عندما تكون مأساة الشنكَالي بورصة للأحزاب الكُردية

 ابراهيم محمود

 أسوأ ما في السياسة أن تكون حفّارة قبرها بيديها، وأسوأ الأسوأ هو في اعتبار ذلك تعبيراً عن مصلحة من يعنيها أمر من تهتم بهم. ولعل تفاؤلاً قد يتلبس المرء لحظة الاعتقاد أنها قد تتحرر من سيطرة هذه الفكرة، وتنفتح على الحياة، إلا أن هذا التفاؤل ربما يزيد في تمادي السياسة هذه، ربما- أيضاً – إخلاصاً لتصور” من شب على شيء، شاب عليه “. إزاء مأساة الشنكالي، بدأت هذه السياسة، كما يظهر، بإشهار دمغتها التحزبية الكردية ومن خلال شهود عيانها، وفي ” روج آفا ” في معسكر ” نوروز ” بجلاء، ومن خلال المتابعة المباشرة لأهل المكان ومكاشفيه، كما لو أن تراجيديا الشنكالي: الكردي الإيزيدي لم تكفِه، ليكون هناك نوع من التسابق بين معنيين بهذه الأحزاب، بـ: استغلالها، إعلاء من شأن شعاراتها أو ” كتالوكاتها ” التحزبية، تأكيداً على ارتباطها بماضيها المحمول بهذه العلامة.
 أو ليست عملية الاستفادة من الظروف حلالاً أو مجالاً مشروعاً لرفع الراية الإيديولوجية، وليعلم من لم يعلم بعد، ما معنى أن ليس في الإمكان اعتبار أي شيء استثناء في لعبة ” التباري ” في التنافس التحزبي، دون إيلاء أي اعتبار لفاجعة المنكوب، أي بجعل مأساة الشنكالي بورصة مضاربات .

هكذا يردد متابعو مشهد فاجعة الشنكالي، وهو منهوك القوى، مثقَلا بفظائع المرئي والمسموع، إذ يصل إلى مشارف المعسكر أقرب إلى الميت، ليجد من يسرع إلى نجدته، وتقديم ما يلزم، على سبيل الإسعافات الأولية، إنما ” إنما ” ليحمل كل ما يقدّم له، على أنه من جهة هذا الحزب أو ذاك، حتى يأخذ المنكوب علماً، وهو بالكاد يسمع ويرى ويحسن التفكير جرّاء الجرح العميق في جسده إنما في روحه أكثر، أن كل شيء بالمقابل، رغم أنف الكردايتي ووحدة الكردية . هذا يوسّع دائرة محنة الكردي في حزبه غالباً، ويستثير الذاكرة المكانية والزمانية، كما لو أن الماضي آخذ بتلابيب الحاضر ويتهدد الآتي، وأن ليس من عاطفة كردية، أو كرامة كردي، أو  غاية كردية، إلا وتمريرها في خُرم إبرة متحزب كردي، ليسهل تحويلها، كما يظهر، إلى ما يشبه الخيط المشمَّع ورفأ خرَق رايته المستهلكة .
أترانا مبالغين، متجنين، متحاملين على هذه الأحزاب التي لا تتردد في الإقدام على ممارسة مثل هذه التصرفات المريعة، وفي وضح النهار، وأمام الملأ، دون أي اعتبار لمن يراقب أو يصور أو يسجل ما يجري، لتأكيد هذه السمسرة البغيضة ذات العلامة القوموية- الشعبوية، الكردوية ، في أرواح عاشت رعباً استثنائياً ؟ أترانا مبالغين، متجنين، متحاملين على هذه الأحزاب، إن ذكّرنا بالذين باتوا في الجهات الأربع من العالم على وقع الحدث السوري، وفي أمكنة مرفهة، وتحت الأضواء، وتحررت ألسنتهم من عقدتها المحلية، وهم بالمئات ” أكثر من ملاك برلمان دولة بالكامل “، وقد أعطيت امتيازات وفيَز للانتقال عبر حدود دول، وهي تسمى من خلال هؤلاء، ولكل منهم زاوية نظر وراية، والجميع يتقاسمون المأساة الوطنية، الشعبية، القومية، الكردية، كما لو أن من المستحيل بروز ممثل حزب أو أكثر دون ظهور آخر أو أكثر بالجوار، أو في إثره في الحال، تأكيداً على أن الكردية لها ديمقراطية خاصة بها، وأنها استناداً إلى تاريخها الانقسامي، وتراكم مشاكلها وتعقدها، ليس في وسع أشخاص محددين، محل ثقة، وفوق دمغة أو وشم الإيديولوجيا الكردوية، تمثيلها، والقيام بواجباتها، ليكون لدينا هذا الجمع الغفير، لأن الكرد استثناء الجغرافيا والتاريخ، لهذا لا غرابة أن نلمح ومن خلال المتابعة، وبطرق شتى، هذه السمنة التي أصابت غالبيتهم، وثخنت رقابهم، وتوسعت ربطات أعناقهم، وعرضت وهي تغطي كروشاً تغذيها مطاعم بمواصفات عالمية، وعلى حساب آلام الشعب، وقصرت تلك الربطات بشكل لافت .. ولا ندري كيف سيكون مآلها في القريب العاجل، إذا استمر الحال هكذا ..

يا سادة الأحزاب الكردية، ومن في حكم تمثيلها: إنها آلام شعب منكوب منكوب منكوب، ونزيف أرواح، اخجلوا ولو لمرة واحدة في التاريخ، من أنفسكم، وممن حولكم، حتى لا تنخسف بكم أرض، سمّيت كردستان، وتختفي بسببكم كلياً، كما الحال مع عاد وثمود !  

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

اعتبر الزعيم الكوردي رئيس الحزب الديمقراطي الكوردستاني مسعود بارزاني، يوم الجمعة، أن الارضية باتت مهيأة لإجراء عملية سلام شامل في منطقة الشرق الأوسط للقضية الكوردية. جاء ذلك في كلمة ألقاها خلال انطلاق أعمال منتدى (السلام والأمن في الشرق الأوسط – MEPS 2024) في الجامعة الأمريكية في دهوك. وقال بارزاني، في كلمته إنه “في اقليم كوردستان، جرت الانتخابات رغم التوقعات التي…

اكرم حسين في خطوة جديدة أثارت استياءً واسعاً في اوساط السكان ، تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي قراراً منسوباً لهيئة الاقتصاد التابعة “للإدارة الذاتية” برفع سعر ربطة الخبز من 1500 ليرة سورية إلى 2000 ليرة سورية ، وقد جاء هذا القرار، في وقت يعاني فيه اهالي المنطقة من تهديدات تركية ، وضغوط اقتصادية ، وارتفاع غير مسبوق في تكاليف المعيشة….

عبدالله ىكدو مصطلح ” الخط الأحمر” غالبا ما كان – ولا يزال – يستخدم للتعبير عن الحدود المرسومة، من لدن الحكومات القمعية لتحذير مواطنيها السياسيين والحقوقيين والإعلاميين، وغيرهم من المعارضين السلميين، مما تراها تمادياً في التقريع ضد استبدادها، الحالة السورية مثالا. وهنا نجد كثيرين، من النخب وغيرهم، يتّجهون صوب المجالات غير التصّادمية مع السلطات القمعية المتسلطة، كمجال الأدب والفن أو…

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…