«البيشمركة».. المنقذ الأخير..!

هاني
الظاهري


  

تتجه أنظار العالم اليوم نحو
«الهولوكوست» التاريخي الحديث الذي يمارسه تنظيم داعش ضد العراقيين وبالأخص أبناء
الأقليات من إيزيديين ومسيحيين وشبك وتركمان، إذ يقتل الأطفال والرجال وتسبى
النساء لتباع الواحدة منهن كجارية بنحو 150 دولاراً في أسواق الموصل، وهو ما لم
يحدث خلال آلاف السنين في عراق التعايش والحضارات. 

 
بدأت الحكاية حينما
هرب الجيش العراقي من الموصل وسلّم عتاده لداعش نتيجة ثورة المكوّن السني في المدينة وما حولها على طائفية
حكومة رئيس الوزراء العراقي السابق نوري المالكي، ما أدى في نهاية المطاف إلى
تنامي قوة الإرهابيين وتحوّل المكوّن السني بأكمله في شمال العراق إلى رهينة لدى
عصابة البغدادي.. 

رهينة مشلولة لا تملك من أمرها
شيئاً، فلا توجد دولة تحميها من إجرام مرتزقة الإرهاب القادمين من بقاع هذا الكوكب
كافة، ولا هي قادرة على حماية نفسها بعد أن توزعت ولاءاتها بين الفصائل المختلفة
التي هي في الحقيقة أضعف بكثير من أن تقف أمام الدواعش أو تستقل عنهم. 

 
سقطت الموصل وما
حولها من قرى ومدن مأهولة بتنوع طائفي نادر في هوة مظلمة سحيقة، منتظرة أن يمد لها أحد حبل النجاة.. مرّت
الأيام وأزكمت رائحة المجازر الشنيعة أنف العالم. 
 
فيما جهة واحدة فقط
ظلت تخوض معركة الوجود ضد الدواعش منذ فكروا في التمدد شمالاً ونجحت في إعاقتهم وهي قوات «البيشمركة»
الكردية، حتى عندما قرر الرئيس الأميركي أوباما التدخل وتوجيه ضربات جوية لعصابات
البغدادي، اكتشف أنها لن تكون مجدية ما لم يدعمها وجود عسكري على الأرض، وهذه
المعادلة لا تحققها حالياً وفي هذه الظروف القوات العراقية، ما يعني ضرورة توجيه
الدعم العسكري النوعي لـ «البيشمركة» التي حققت أخيراً تقدماً جيداً استعادت معه
سد الموصل وعدداً من القرى التي سيطر عليها الدواعش خلال الفترة الماضية. 
 
الجيش العراقي
المنسحب جنوباً وجد ضالته أيضاً لاستعادة ما يمكن استعادته من أراضٍ سيطر عليها التنظيم، في دعم «البيشمركة»
ومساندة عملياتها ضد داعش بالطائرات، وهو ما يعني أن القوات الكردية باتت بمثابة
«المنقذ الأخير» للعراقيين. 
 
في ظروف لم يكن أحد
من عرب العراق يتوقعها مطلقاً لو دار الحديث عنها في ثمانينات وتسعينات القرن الماضي، لكنه التاريخ يكتب
للعالم دروسه التي تعطي نتيجة واحدة دائماً، هي أن النصر والأمن والخير في التحالف
الإنساني والوطني ضد كل ما يهدد الإنسان والحضارة لا في النزاعات الدينية
والطائفية والعنصرية والمكاسب والامتيازات الوقتية. قبل أيام دعا محافظ نينوى أثيل
النجيفي في بيان رسمي «العشائر العربية إلى الوقوف مع قوات البيشمركة في الحرب على
داعش»، فيما تم الكشف عن خطة أميركية تتضمن أن تضطلع البيشمركة، بمساعدة مسلحين من
الأقليات بتطهير نينوى وبقية المناطق، وأن يعهد إلى العشائر والفصائل المسلحة
السنية، بالتعاون مع أفواج الطوارئ، تطهير الأنبار، تمهيداً لتشكيل قوات نظامية من
سكان المحافظة تابعة لوزارة الدفاع»، وإن نجح الأمر وتخلّص العراقيون من سيطرة
داعش فلا بد أن يرددوا عرفاناً «الله محيي البيشمركة».
  

———- 

 الحياة

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest


0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين من المعلوم انتهى بي المطاف في العاصمة اللبنانية بيروت منذ عام ١٩٧١ ( وكنت قبل ذلك زرتها ( بطرق مختلفة قانونية وغير قانو نية ) لمرات عدة في مهام تنظيمية وسياسية ) وذلك كخيار اضطراري لسببين الأول ملاحقات وقمع نظام حافظ الأسد الدكتاتوري من جهة ، وإمكانية استمرار نضالنا في بلد مجاور لبلادنا وببيئة ديموقراطية مؤاتية ، واحتضان…

كفاح محمود مع اشتداد الاستقطاب في ملفات الأمن والهوية في الشرق الأوسط، بات إقليم كوردستان العراق لاعبًا محوريًا في تقريب وجهات النظر بين أطراف متخاصمة تاريخيًا، وعلى رأسهم تركيا وحزب العمال الكوردستاني، وسوريا وقوات سوريا الديمقراطية (قسد)، في هذا السياق، يتصدر الزعيم مسعود بارزاني المشهد كوسيط محنّك، مستفيدًا من شرعيته التاريخية وصلاته المعقدة بجميع الأطراف. ونتذكر جميعا منذ أن فشلت…

خوشناف سليمان في قراءتي لمقال الأستاذ ميخائيل عوض الموسوم بـ ( صاروخ يمني يكشف الأوهام الأكاذيب ) لا يمكنني تجاهل النبرة التي لا تزال مشبعة بثقافة المعسكر الاشتراكي القديم و تحديدًا تلك المدرسة التي خلطت الشعارات الحماسية بإهمال الواقع الموضوعي وتحوّلات العالم البنيوية. المقال رغم ما فيه من تعبير عن الغضب النبيل يُعيد إنتاج مفردات تجاوزها الزمن بل و يستحضر…

فرحان مرعي هل القضية الكردية قضية إنسانية عاطفية أم قضية سياسية؟ بعد أن (تنورز) العالم في نوروز هذا َالعام ٢٠٢٥م والذي كان بحقّ عاماً كردياً بامتياز. جميل أن نورد هنا أن نوروز قد أضيف إلى قائمة التراث الإنساني من قبل منظمة اليونسكو عام ٢٠١٠- مما يوحي تسويقه سياحياً – عالمياً فأصبح العالم يتكلم كوردي، كما أصبح الكرد ظاهرة عالمية وموضوع…