على أشلاء شنكال تجتمع القيادات الكردستانية، فظهرت البسمة من خلف الدموع المدرارة على وجوه الكرد، وتلاقت فوهات أسلحة كردستانية كانت حتى البارحة الخوف قائما من أن توجه لصدر الكردي الأخر، حتى ولو كانت رمزية وفي مجموعات قليلة، لكنها خلقت إيمان بإن المستحيل غير موجود، وإن هناك أمل من الخلاص من الطغيان الإقليمي. صرخات شنكال كانت أقوى وأعمق تأثيرا من نضال عقود من الأقلام والسياسيين المطالبين بالتجمع على كلمة سواء، فكل طفل وامرأة أنقذت من أحضان الأودية بمساندة البيشمركة وال ي ب ك تعتبر أيقونة الوحدة الكردستانية، مثلما هي صفحة عن آلام الوطن المهدور عفتها، وما قامت به القوات الكردية مشتركة، حتى ولو كان التلاقي على سلام وكلام عابر أو خطة آنية تعتبر ثورة في التاريخ العسكري الكردي، تلاقيهم رغم الإملاءات المبطنة من القوى الإقليمية، بينت على مدى إحساس البعض بالشعور الوطني الكردستاني. ولقاء رئيس إقليم كردستان العراق السيد مسعود برزاني بالقيادات الكردستانية الأخرى والصور التي نشرت عنها، ودون الدخول في التفاصيل والتحليلات وأبعاد اللقاء وما وراء الأروقة السياسية والأجندات الإقليمية، تعد صفحة مجيدة في تاريخ كردستان القادمة، وتكوين جديد للوجدان السياسي الكردستاني الممزق على مدى عقود بسبب الصراعات المدمية والخلافات الأبدية.
ما يؤسف عليه، إن هذه الأبعاد الكردستانية لم تسقط على المريدين من تابعي الأحزاب، ولم تلقنهم العمل على ردم هوة الصراعات، حتى ولو كانت الخلافات الفكرية حاضرة، لكن لم تملى أوامر على الأعضاء الحزبيين والأقلام الملتزمة، والأفواه المتحدثة عن الأمجاد الحزبية دون الوطنية، على ترك الهجمات المبتذلة والتي تصل حد الخيانة وأبعد. وربما هذه هي المرة الأولى في تاريخ كردستان، يكون الواقع السياسي والعسكري عكس السائد فيها، حيث القيادة تلتقي والقوى العسكرية تتلاحم، والجماهير الحزبية تقوم بالنفخ في النار وإشعال لهيب الصراع وتوسيع هوة الخلافات وبالطرق السهلة المتوفرة في النت، نظرة سريعة على الإعلام الكردي ومواقع التواصل الاجتماعي تظهر الصورة بكل أطرافها الجميلة والقبيحة، منها تبين لقاء قادة كانوا على خلاف استراتيجي وإيديولوجي، وقوات البيشمركة والعمال الكردستاني أو أل ي ب ك يتلاقون، وفي الطرف الآخر التعليقات وردود أفعال القراء والحزبيين ومريديهم يقذفون السم وينشرون الحقد والكراهية بين الحراك السياسي الكردستاني، فإلى ماذا تؤشر هذه الظاهرة الغريبة الخطيرة، ظاهرة أن القاعدة الجماهيرية الحزبية تود الشقاق والصراع وتوسيع الهوة، في الوقت الذي تقوم فيه بعض القادة بردم الخلافات حتى ولو كان ظاهريا!؟ إنها مخلفات ثقافة رسختها السلطات الشمولية عن طريق أدواتها، ولإزالتها يحتاج الكردي إلى المزيد من التركيز على الحس القومي ويتطلب من القيادات الكردستانية، إنكار الذات الأنانية على الأقل تقديرا أمام الفاجعة الكردستانية الإيزيدية، ومحاولة تبديل الثقافة الحزبية إلى ثقافة وطنية، وخاصة في الحاضر المؤلم الجاري، فالألآم تتجاوز مقدرة الاستماع إلى المصالح الحزبية، وحتى التعرف على النزعة القومية، فالمطالب بالاستماع لا يزال ينحر، روحا وكرامة وتنتزع وجوده من مقدساته، فهل من مجيب، بالنقد المنطقي أو بالسكوت على الأقل.
د. محمود عباس
الولايات المتحدة الأمريكية