صالح بوزان
تكشف ظاهرة داعش من الناحية الفكرية أن المجتمعات العربية مازالت حاضنة للفكر الاستبدادي والأصولي التكفيري المتطرف. لأن التطرف لا يتوالد كخلية أحادية، كما أن المستبد لا يبني كيانه الاستبدادي بالاعتماد على القوة فقط. فلا بد أن تتوفر الحاضنة الاجتماعية لهما. هذه الحاضنة هي التي تنتجه أساساً. لذا علينا أن نقر بحقيقة أن داعش والمستبد العربيين هما حصيلة مجتمعهما. وبالتالي فداعش ليس صنيعة النظام السوري والعراقي المالكي والإيراني تماماً. هذه الأطراف الثلاث لم يجلبوا داعش من بلاد الواق الواق. بل جاء داعش أصلاً من البيئة العربية الإسلامية. هذه البيئة التي لم تستطع أن تنتج فكراً وطنياً عصرياً بعد.
تكشف ظاهرة داعش من الناحية الفكرية أن المجتمعات العربية مازالت حاضنة للفكر الاستبدادي والأصولي التكفيري المتطرف. لأن التطرف لا يتوالد كخلية أحادية، كما أن المستبد لا يبني كيانه الاستبدادي بالاعتماد على القوة فقط. فلا بد أن تتوفر الحاضنة الاجتماعية لهما. هذه الحاضنة هي التي تنتجه أساساً. لذا علينا أن نقر بحقيقة أن داعش والمستبد العربيين هما حصيلة مجتمعهما. وبالتالي فداعش ليس صنيعة النظام السوري والعراقي المالكي والإيراني تماماً. هذه الأطراف الثلاث لم يجلبوا داعش من بلاد الواق الواق. بل جاء داعش أصلاً من البيئة العربية الإسلامية. هذه البيئة التي لم تستطع أن تنتج فكراً وطنياً عصرياً بعد.
ولهذا نجد الاستبداد العربي مركب يشمل يمينه ويساره وأصوليه من شتى المذاهب. فكل ذلك تنتجه البيئة العربية. ولا علاقة للامبريالية والصهيونية والمؤامرات الدولية بها، هذه المصطلحات التي يتوارى خلفها المثقف العربي قبل السياسي.
بعد خمسة عشر قرناً من تاريخ الإسلام العربي نجد هذا التشابه المتطابق بين البغدادي وخالد بن الوليد. لقد قتل هذا الأخير سبعين ألفاً من أسرى الرومان لديه في الشام. وقام البغدادي بنفس الطريقة تجاه الكرد اليزيديين. وهكذا فالزمن العربي لا يتحرك إلى الأمام، بل هو يتحرك بشكل دائري ليعود إلى نقطة البدء بين حين وآخر.
المشكلة ليست في الجريمة التي ارتكبها داعش في شنكال، رغم فظاعتها. بل في طبيعة الفكر العربي الإسلامي الذي مازال ينتج نقطة البدء. جميع المؤسسات الإسلامية تعاملت مع داعش بحذر شديد. لم تظهر تلك الإدانات الكبيرة ضد وحشيتها. وبنفس الحذر تعامل العديد من الكتاب والإعلاميين العرب معه. فلم يكن احتلال داعش للموصل كارثة عند أغلبهم، لكن استرداد الكرد لمناطقهم التي اغتصبها صدام حسين هيجت قريحتهم، فظهر كردستان..وعربستان اللبواني على سبيل المثال لا الحصر. السبب في هذا الحذر تجاه داعش يفسر أن الغالبة العظمى من رجال الدين العرب موافقين على إقامة الخلافة الإسلامية ولو بهذه الطريقة الوحشية. كما أن الكثير من الكتاب العرب، يحنّون إلى الإمبراطورية العربية الإسلامية (كما يسمونها)، هذه الإمبراطورية التي قامت على طريقة البغدادي. هم ساكتون مادام داعش يريد إقامة دولة عربية إسلامية، وما دام يريد القضاء على الجيب الكردي “العميل” كما كان حزب البعث ومثقفوه يسمونه).
لم يكن المثقف العربي جاداً في نقده للاستبداد العربي بشقيه السياسي والديني (أستثني هنا فئة منهم، أكن لهم كل الاحترام، بل أعتبرهم أساتذتي، وعلى رأسهم صادق جلال العظم، والقمني والشهيد فرج فودة وهادي العلوي وغيرهم.
لقد وقف كبار المثقفين العرب مع صدام حسين في حربه ضد إيران، مع العلم أن صدام حسين هو الذي أعلن الحرب على إيران، واجتاح الأراضي الإيرانية في بداية الحرب. لقد سموا صدام حسين وزبانيته حراس البوابة الشرقية. هل وقف هؤلاء الكتاب ضد الاحتلال الصدامي لإيران كما وقف كبار الكتاب الفرنسيين ضد استعمار فرنسا لبلدان أخرى؟ بل وقف بعضهم مع صدام في احتلال الكويت، وبرروا ذلك، بما أن الهدف هو توحيد الوطن العربي، فليكن ذلك حتى بالقوة والاحتلال.
مازال العديد من المثقفين العرب يحنّون إلى الوحدة السورية المصرية ويمجدون عبد الناصر. وكلهم يعرفون كيف أهين الشعب السوري في ظل هذه الوحدة، وتعرض لاستبداد لم يجده في ظل حكم الدكتاتور حسن الزعيم. كما لازال هذا البعض يمجد عبد الناصر الذي رسخ الدكتاتور العربي “الثوري” في العديد من البلدان العربية.
في الثورة السورية التي قام بها بسطاء الشعب وليس الساسة السوريون التقليديون ولا المثقفون السوريون الفطاحل، وقف العديد من المثقفين السوريين إلى جانب النظام ضد طموح الشعب في الحرية والديمقراطية والكرامة، وبرر بعضهم المجاز التي قام بها النظام.
لننظر إلى مسيرة الثورة المصرية التي أدت إلى انتخاب مرسي الذي خرج من تحت عباءة الإخوان المسلمين. هذا الحزب الذي يرفع القرآن ويقول هذا دستورنا. وباسم هذا القرآن قام الإخوان باغتيالات وبجرائم عديدة، وصدّروا المجاهدين إلى مختلف أصقاع العالم. لم يستقر الأمر للرئيس الإخواني طويلاً، لأن متربصاً عسكرياً كان ينتظر الفرصة، وسرعان ما انقض على مرسي وجلس على كرسي مبارك ليصبح دكتاتور مصر الجديد. هذه هي نتيجة كفاح شباب مصر من أجل الحرية والديمقراطية. في ليبيا تم القضاء على الدكتاتور الأهوج معمر القذافي. وبعد موته فرخ المجتمع الليبي قذافيين جدد يتقاتلون على النفط وعلى من يصبح دكتاتوراً يجلس على كرسي الدكتاتور السابق.
أليس كل هذا يبين إن المجتمعات العربية مازالت ناتجة للاستبداد وتصنع داعش وأمثال داعش.
في بنية داعش الجنسية 99،99% عرب، ومن أقطار عربية مختلفة ( ولا ننسى أن ابن لادن عربي والظواهري عربي). من بينهم عرب جاؤوا من بلدان الحرية والديمقراطية؛ من أوروبا وأمريكا واستراليا وفرنسا وبريطانيا وألمانيا وغيرها. وبالرغم من عيشهم هناك وتعرفهم على المجتمع المدني وعلى الثقافة المعاصرة، تركوا كل ذلك وجاؤوا إلى سوريا داعشيين. لقد احتفظوا طيلة حياتهم في تلك المجتمعات على الفكر الإسلامي التكفيري. وارتكب بعضهم في سوريا فظائع في قطع الرؤوس. أليست هذه هي البيئة العربية الإسلامية التي تنتج هذه الوحشية البدائية؟
لننظر، على سبيل المقارنة، إلى البيئة الكردية. فهي لم تنتج نماذج داعشية من الفكر الأصولي الإسلامي، و99% من الشعب الكردي مسلم. السبب الرئيسي في ذلك أن الإسلام الكردي لم يتحول عنده إلى يقينيات أيديولوجية. لدى الكرد تراثهم الفكري الذي لم ينصهر في الإسلام. لديهم تقاليدهم وعاداتهم التي تسيّر سلوكهم الفردي والجمعي. هذا التراث الفكري وهذه العادات والتقاليد العريقة خلقت لديهم سلوكاً من التسامح وإمكانية التعايش مع الغير دون صراعات مذهبية أو قومية. وما حدث في التاريخ من سلوكيات مشية لدى بعض الكرد ضد الغير من الناحية الدينية، كما حدث ضد الأرمن والسريان في عهد السلطان العثماني عبد الحميد، كان بتخطيط وتحريض وقيادة غير الكرد،. كان بقيادة الأتراك.
ولننظر أيضاً إلى إقليم كردستان حيث يعيش الناس من مختلف القوميات والأديان والمذاهب والأعراق في جو من التسامح قل مثيله في الشرق الأوسط وفي البلدان العربية كلها. هذه ليست سياسة الحكومة الكردستانية فقط. بل هي طبيعة الكرد وثقافتهم. لقد فر الآلاف من العراقيين هروباً من جحيم التطرف الديني والمذهبي الذي ساد في ظل حكم المالكي الطائفي إلى إقليم كردستان. حمتهم الحكومة الكردستانية وتعاملت معهم مثل مواطنيها.
في كل الصراعات الدموية بين الثورة الكردية بزعامة مصطفى البرزاني والحكومات العراقية المتعاقبة، لم يرتكب بيشمركة أية مجازر ضد العرب المدنيين وضد أسرى الجيش العراقي. وكثيراً ما كان مصطفى البرزاني يطلق سراحهم. وبالمقابل ماذا فعل صدام حسين؟ مجزرة حلبجة والأنفال. كان الجيش العراقي يحفر الخنادق الكبيرة الواسعة ويرمي الكرد المدنيين من نساء وأطفال وشيوخ فيها ويردمها بالبلدوزرات. زوروا سجن صدام حسين في السليمانية والمسماة بالسجن الأحمر، واسمعوا هناك قصص التعذيب الفظيعة تجاه النساء واغتصابهن والولادات غير الشرعية في السجن. هل كان لدى مصطفى البرزاني سجن مماثل لهذا السجن؟
هذه هي البيئة الكردية الإسلامية، وتلك هي البيئة العربية الإسلامية التي أنتجت داعش وأمثال داعش. أليست هذه لبيئة العربية التي تفرخ داعش وأمثال داعش هي وسمة عار على جبين المثقف العربي؟ لأنه لم يقم بواجبه التنويري والوطني والإنساني لتغيير هذه البيئة التي تسمح بنمو البرابرة الجدد. إنهم يحملون كل وحشية التاريخ العربي الإسلامي السحيق ويقيمون دولتهم على مهرجانات قطع الرؤوس والرجم وبيع السبايا.
لا يوجد كاتب كردي واحد، مهما كان فاناتيكياً في انتمائه القومي والإسلامي، أجج التطرف القومي أو الديني أو المذهبي. لم تظهر عند أي منهم عنصرية قومية ضد العرب أو الترك أو الفرس، كما هي موجودة عند كتاب عرب وترك وفرس.
هل أدان الكتاب العرب السوريون والمصريون والسعوديون والفلسطينيون هذه المجزرة الشنيعة ضد الكرد اليزيديين التي قامت بها قطعان داعش البرابرة؟. وبالمقابل لينظر الكتاب العرب إلى سجل كل كتاب كردي تجاه الشعب الفلسطيني. لقد كتبوا عن قضية هذا الشعب ليس أقل من الكتاب العرب.
خلال الثورة السورية لم يتقارب مع حق الشعب الكردي السوري إلا عدد قليل من المثقفين العرب السوريين. وخلال مسيرة الثورة تبين أن قسماً من هؤلاء البعض، كانوا ينظرون إلى الكرد كأيتام يستحقون الشفقة. وبمجرد أن رفع الكردي صوته مطالباً بحقه كاملة، سرعان ما ظهرت الخلفية التراثية العربية الإسلامية عند هذا القسم من الكتاب, وأخذوا ينصحون الكرد بعدم التمدد والتطاول. لأن هؤلاء المثقفون مازالوا في بنيتهم الفكرية يحملون ذلك التراث العربي الإسلامي القديم بأن الكردي هو من الموالي، ولا يجوز للمولى أن يرفع صوته على سيده. فالسيد هو الذي يحدد طبيعة حقوقه ودرجة الحرية التي يستحقها.
بعد خمسة عشر قرناً من تاريخ الإسلام العربي نجد هذا التشابه المتطابق بين البغدادي وخالد بن الوليد. لقد قتل هذا الأخير سبعين ألفاً من أسرى الرومان لديه في الشام. وقام البغدادي بنفس الطريقة تجاه الكرد اليزيديين. وهكذا فالزمن العربي لا يتحرك إلى الأمام، بل هو يتحرك بشكل دائري ليعود إلى نقطة البدء بين حين وآخر.
المشكلة ليست في الجريمة التي ارتكبها داعش في شنكال، رغم فظاعتها. بل في طبيعة الفكر العربي الإسلامي الذي مازال ينتج نقطة البدء. جميع المؤسسات الإسلامية تعاملت مع داعش بحذر شديد. لم تظهر تلك الإدانات الكبيرة ضد وحشيتها. وبنفس الحذر تعامل العديد من الكتاب والإعلاميين العرب معه. فلم يكن احتلال داعش للموصل كارثة عند أغلبهم، لكن استرداد الكرد لمناطقهم التي اغتصبها صدام حسين هيجت قريحتهم، فظهر كردستان..وعربستان اللبواني على سبيل المثال لا الحصر. السبب في هذا الحذر تجاه داعش يفسر أن الغالبة العظمى من رجال الدين العرب موافقين على إقامة الخلافة الإسلامية ولو بهذه الطريقة الوحشية. كما أن الكثير من الكتاب العرب، يحنّون إلى الإمبراطورية العربية الإسلامية (كما يسمونها)، هذه الإمبراطورية التي قامت على طريقة البغدادي. هم ساكتون مادام داعش يريد إقامة دولة عربية إسلامية، وما دام يريد القضاء على الجيب الكردي “العميل” كما كان حزب البعث ومثقفوه يسمونه).
لم يكن المثقف العربي جاداً في نقده للاستبداد العربي بشقيه السياسي والديني (أستثني هنا فئة منهم، أكن لهم كل الاحترام، بل أعتبرهم أساتذتي، وعلى رأسهم صادق جلال العظم، والقمني والشهيد فرج فودة وهادي العلوي وغيرهم.
لقد وقف كبار المثقفين العرب مع صدام حسين في حربه ضد إيران، مع العلم أن صدام حسين هو الذي أعلن الحرب على إيران، واجتاح الأراضي الإيرانية في بداية الحرب. لقد سموا صدام حسين وزبانيته حراس البوابة الشرقية. هل وقف هؤلاء الكتاب ضد الاحتلال الصدامي لإيران كما وقف كبار الكتاب الفرنسيين ضد استعمار فرنسا لبلدان أخرى؟ بل وقف بعضهم مع صدام في احتلال الكويت، وبرروا ذلك، بما أن الهدف هو توحيد الوطن العربي، فليكن ذلك حتى بالقوة والاحتلال.
مازال العديد من المثقفين العرب يحنّون إلى الوحدة السورية المصرية ويمجدون عبد الناصر. وكلهم يعرفون كيف أهين الشعب السوري في ظل هذه الوحدة، وتعرض لاستبداد لم يجده في ظل حكم الدكتاتور حسن الزعيم. كما لازال هذا البعض يمجد عبد الناصر الذي رسخ الدكتاتور العربي “الثوري” في العديد من البلدان العربية.
في الثورة السورية التي قام بها بسطاء الشعب وليس الساسة السوريون التقليديون ولا المثقفون السوريون الفطاحل، وقف العديد من المثقفين السوريين إلى جانب النظام ضد طموح الشعب في الحرية والديمقراطية والكرامة، وبرر بعضهم المجاز التي قام بها النظام.
لننظر إلى مسيرة الثورة المصرية التي أدت إلى انتخاب مرسي الذي خرج من تحت عباءة الإخوان المسلمين. هذا الحزب الذي يرفع القرآن ويقول هذا دستورنا. وباسم هذا القرآن قام الإخوان باغتيالات وبجرائم عديدة، وصدّروا المجاهدين إلى مختلف أصقاع العالم. لم يستقر الأمر للرئيس الإخواني طويلاً، لأن متربصاً عسكرياً كان ينتظر الفرصة، وسرعان ما انقض على مرسي وجلس على كرسي مبارك ليصبح دكتاتور مصر الجديد. هذه هي نتيجة كفاح شباب مصر من أجل الحرية والديمقراطية. في ليبيا تم القضاء على الدكتاتور الأهوج معمر القذافي. وبعد موته فرخ المجتمع الليبي قذافيين جدد يتقاتلون على النفط وعلى من يصبح دكتاتوراً يجلس على كرسي الدكتاتور السابق.
أليس كل هذا يبين إن المجتمعات العربية مازالت ناتجة للاستبداد وتصنع داعش وأمثال داعش.
في بنية داعش الجنسية 99،99% عرب، ومن أقطار عربية مختلفة ( ولا ننسى أن ابن لادن عربي والظواهري عربي). من بينهم عرب جاؤوا من بلدان الحرية والديمقراطية؛ من أوروبا وأمريكا واستراليا وفرنسا وبريطانيا وألمانيا وغيرها. وبالرغم من عيشهم هناك وتعرفهم على المجتمع المدني وعلى الثقافة المعاصرة، تركوا كل ذلك وجاؤوا إلى سوريا داعشيين. لقد احتفظوا طيلة حياتهم في تلك المجتمعات على الفكر الإسلامي التكفيري. وارتكب بعضهم في سوريا فظائع في قطع الرؤوس. أليست هذه هي البيئة العربية الإسلامية التي تنتج هذه الوحشية البدائية؟
لننظر، على سبيل المقارنة، إلى البيئة الكردية. فهي لم تنتج نماذج داعشية من الفكر الأصولي الإسلامي، و99% من الشعب الكردي مسلم. السبب الرئيسي في ذلك أن الإسلام الكردي لم يتحول عنده إلى يقينيات أيديولوجية. لدى الكرد تراثهم الفكري الذي لم ينصهر في الإسلام. لديهم تقاليدهم وعاداتهم التي تسيّر سلوكهم الفردي والجمعي. هذا التراث الفكري وهذه العادات والتقاليد العريقة خلقت لديهم سلوكاً من التسامح وإمكانية التعايش مع الغير دون صراعات مذهبية أو قومية. وما حدث في التاريخ من سلوكيات مشية لدى بعض الكرد ضد الغير من الناحية الدينية، كما حدث ضد الأرمن والسريان في عهد السلطان العثماني عبد الحميد، كان بتخطيط وتحريض وقيادة غير الكرد،. كان بقيادة الأتراك.
ولننظر أيضاً إلى إقليم كردستان حيث يعيش الناس من مختلف القوميات والأديان والمذاهب والأعراق في جو من التسامح قل مثيله في الشرق الأوسط وفي البلدان العربية كلها. هذه ليست سياسة الحكومة الكردستانية فقط. بل هي طبيعة الكرد وثقافتهم. لقد فر الآلاف من العراقيين هروباً من جحيم التطرف الديني والمذهبي الذي ساد في ظل حكم المالكي الطائفي إلى إقليم كردستان. حمتهم الحكومة الكردستانية وتعاملت معهم مثل مواطنيها.
في كل الصراعات الدموية بين الثورة الكردية بزعامة مصطفى البرزاني والحكومات العراقية المتعاقبة، لم يرتكب بيشمركة أية مجازر ضد العرب المدنيين وضد أسرى الجيش العراقي. وكثيراً ما كان مصطفى البرزاني يطلق سراحهم. وبالمقابل ماذا فعل صدام حسين؟ مجزرة حلبجة والأنفال. كان الجيش العراقي يحفر الخنادق الكبيرة الواسعة ويرمي الكرد المدنيين من نساء وأطفال وشيوخ فيها ويردمها بالبلدوزرات. زوروا سجن صدام حسين في السليمانية والمسماة بالسجن الأحمر، واسمعوا هناك قصص التعذيب الفظيعة تجاه النساء واغتصابهن والولادات غير الشرعية في السجن. هل كان لدى مصطفى البرزاني سجن مماثل لهذا السجن؟
هذه هي البيئة الكردية الإسلامية، وتلك هي البيئة العربية الإسلامية التي أنتجت داعش وأمثال داعش. أليست هذه لبيئة العربية التي تفرخ داعش وأمثال داعش هي وسمة عار على جبين المثقف العربي؟ لأنه لم يقم بواجبه التنويري والوطني والإنساني لتغيير هذه البيئة التي تسمح بنمو البرابرة الجدد. إنهم يحملون كل وحشية التاريخ العربي الإسلامي السحيق ويقيمون دولتهم على مهرجانات قطع الرؤوس والرجم وبيع السبايا.
لا يوجد كاتب كردي واحد، مهما كان فاناتيكياً في انتمائه القومي والإسلامي، أجج التطرف القومي أو الديني أو المذهبي. لم تظهر عند أي منهم عنصرية قومية ضد العرب أو الترك أو الفرس، كما هي موجودة عند كتاب عرب وترك وفرس.
هل أدان الكتاب العرب السوريون والمصريون والسعوديون والفلسطينيون هذه المجزرة الشنيعة ضد الكرد اليزيديين التي قامت بها قطعان داعش البرابرة؟. وبالمقابل لينظر الكتاب العرب إلى سجل كل كتاب كردي تجاه الشعب الفلسطيني. لقد كتبوا عن قضية هذا الشعب ليس أقل من الكتاب العرب.
خلال الثورة السورية لم يتقارب مع حق الشعب الكردي السوري إلا عدد قليل من المثقفين العرب السوريين. وخلال مسيرة الثورة تبين أن قسماً من هؤلاء البعض، كانوا ينظرون إلى الكرد كأيتام يستحقون الشفقة. وبمجرد أن رفع الكردي صوته مطالباً بحقه كاملة، سرعان ما ظهرت الخلفية التراثية العربية الإسلامية عند هذا القسم من الكتاب, وأخذوا ينصحون الكرد بعدم التمدد والتطاول. لأن هؤلاء المثقفون مازالوا في بنيتهم الفكرية يحملون ذلك التراث العربي الإسلامي القديم بأن الكردي هو من الموالي، ولا يجوز للمولى أن يرفع صوته على سيده. فالسيد هو الذي يحدد طبيعة حقوقه ودرجة الحرية التي يستحقها.
في الختام أرى أن المجتمع الكردي مهيأ تماماً على إقامة أخوة كردية – عربية على أسس عادلة. ولكن السؤال هنا: هل المجتمع العربي الإسلامي في كل من سوريا والعراق مهيأ لإقامة إخوة عربية – كردية؟ السؤال مطروح على الكتاب والمثقفين العرب قبل ساستهم.