الأمريكان وداعش ضمن سوريا

جان كورد

الأمريكيون يمنعون طائراتهم المدنية من التحليق في سماء رسوريا لأنهم على علمٍ بأن على الأرض السورية من هو مستعدٌ لإطلاق الصواريخ حتى على الطائرات المدنية، بمعنى أن في سوريا إرهابيون يعتبرون أنفسهم في حربٍ على الولايات المتحدة الأمريكية، ومنهم تنظيم (داعش) الذي أعلن عن “دولة الخلافة” على أراضي عراقية وسورية، واضطرت الإدارة الأمريكية مؤخراً، تحت وطأة ما ترتكبه هذه “الدولة الإرهابية” من مجازر على الأرض، وما تشكله من تهديدٍ حقيقي لمصالحها البترولية، للقيام بهجماتٍ جويةٍ مكثّفةٍ على مقرات وأرتال داعش العسكرية، هذه الأرتال التي كانت حتى يوم الهجوم الغادر على الأزداهيين في منطقة شنكال الكوردية، تجوب أنحاء الأرض التي أعلنت عليها دولةً مثيرةً للرعب، بين حلب وبغداد، ولم تتحرك الولايات المتحدة لعمل شيءٍ فعلي ضدها.
اكتشف السيد أوباما، بعد أن اتسع الخرق على الراقع، خطأه الكبير الذي لن يكون تصحيحه سهلاً،  وذلك بعد سنتين كاملتين أو أكثر من نداءات الاستغاثة التي كانت ولا تزال تطلقها المعارضة السورية والمنظمات الإنسانية الدولية بصدد ارتكاب داعش للعديد من المجازر ضد المدنيين، أي الجرائم ضد الإنسانية، في كلٍ من سوريا والعراق، واتخذ أوباما بعد إلحاحٍ من جهاتٍ أمريكية ودولية عديدة، قراره بمساعدة القوات العراقية، وقوات البيشمركه الكوردية، عن طريق القصف الجوي، دون إنزال قواتٍ برّيةٍ أمريكية على الأرض، وهو يعلم تماماً أن أمريكا قد دخلت (حرباً فعلية) بإقدامه على إصدار أوامره لقواته، فإن داعش الذي يعتبر من أخطر التنظيمات المتطرّفة المتخذة للدين قناعاً لها، قد تحوّل من تنظيم مسلّح إلى “دولة إرهابية” كما قال السيد مسعود بارزاني رئيس إقليم جنوب كوردستان مؤخراً، ولن يكون سهل المنال بالشكل الذي يتوقّعه البعض لأنه مدعومٌ من دولٍ إقليمية تمدّه بمختلف أشكال الدعم اللوجيستي والمالي وتساعد قيادته في التخطيط وإدارة الحرب، وإلاً فلماذا تفادى النظام السوري قصف مقرات وأرتال داعش الطويلة لأكثر من سنتين، في حين أنه يقصف مختلف الأحياء المدنية والقرى السورية بالبراميل المتفجرة ويستخدم كل ما لديه من أسلحة ثقيلة وأسلحة دمار شامل ضد سائر القوى المقاتلة ضمن تشكيلات الجيش السوري الحر وخارجها طوال الفترة قبل إعلان داعش لدولة الخلافة؟ ولماذا لم تهاجم قوات “أحزاب الله” اللبنانية والعراقية وغيرها الداعمة لنظام الأسد مقاتلي داعش، في حين أنها كانت تهاجم سائر قوى الثورة السورية الأخرى؟
ومعلوم أن داعش متهم بعلاقاته الوطيدة مع نظام الأسد وثبت مراراً أنه يهاجم قوى الثورة السورية ويرتكب المجازر ضد أتباعها من مختلف الأحزاب والتنظيمات، ولا يدع مقراً يحتله من مقرات الجيش السوري الحر إلا وتدخله قوات النظام دون قتالٍ مع داعش، بل إن انسحاب فرقٍ كاملة للجيش العراقي من مدينة الموصل دون أي صدامٍ مع قوات داعش، مثير للشكوك، حيث استولى على أسلحةٍ متطوّرةٍ وعتادٍ وذخائرَ ودباباتٍ ومدرعاتٍ ومدافعَ استخدمها ليس في العراق فحسب وإنما في سوريا ضد الثورة السورية أيضاً.
 قرر السيد أوباما مساعدة الجيش العراقي والبيشمركه في كوردستان، إلا أن داعش لا يعترف بالحدود بين سوريا والعراق، وتنتقل أرتاله بين البلدين ذهاباً وإياباً حسبما تقتضي ظروف القتال، فماذا سيفعل أوباما عندما يتراجع هذا العدو الذي يعتبر في نظر الخبراء الأمنيين والعسكريين وكذلك السياسيين أخطر على الولايات المتحدة من القاعدة؟ هل سيقول للكورد وللعراقيين: لا… لا… أنا قررت القتال ضد داعش ضمن حدود العراق فقط…؟  أم أنه سيدعم قوات الأسد الذي انتزع أوباما منه بنفسه “الشرعية” كرئيس لسوريا؟ لتقاتل بالنيابة عن أمريكا ودفاعاً عن مصالحها واستراتيجيتها في المنطقة؟  
وحقيقةً، فإن داعش قد هاجم الكورد  مراراً داخل سوريا ومواطن اليزيديين منهم خاصةً، حيث لهم عدة قرى في منطقة (جبل الأكراد) التي مركزها مدينة عفرين، غرب مدينة حلب.  فهل سينتظر أوباما، حتى يرتكب داعش مجازر أخرى بحق الكورد السوريين وأن تحدث هجرة جماعية أخرى للكورد اليزيديين، حتى يسمح لطياريه بقصف مقرات ووحدات داعش الذي يستولي على مساحاتٍ واسعة من سوريا؟
أمريكا متورّطة في حربٍ لا يمكن لها الخروج منها إلا منتصرة أو منهزمة، وهذا ما كان ليحدث لو أن السيد أوباما لبّى نداءات الشعب السوري قبل الآن بسنةٍ أو سنتين، ونتذكّر أن السيدة وزيرة خارجيته هيلاري كلينتون قد قالت عنه بأن سياسته الخاطئة هي التي أفسحت المجال أمام داعش لتقوية مراكزه ومكانته في سوريا والعراق.  

اليوم حيث لا تزال المعارضة السورية تطالب المجتمع الدولي بالتدخل السريع والواسع لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من سوريا المحتضرة والمعرّضة للتمزّق تحت وطأة مجازر النظام وداعش معاً، على البيت الأبيض أن يصغي لهذه النداءات الإنسانية التي تعكس معاناة شعبٍ بأكمله، وشاء أوباما أم لم يشأ فإنه قد اتخذ قراراً لن يكلّف التراجع عنه سوى مزيدٍ من الحرب والدمار والجرائم ضد الإنسانية، فالتراجع عن دعم شعوب المنطقة في مواجهة الدكتاتورية والاستبداد والإرهاب التكفيري لن يكون في خدمة المصالح الاستراتيجية لدول العالم الحر الديموقراطي بالتأكيد. وأملنا هو المزيد من القرارات الدولية وتطبيقها فعلياً لصون ما تبقّى من الشعب السوري والحد من امداد الإرهابيين بالمقاتلين من الدول الأوروبية وسواها، وكذلك بالوقوف إلى جانب الشعبين الكوردي والعربي في كلٍ من العراق وسوريا ضد هجمات الإرهابيين، وحماية فعلية للأقليات الدينية والقومية في المنطقة، والقضاء على حكم العائلة الأسدية، وانهائه مثل انهاء حكم نوري المالكي الذي كان مع الأسد وراء دعم داعش ومن على شاكلته… وإلا فإن شعوب المنطقة ستتحوّل تدريجياَ إلى خندق عدم الإيمان بالقيم والمبادئ التي تعتبر أمريكا نفسها حاميةَ لها وجيوشها مدافعة عنها.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

اكرم حسين في خطوة جديدة أثارت استياءً واسعاً في اوساط السكان ، تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي قراراً منسوباً لهيئة الاقتصاد التابعة “للإدارة الذاتية” برفع سعر ربطة الخبز من 1500 ليرة سورية إلى 2000 ليرة سورية ، وقد جاء هذا القرار، في وقت يعاني فيه اهالي المنطقة من تهديدات تركية ، وضغوط اقتصادية ، وارتفاع غير مسبوق في تكاليف المعيشة….

عبدالله ىكدو مصطلح ” الخط الأحمر” غالبا ما كان – ولا يزال – يستخدم للتعبير عن الحدود المرسومة، من لدن الحكومات القمعية لتحذير مواطنيها السياسيين والحقوقيين والإعلاميين، وغيرهم من المعارضين السلميين، مما تراها تمادياً في التقريع ضد استبدادها، الحالة السورية مثالا. وهنا نجد كثيرين، من النخب وغيرهم، يتّجهون صوب المجالات غير التصّادمية مع السلطات القمعية المتسلطة، كمجال الأدب والفن أو…

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…