد من الدعم الغربي للمعارضة السورية لمواجهة الأسد. والموقف الهولندي هذا ليس الوحيد في أوروبا حيث هناك الموقف الفرنسي الأكثر تشددا، مع إعلان بريطانيا رفضها التعاون مع الأسد لمواجهة «داعش».
ولا يقف الحرج الأميركي حيال سوريا عند هذا الحد، حيث إن هناك تساؤلات جادة اليوم بأميركا حول استراتيجية الرئيس أوباما، مع التشكيك أصلا بكل ما كان يطرحه أوباما سابقا، وخصوصا بعد الكشف عن عملية إنزال أميركية فاشلة داخل سوريا هذا الصيف لإنقاذ أسرى أميركيين هناك كان من ضمنهم الصحافي المنحور، حيث إن التساؤل الآن هو: كيف تقول الإدارة الأميركية إن التدخل العسكري في سوريا صعب نظرا لامتلاك الأسد لمنظومة دفاعية جوية قوية بينما قام الأميركيون بعمليات إنزال هناك بهذه السهولة؟
وعليه فإن الأزمة السورية اليوم هي أزمة أوروبية – أميركية، وليس بمقدور الرئيس أوباما مواصلة الهروب منها للأمام، وأفضل ما يمكن أن يقال للغرب، وتحديدا أميركا الآن، هو أن تحركهم الجدي ضد «داعش» بالعراق هو ما أدى إلى تخلي إيران عن المالكي، وبالتالي فإن من شأن تحرك غربي أميركي جاد في سوريا الآن أن يغير المعادلة، ويجبر إيران على التخلي عن الأسد، وعدا عن ذلك فهو مضيعة للوقت، والأرواح، وتعميق للأزمة.

* الشرق الأوسط

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

خالد بهلوي تحت شعار “وقف العنف والتهجير – العيش المشترك بسلام”، وبمبادرة من مجموعة نشطاء من الشابات والشباب الغيورين، شهدت مدينة إيسين الألمانية يوم 21 ديسمبر 2024 وقفة احتجاجية بارزة للتعبير عن رفض الاحتلال التركي والتهديدات والانتهاكات التي يتعرض لها الشعب الكردي المسالم. الحضور والمشاركة: حضر الفعالية أكثر من مائه شخصً من الأخوات والإخوة الكرد والألمان، إلى…

د. محمود عباس ستكثّف الولايات المتحدة وجودها العسكري في سوريا وستواصل دعمها لقوات سوريا الديمقراطية (قسد) والإدارة الذاتية. تدرك تركيا هذه المعادلة جيدًا، وتعلم أن أي إدارة أمريكية قادمة، حتى وإن كانت بقيادة دونالد ترامب، لن تتخلى عن الكورد، لذلك، جاء تصريح أردوغان بعد عودته من مصر، ووزير خارجيته من دمشق اليوم كجزء من مناورة سياسية تهدف إلى تضليل الرأي…

شادي حاجي المرء لا يذهب إلى طاولة المفاوضات وهو خالي الوفاض وإنما يذهب وهو متمكن وقادر والمفاوض يكشف أوراقه تدريجياً تبعاً لسير العملية التفاوضية فعند كل منعطف صعب وشاق يقدم المفاوض بطريقة أو بأخرى معلومة ولو صغيرة حول قدراته على إيقاع الأذى بالطرف الآخر من أجل أن يكون مقنعاً فعليه أن يسأل عن مقومات الندية والتي تتركز على مسألة القوة…

إبراهيم اليوسف منذ سقوط النظام المجرم في 8 كانون الأول 2024 وتحول السلطة إلى السيد أحمد الشرع، بات السوريون، سواء أكان ذلك في العاصمة دمشق أو المدن الكبرى والصغرى، يتطلعون إلى مرحلة جديدة يتخلصون فيها من الظلم والاستبداد. حيث سنوات طويلة من مكابدات المعذبين في سجون الطاغية الأسد وأبيه كانت كفيلة بتدمير أرواح مئات الآلاف. بعض السجناء أمضوا…