ابراهيم محمود
رب سائل يشدد على سؤال من هذا القبيل: ما الذي يجري في العراق ؟ حيث نلاحظ سفك الدماء وما يسمى أحياناً بـ” القتل المجاني “، لكن قارئ التاريخ العربي- الإسلامي، والمتابع لتاريخ العراق بالذات، لا بد أن يكون على بيّنة نافذة الأثر، وهي أن الجاري في العراق لا ينفصل عما كان منذ مئات السنين وبنسَب متفاوتة، على الأقل منذ توجيه العشائر العربية والمقيمة في شبه الجزيرة العربية تحديداً، وفي مكة والحجاز بدقة أكثر نحوه، من خلال فئات منها، وعلى موجات، أيام خلافة الخليفة ” الراشدي ” عمر بن الخطاب، حيث اعتبِر العراق ” سواد قريش “، ولنشهد جرّاء ذلك تصارعاً عشائرياً- قبائلياً وتحت مسوغات مختلفة بين الذين استوطنوا في العراق، وأهل العراق الذي أصبحوا ” غرباء ” المكان وخدماً وسخرة للغزاة وباسم الإسلام .
هذا التصعيد بالمواقف المتشنجة وإبقاء العراق في وضع ” غير آمن ” ولأزمنة طويلة، وإلى يومنا هذا، يجد مغزاه في هذه التشابكات المدفوعة من الخارج، ليكون الداخل عالقاً في نار الخارج، ومتنازعاً معه في الوقت نفسه، والصراع على الكرسي يقف وراء هذا الدم المسفوك.
لم ينعم العراق بالراحة نظراً لموقعه الاستراتيجي ” وللكرد نصيبهم من نار العراق الكاوية ولسع سياط المتحكمين به تاريخياً أكثر من غيرهم، حتى اللحظة طبعاً ! “، حتى في العصر العباسي الذي لا يكون واحداً، كان هناك مؤامرات ودسائس وسفك دماء، رغم كل الممكن قوله عن ” عصر ذهبي ” له، وعن حضارة ” عالمية ” حينها، إنما حين يتعرض خمسة وعشرون خليفة من أصل خمسة وثلاثين ” مجموع خلفاء العصر العباسي المديد “، للقتل والتمثيل بهم، يكون من السهل جداً اكتشاف خميرة الموت ” غير الطبيعي ” في جنباته.
كل منا، قبل ذلك، يعلم ماذا كان يفعل الحجاج بن يوسف الثقفي في أوج عز الدولة- الامبراطورية العربية- الإسلامية الأموية الطابع، حيث سيفه لم يهمد في غمده، وعبارته المشهورة( يا أهل العراق، أهل الشقاق والنفاق، أرى رؤوساً قد أينعت وحان قطافها …) معروفة لكل مهتم بهذا التاريخ.
على أكثر من صعيد، يسهل القول: ما أشبه اليوم بالأمس، ومن خلال ” داعش : دولة العراق والشام “، ومن الغرب صوب الشرق كثيراً ما يأتي الوباء الخطير في المجمل: الذين غزوا العراق من جهة شبه الجزيرة العربية أو الشام، والذين يجددون العهد وبالختم السنّي ينطلقون من ذات الجهة بمقاييس مختلفة، كما لو أن الداعشيين يريدون إحياء ما كان، وهم يجدون الخير الوفير في العراق ” كل يوم يحصل داعش على ما يقارب 3 ملايين دولار ثمن مبيعات النفط على طريقته “، ليكون لديه ” بستان قريش “، وهذا يكفيه لأن يشرك كل عراقي سنّي المقام ومن يريد التجنيد في هذا التنظيم المرعب، ولنشهد في الوسط العراق السنّي- الشيعي.
داعش في سعي حثيث منه إلى تحويل العراق إلى معسكر ثابت له، يحاول تجنيس من ينتمون إلى ” عقيدته ” التدميرية الخاصة من العراقيين ومن يأتون من الخارج شذاذ آفاق وبحثاً عن متع رخيصة وعلى حساب الناس الآمنين، وكذلك تجنيدهم ليكونوا حماة عقيدته الخاصة هذه، لا يخفى على أي متتبع مدى استقطابه للكثيرين من حوله داخلاً وخارجاً برايته الأصولية السوداء.
لا يهمني هنا طبعاً، وكباحث، ما يقال خلاف السائد، حسبي شهادة التاريخ وبألسنة عتاة المؤرخين، وهم يواجهوننا بالدماء التي سالت وشهد العراق على مدى مئات سنيه حتى اليوم وتحت مسميات مذهبية وعقيدية مختلفة طبعاً، وكل عبارة لها طعم المرارة وليس تشفياً بالتأكيد.
وحده رافض ما تراه عينه، يتهرب من الحقيقة المرّة والتاريخية تلك التي تميّز العراق قديماً وحديثاً، ولا شأن للأعداء البتة، وبالطريقة التي يسميها ” الحريصون ” جداً على العراق ” العربي ” أو ” العربي- المسلم ” معاً ، لأن الأميركان الذين لا يمكن تجاهل يد لهم في الدائر بمعنى ما، وقبلهم الانكليز، إلا أنهم هم أو الانكليز أو غيرهم ما كانوا موجودين أيام الحجاج بن يوسف الثقفي ” توفي سنة 95 هـ “، والتشديد على المؤامرة تأكيد على ” عربية المشكلة ومذهبيتها غالباً “.
بالطريقة هذه، ليس ” داعش ” غازياً في عرف الحريصين على العراق وهم بتوجههم العروبي خصوصاً، إنما ليس أكثر من مخلص أو منقذ، وأن ما يقوم به ليس أكثر من إعادة السلام المزعوم إلى نصابه، كما هو سلوكه الإرهابي مع فئات مختلفة كانوا في العراق قبل ظهور أي سلف داعي: الأثوريون، الكرد الإيزيديون، أو الكرد عموماً، من قطع للرؤوس، وسبي للنساء والتعامل الهمجي معهن إخلاصاً لذائقة دينية مشرعنة لسلوك أفراد هذا التنظيم ومن يتقدمه محلياً .
لن يخرج داعش بالسهولة المتصورة وهو واجد نفسه وسط خيرات وفيرة عبر غنائم ” مفبركة” ومتع قبيحة تعري سوأته التاريخية.
هذا يطرح تحدياً كبيراً على كل من يحاول قطع دابر داعش، وقد شرَّش أصوله السرطانية وأعلنها في نفوس كثيرين يجدون معنى لحياتهم من خلال ترويع الأهالي المحليين والكرد قبل أي كان، وليكون التحدي عالمياً هذه المرة ، إنما يكون إقليم كردستان ساحة للتحدي والرهان في مساعيه للقضاء على داعش، وهو أكثر من جبهة داخلية وخارجية .
م:
لقراءة تاريخ العراق، يمكن النظر في أهم المدونات التاريخية والتي تحمل أسماء: الطبري، اليعقوبي، المسعودي، ابن الأثير، ابن كثير…الخ.
في كتاب حديث، رغم قدمه النسبي، للباحث الدكتور غسان سلامة، وهو” المجتمع والدولة في المشرق العربي “،أشار إلى أن سفك الدم لم يتوقف في العراق بامتداد تاريخه ” أنقل الكلام التقريبي، وليس حرفياً ” .
لم ينعم العراق بالراحة نظراً لموقعه الاستراتيجي ” وللكرد نصيبهم من نار العراق الكاوية ولسع سياط المتحكمين به تاريخياً أكثر من غيرهم، حتى اللحظة طبعاً ! “، حتى في العصر العباسي الذي لا يكون واحداً، كان هناك مؤامرات ودسائس وسفك دماء، رغم كل الممكن قوله عن ” عصر ذهبي ” له، وعن حضارة ” عالمية ” حينها، إنما حين يتعرض خمسة وعشرون خليفة من أصل خمسة وثلاثين ” مجموع خلفاء العصر العباسي المديد “، للقتل والتمثيل بهم، يكون من السهل جداً اكتشاف خميرة الموت ” غير الطبيعي ” في جنباته.
كل منا، قبل ذلك، يعلم ماذا كان يفعل الحجاج بن يوسف الثقفي في أوج عز الدولة- الامبراطورية العربية- الإسلامية الأموية الطابع، حيث سيفه لم يهمد في غمده، وعبارته المشهورة( يا أهل العراق، أهل الشقاق والنفاق، أرى رؤوساً قد أينعت وحان قطافها …) معروفة لكل مهتم بهذا التاريخ.
على أكثر من صعيد، يسهل القول: ما أشبه اليوم بالأمس، ومن خلال ” داعش : دولة العراق والشام “، ومن الغرب صوب الشرق كثيراً ما يأتي الوباء الخطير في المجمل: الذين غزوا العراق من جهة شبه الجزيرة العربية أو الشام، والذين يجددون العهد وبالختم السنّي ينطلقون من ذات الجهة بمقاييس مختلفة، كما لو أن الداعشيين يريدون إحياء ما كان، وهم يجدون الخير الوفير في العراق ” كل يوم يحصل داعش على ما يقارب 3 ملايين دولار ثمن مبيعات النفط على طريقته “، ليكون لديه ” بستان قريش “، وهذا يكفيه لأن يشرك كل عراقي سنّي المقام ومن يريد التجنيد في هذا التنظيم المرعب، ولنشهد في الوسط العراق السنّي- الشيعي.
داعش في سعي حثيث منه إلى تحويل العراق إلى معسكر ثابت له، يحاول تجنيس من ينتمون إلى ” عقيدته ” التدميرية الخاصة من العراقيين ومن يأتون من الخارج شذاذ آفاق وبحثاً عن متع رخيصة وعلى حساب الناس الآمنين، وكذلك تجنيدهم ليكونوا حماة عقيدته الخاصة هذه، لا يخفى على أي متتبع مدى استقطابه للكثيرين من حوله داخلاً وخارجاً برايته الأصولية السوداء.
لا يهمني هنا طبعاً، وكباحث، ما يقال خلاف السائد، حسبي شهادة التاريخ وبألسنة عتاة المؤرخين، وهم يواجهوننا بالدماء التي سالت وشهد العراق على مدى مئات سنيه حتى اليوم وتحت مسميات مذهبية وعقيدية مختلفة طبعاً، وكل عبارة لها طعم المرارة وليس تشفياً بالتأكيد.
وحده رافض ما تراه عينه، يتهرب من الحقيقة المرّة والتاريخية تلك التي تميّز العراق قديماً وحديثاً، ولا شأن للأعداء البتة، وبالطريقة التي يسميها ” الحريصون ” جداً على العراق ” العربي ” أو ” العربي- المسلم ” معاً ، لأن الأميركان الذين لا يمكن تجاهل يد لهم في الدائر بمعنى ما، وقبلهم الانكليز، إلا أنهم هم أو الانكليز أو غيرهم ما كانوا موجودين أيام الحجاج بن يوسف الثقفي ” توفي سنة 95 هـ “، والتشديد على المؤامرة تأكيد على ” عربية المشكلة ومذهبيتها غالباً “.
بالطريقة هذه، ليس ” داعش ” غازياً في عرف الحريصين على العراق وهم بتوجههم العروبي خصوصاً، إنما ليس أكثر من مخلص أو منقذ، وأن ما يقوم به ليس أكثر من إعادة السلام المزعوم إلى نصابه، كما هو سلوكه الإرهابي مع فئات مختلفة كانوا في العراق قبل ظهور أي سلف داعي: الأثوريون، الكرد الإيزيديون، أو الكرد عموماً، من قطع للرؤوس، وسبي للنساء والتعامل الهمجي معهن إخلاصاً لذائقة دينية مشرعنة لسلوك أفراد هذا التنظيم ومن يتقدمه محلياً .
لن يخرج داعش بالسهولة المتصورة وهو واجد نفسه وسط خيرات وفيرة عبر غنائم ” مفبركة” ومتع قبيحة تعري سوأته التاريخية.
هذا يطرح تحدياً كبيراً على كل من يحاول قطع دابر داعش، وقد شرَّش أصوله السرطانية وأعلنها في نفوس كثيرين يجدون معنى لحياتهم من خلال ترويع الأهالي المحليين والكرد قبل أي كان، وليكون التحدي عالمياً هذه المرة ، إنما يكون إقليم كردستان ساحة للتحدي والرهان في مساعيه للقضاء على داعش، وهو أكثر من جبهة داخلية وخارجية .
م:
لقراءة تاريخ العراق، يمكن النظر في أهم المدونات التاريخية والتي تحمل أسماء: الطبري، اليعقوبي، المسعودي، ابن الأثير، ابن كثير…الخ.
في كتاب حديث، رغم قدمه النسبي، للباحث الدكتور غسان سلامة، وهو” المجتمع والدولة في المشرق العربي “،أشار إلى أن سفك الدم لم يتوقف في العراق بامتداد تاريخه ” أنقل الكلام التقريبي، وليس حرفياً ” .
عندما صدر كتابي ” الفتنة المقدسة: عقلية التخاصم في الدولة العربية- الإسلامية ” في بيروت، سنة 1999، تعرَّض لأكثر من اتهام بأن مؤلَّفه ” الداعي ” عنصري، وربما هو تأكيد آخر على أن أصحاب التهمة يخشون قراءة تاريخهم بالذات، ومنِع من دخول بلدان عربية كثيرة، سوى أنه نال ما يستحقه باعتباره يسمي ما هو قائم في هذا التاريخ .