عندما ترقص «النخبة» على أنغام «داعش»

صلاح بدرالدين

  قراءة سريعة ليوميات الهجمات العسكرية الهمجية لجحافل  قطعان – داعش – واحتلال الموصل والتمدد شمالا وشرقا تظهر لنا مدى هشاشة البنية الثقافية لغالبية – النخب – العربية في المنطقة التي هللت بالترحيب والتعظيم عبر المنابر الإعلامية والتصريحات الصحفية والمقالات  في مواقع التواصل الاجتماعي ” لثورة السنة العرب ” على دكتاتورية حكومة بغداد وطلائع ” ثورة الربيع العراقية ” من أجل الحرية والكرامة على غرار موجات ربيع الثورات في البلدان الأخرى
وفي خضم هذا الضياع – الفكري الثقافي – والأحكام المتسرعة وفقدان البوصلة بانت النزعة الشوفينية المتأصلة عندما تمت مباركة اعتداءات جحافل الظلام والإرهاب بصورة مباشرة أو من طرف خفي على بعض مناطق كردستان العراق بل تمجيد انتصارات المعتدين والاسترسال في وصم قوات بيشمركة كردستان بالهزيمة والفزع والاستسلام متناسية بأن هؤلاء المقاتلين امتداد وتواصل للأجيال لتشكيلات ثورية مقاتلة مجربة ضد الدكتاتورية والفاشية ومن أجل الحرية تتصدر الجناح العسكري المقاوم لحركة التحرر الوطني الكردستانية في العراق منذ أكثر من سبعة عقود .
   في غضون تلك الأيام تداولت موضوع الحدث مع صديق عربي من الاعلامين المثقفين الذي كان مصرا على أن ثورة السنة العرب في العراق قد بدأت وأن تصدر – داعش – للعملية مسألة أيام حيث ستحل القيادات الوطنية الفعلية لتقود معركة اسقاط الحكومة بالتنسيق مع قيادة إقليم كردستان والاتيان بحكومة اتحاد وطني تعيد الحقوق لأصحابها فوصفته بالافراط في التفاؤل وعدم اطلاعه على حقيقة الوضع وأن – داعش – جاءت لتبقى حتى انهاء مهامها المرسومة وأن الساحة السنية العربية تفتقر الى التنظيم والقيادة الكفوءة والتشتت والفراغ وأن بعضا من مصدري البيانات مثل بقايا بعث صدام لايبعث على الارتياح .
   كما ناقشت المسألة مع أصدقاء من – المعارضة السورية – الذين كانوا من أشد المتحمسين للامتداد الداعشي فذكرتهم بعدم الكيل بمكيالين محاربة دواعش سوريا كارهابيين خارجين على الثورة ومتعاونين مع نظام الأسد – وهو صحيح – ومهادنة امتداداتها في العراق وفي لقاء مع فضائية – أورينت – المحسوبة على الثورة السورية آلمني كثيرا عندما لاحظت أن تقرير البرنامج ومقدمه في صف – داعش – والتعاطف معها في عدوانها على الساحة العراقية .
   بعد مضي – داعش – في عدوانها واقتراف جرائم ضد الإنسانية بحق المسيحيين وابادة الطائفة الكردية الايزيدية واحتلال منطقة سنجار واستهداف كل من ليس عربيا أومسلما سنيا ونهب أموال المواطنين وتطبيق شرائعها بقوة السلاح وجز الحلاقيم وذبح من لايمتثل بحد السيف واستخدام أسلحة الجيش العراقي الحديثة المستولى عليها بالموصل للهجوم على شعب إقليم كردستان ( الكافر الصليبي !) وبعد أن هب المجتمع الدولي وخصوصا الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا وحتى بعض الدول العربية والاسلامية لنصرة كردستان عسكريا وسياسيا وانسانيا وإنقاذ عشرات آلاف الأرواح في جوار الموصل وسنجار بدأنا نلمس رقصا نخبويا عربيا على أنغام – داعش – بطريقة ملتوية من قبيل طرح تساؤل غريب بغير محله مفاده لماذا مساعدة إقليم كردستان والاحجام عن تلبية دعم – السنة العرب أو المعارضة السورية أو غزة  – والاسهاب في المضي بالخيال الواسع الى درجة الإصرار على وجود مؤامرة صهيونية – أمريكية – كردية !؟ .
  قد تغفل هذه النخب ( وهنا لاأعتبرها كلا واحدا وأميز من ضمنها مفكرين ومثقفين واعلاميين وبينهم أصدقاء اتخذوا الموقف السليم من موضوع بحثنا ) أن إقليم كردستان العراق شعبا ورئاسة وحكومة يضع الولايات المتحدة الأمريكية والبلدان الأوروبية بحسب قناعاته في خانة الأصدقاء وليس لديه مشكلة كبرى مع الغرب في المرحلة الراهنة ومنذ توقف الحرب الباردة وكان المركز الرئيسي للمعارضة العراقية قبل سقوط النظام الدكتاتوري واستقبل القوات الأمريكية الداعمة للمعارضة وتعاون معها في محاربة الإرهاب ويشيد على الدوام بفضل الأمريكيين بتحريرالعراق بعكس الآخرين من هنا وهناك الذين لهم مواقف وأجندات وقراءات مختلفة .

   أتمنى على هذه النخب الثقافية العربية أن تساهم إيجابيا في تعزيز أسس العلاقات الكردية العربية بالتسليم المبدئي بحق شركائها وأصدقائها الكرد بتقرير المصير واتخاذ الموقف الذي يناسبهم وحسب مقاسهم وليس حسب مقاس الآخرين كما آمل أن تكون هذه النخب بأقلامها وتصريحاتها سندا للوطنيين الديموقراطيين الكرد المتمسكين بالصداقة بين الشعبين والذين يعملون الآن على رأب الصدع ووقف نزعة الانتقام ضد بعض المواطنين العرب من سكان مناطق وبلدات تخوم كردستان الذين قلبوا ظهر المجن لأخوتهم في العيش المشترك وانضمامهم الى صفوف – داعش – ومشاركتهم في جرائم القتل والذبح والنهب .

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

اكرم حسين في خطوة جديدة أثارت استياءً واسعاً في اوساط السكان ، تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي قراراً منسوباً لهيئة الاقتصاد التابعة “للإدارة الذاتية” برفع سعر ربطة الخبز من 1500 ليرة سورية إلى 2000 ليرة سورية ، وقد جاء هذا القرار، في وقت يعاني فيه اهالي المنطقة من تهديدات تركية ، وضغوط اقتصادية ، وارتفاع غير مسبوق في تكاليف المعيشة….

عبدالله ىكدو مصطلح ” الخط الأحمر” غالبا ما كان – ولا يزال – يستخدم للتعبير عن الحدود المرسومة، من لدن الحكومات القمعية لتحذير مواطنيها السياسيين والحقوقيين والإعلاميين، وغيرهم من المعارضين السلميين، مما تراها تمادياً في التقريع ضد استبدادها، الحالة السورية مثالا. وهنا نجد كثيرين، من النخب وغيرهم، يتّجهون صوب المجالات غير التصّادمية مع السلطات القمعية المتسلطة، كمجال الأدب والفن أو…

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…