أول ما يتبادر إلى الذهن، من خلال العنوان، هو أن التلميذ يتعلم، وأن
المعلّم يعلّم. يا للبداهة ! إنما الأهم هو أن العلاقة بين الاثنين أبعد من أن
تكون علاقة تابع بمتبوع . نعم، إن التلميذ في بداية عمره، ولكنه مهيأ لأن ينضج
ويتكامل، أن يعلّم لاحقاً، وما كان له أن يكون تلميذاً دون معلّم يتبناه، أو يدخل
معه في علاقة هي أن معيار نجاح المعلم في مهنته: رؤية التلميذ معلّماً .
والسياسة من هذا المنظور مدرسة، ولها أركانها، وشُعَبها، ودروسها،
ومناهجها، وبرامجها وطبيعة الدوام فيها، وهي قد تكون كبيرة أو صغيرة، إنما الأهم
بالمقابل، هو أنها تجمع داخل حزمتها العمرانية داخلاً وخارجاً والتي قد تتجاوز
حدود النظر، وخصوصاً لمن يعاني من ِقصْر
النظر بالمعنى الواسع للكلمة، تجمع أصنافاً أو نوعيات كبيرة وكثيرة إلى
درجة التفاوت اللافت ممن يتعلمون، إنما أيضاً ممن يعجزون عن أن يكونوا تلاميذ، أي
مستوى التلمذة، وفي النتيجة ممن يكون مصيرهم: الرسوب، وحتى الفشل في الحياة
لاحقاً.
مدرسي محدود، تسمية أحدهم معلّماً ومن له علاقة به أو معه بتلميذ. كما هو الحال في
العلاقات التي تقوم بين الدول وهي في اختلاف أنظمتها وقواها طبعاً .
ولعل التاريخ خير شاهد على هذه المنحنيات ” السينية – العينية ”
داخل الدائرة الأرضية- الفضائية إزاء توسّع حدود العلاقات ومستثمريها في السياسة عبر الميديا ذات
النسَب الفضائي اليوم، و” آلاء: نِعَم” الانترنت..الخ.
دولٌ على مستوى سياساتها وتوجهاتها الإعلامية والاجتماعية والمصالحية في
الصميم تتخذ مواقع معلّمين، ودول
لا تخفي دور التلاميذ في التجاوب معها، إنما، ومن باب اللزوم التنبه إلى أن ذلك
يفيد التلميذ ويسجّل كل إنجاز لصالح الآخر.
من واجبات المعلّم، وكونه معلّماً أن يثبت معلميته في سلوكه، وبرامجه،
وأسلوبه وطريقة أدائه لواجبه، ومن واجبات التلميذ أن يثبت تلميذيته من خلال ” هضم ”
المتلقي، وإبراز القدرة على التعلم، لا بل وإحراج المعلم أحياناً بأسئلة قد تحفّزه
حتى على أن يتعلّم هو بالذات، أن يصبح تلميذ تلميذه، ليحسن تدبر نفسه، ويوسّع حدود
معلوماته، بقدر ما يكون أكثر استعداداً لما لا يتوقعه، وإلا لما خسر التلميذ وثقته
فقط، وإنما موقعه كمعلّم، كما الحال في التعامل مع التلميذ ” النجيب ”
والذي يصبح في بعض الحالات معلّم معلّمه، وهذا يعمّق في مفهوم العلاقة البينية
بينهما .
في السياسة السطحية والاعتباطية، السياسة التي تتمثل في تلاميذ فاشلين في
التعلم ومعرفة أولويات العلم
وإدارة فنون لغة التعلم والعلاقة مع الآخرين، وعلى أعلى مستوى، وخيبة أمل معلّميهم
فيهم، خصوصاً حين ينقلبون شقاة ” أشقياء “، في السياسة هذه، ما أسهل أن
يجري التزوير السياسي ، والتشويه الرئيس لخاصية السياسة، جرّاء اتهام طرف ما بأنه
” تلميذ ” لا أكثر، بينما الذي يهتم بأمره، فهو ” معلّم ” لا
أكثر بالمقابل، هذا التوصيف يشدّد على مدى إساءة ” التلميذ ” الفاشل في
مدرسة الحياة إلى نفسه ومن يعنيه أمره، وإلى وسطه، عندما يصبح الفشل في ذروة
تعاطيه انتقاماً ممن كل زميله في الصف أو في الحياة، وفي الوقت عينه إساءة إلى
المعلّم.
ليس من أحد، ودون استثناء إطلاقاً، بقادر أن يخفي هذا النوع من العلاقة:
أنه تلميذ وثمة معلّم ما وهو يتلقى منه المدد، وأن هذا المدد هو الذي يمكّنه من ” يقف
” على رجليه، وأن يفلح في الحياة، أو ” ينجح في امتحان ” المعلّم.
للتنويه هنا: المعلّم غير الأستاذ ” لأذكّر من له صلة بالموضوع،
بأسلوب السخرية المعتمدة في الخدمة العسكرية، حين كان الضابط المدرّب، أو المدرب العسكري ينادي أحدهم:
غالباً ما يكون في عِداد الخدم الإلزامية، وخرّيج جامعة أو معهد…الخ بقول: يا
أستاذ “، بينما المعلّم ككلمة، فلها نكهتها وطرافتها وصداها الطيب في المجتمع
هنا وهناك.
في سياق المقال والذي، ربما اتخذ طابعاً من التجريد، لتوسيع دائرة التأمل،
ليس على الكردي حرج، وهنا أسمّي
العلاقة وألبسها لبوسها السياسي الثقافي الاجتماعي التربوي معاً ، من أن يُسمى
تلميذاً، وتحديداً راهناً، وأن يتم ربطه بالأميركي بصفته معلّماً، وهو ليس دعوة
إلى لزوم الاعتراف، إنما اعتراف بما هو قائم بقدر ما تكون العلاقة مثمرة للطرفين،
ولعل الجاري اليوم، يشكل اللحظة الأولى تاريخياً ومن خلال حيثيات الوضع في إقليم
كردستان في صراعه مع” داعش ” ومن مع داعش داخل العراق وخارجه، تلك التي
ترسم الخطوط السليمة للعلاقة بين تلميذ أبعد من كونه تلميذاً، ومعلّماً لا يمكن أن
يسمى معلّماً بذاته، وإنما في ضوء أن التلميذ يحسن إدارة أموره، لو توافرت
الإمكانات، إنما أكثر، هو أن المعلّم حين يهتم بأمره، يكون ذلك من مصلحته، واكتساب
حسن سلوك يمكن أن يحصل عليه أمام أنظار العالم.
في الحلقة الأخيرة وليس الآخِرة في سلسلة سياق المقال: لكَم شهّر في
الكردي، وأبعِد خارج مدرسة الحياة الكبرى، ونظِر إليه على أنه غير جدير بالحياة،
ليمضي حياته مقاوِماً هذا التقييم ” اللئيم ” في حقه.
في مواجهة “داعش” وحلفاء داعش، ودعاة داعش التي أرهبت حتى الذين
برزوا ويبرزون معها في النشأة وتحديد أهداف دون أخرى، ومع “الكرد”
كثيراً، أظهر الكرد أنهم أهل حياة، وأنهم لا يستحقون أن يكونوا تلاميذ لمعلّمين في
الحياة: بناء وإدارة أمور مجتمع فحسب، وإنما أن يكونوا معلّمين أيضاً، بكل معنى
الكلمة، لأولئك الذين يرون أنفسهم معلمين دون معلمين مذ ولدتهم أمهاتهم بطريقة ما،
رغم أنهم يتحسرون على وجود معلّم يتبناهم، معلم هم بأمس الحاجة إليه ليحرّرهم ولو
قليلاً من “أنويتهم” المضخمة، سوى أنهم باعتدادهم المريع بأنفسهم تلك،
لا يكفُّون عن إلحاق الأذى بسواهم.. إنما بأنفسهم قبل كل شيء ..
” أم دواعش ” ؟ أترك التضمين لأهله المتعلمين هنا حصراً!