قريب جداً : إعلان نبأ قيام دولة كُردستان المستقلة

 ابراهيم محمود

 


   تلك هي اللحظة
المنتظَرة، البشارة غير المسبوقة ! ذلك ما تمكنت من الحصول عليه، على شكل رسالة
مختصَرة، وصلتني عبر بريدي الالكتروني الخاص، ومن أحد المعنيين بمستقبل السياسات
الدولية، تحت عبارة
” سرّي للغاية “،
وكونه المقرّب من مراكز القرار الدولية ومن قبل دول كبرى تدير مصائر شعوب مختلفة
في العالم. محتوى الرسالة
التالي: بناء على طلب ملحٍّ
من قبل الذين يهمهم أمر شعوبهم في الاستقلال، وقد تقدّم بعض ممثلي الأكراد، أكبر
مجموعة عرقية في العالم، مقسَّمة بين عدة دول في الشرق الأوسط، بلائحة تحمل تواقيع
الملايين من كردهم، وهم يشيرون إلى أنهم عانوا من ظلم حكامهم الذين تقاسموا
كردستان منذ مئات السنين، وأن الدول الكبرى التي ثبتت هذا التقسيم في اتفاقية سايكس-
بيكو لعام 1916، حيث كانت الحرب العالمية قائمة، وقبل انتهائها، 
ها قد مر قرن، ونحن
نتعرض لشتى صنوف القهر والاستبداد القومي والإنساني، وكون شعوب أقل عدداً منا قد
أعطيَ استقلالها، فإننا نصر على طلب الاستقلال، ولن نهدأ حتى ننال استقلالنا
المشروع، وهذا ما نأمله من الدول الكبرى والأمم المتحدة المعنية بقضايا الشعوب في
الحق والحرية
! ما جاء في ذيل الرسالة لفت نظري أكثر، وهو التالي: إن الدول الدائمة العضوية في الأمم المتحدة، على
بيّنة بتفاصيل الموضوع كاملة: من يكون الأكراد، وما تكونه كردستان في العالم من
النواحي كافة، وليس من صغيرة أو كبيرة تحدث في هذه الرقعة الجغرافية، إلا وهي على
علم بها، حتى قبل حدوثها. فما يجري من صنعنا، وما سيجري فإننا نحن الدول الكبرى
معنية به، ولعلنا على أتم دراية بواقع الأكراد باعتبارهم شعباً عريقاً، وأن
كردستان ليست خيالاً، ونعترف بحقهم المشروع في الحرية والاستقلال، لا بل يهمنا ذلك
جداً، وهذا ما نحرص عليه، ومن السهل علينا جداً، إصدار قرار دولي باسمنا وباسم
مجموعة كبيرة من الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، بإعلان دولة كردستان المستقلة
والتي قدَّم ويقدّم هذا الشعب الكردي الكثير من الضحايا في سبيلها. إنما الموضوع
أكبر من رغبات هذا الشعب وغيره طبعاً، وأكبر من سياساتنا التي نعلن عنها هنا
وهناك، فثمة اعتبارات تعنينا، مخطَّط لها، ونحن محكومة بها، يستحيل علينا حتى
اللحظة الموافقة على طلب كهذا، للأسباب التالية: بما أن السياسة استمرار للحرب أو
بوسائل أخرى، لهذا فإننا لم نتوقف عن هذه الحرب. إن السلام في العالم يهمنا، ولكن
ماذا يعني أن يعم السلام العالم دفعة واحدة ؟ هذا مستحيل. سوف تتوقف مصالحنا،
والمبدأ الذي أصبحنا بسببه دولاً كبرى لن يعود قائماً . نعم، السلام مطلوب في
العالم، ومبدأ حق تقرير المصير لأي مجموعة عرقية في العالم داخل في هذا النطاق.
إلا أننا نعتبر أن وجود مناطق توتر ونزاعات في العالم، وفي نقاط تحددها سياساتنا
الأكثر سرّية، يشكل الشريان الحيوي لبقائنا دولاً كبرى ومتنفذة بسياساتها في
العالم، وبالتالي، فإننا لا نُسأل عن الضحايا، والذين يتعرضون لأعمال إبادة نسبية
أحياناً، كما هو الحال في منطقة الشرق الأوسط، والأكراد من بينهم، وفي الواجهة،
فتلك شرعة طبيعية مذ كانت البشرية، والسياسة تقوم على منطق الحرب وبطرق أخرى، وتتم
الحرب عندما تكون هناك مبرّرات سياسية لذلك، حيث تأتي الحرب جزئية، أو كلية في بعض
النقاط، ليس لإحلال السلام، وإنما لخفض نسبة التوترات، وتمكيننا من ممارسة نفوذنا
في العالم، وكردستان التي قسّمت بناء على واقع سياساتنا نحن الدول الكبرى مثال حي
على ذلك. لهذا، فإنه حتى لو أعلنت الدول التي تتقاسم كردستان هذه فيما بينها، على
منح الأكراد الاستقلال التام، وأصبح هناك الشعب الكردي بعلمه ولغته وانتسابه إلى
الأسرة الدولية، فإننا نحن، واعتماداً على سياستنا في إدارة مصائر الشعوب، لن
نوافق عليها، إذ ليست هي من تقرّر أو غيرها، بل نحن وليس سوانا. وفي المقطع الأكثر
خطورة: ماذا يحدث لو تم
ذلك ؟ ستكون دولة كردستان،
وستنخفض التوترات والصراعات في المنطقة إلى درجة أننا سنخسر الكثير، وقد لا نعود
دولاً كبرى ذات نفوذ في العالم. لن يعود هناك طلب المزيد من الأسلحة، وإمكان
التوغل في المنطقة الشرق الأوسطية، وفي الدول التي تتقاسم كردستان فيما بينها ومن
جهتنا، ولن يكون لسياستنا ذلك الشأن ولقراراتنا الدولية الهيبة المعروفة، وحتى
بالنسبة للدول المعنية بكردستان، فإنها مضطرة إلى تغيير سياساتها جرّاء هذا
التغيير البنيوي، نظراً لأن الكرد أصبحوا في نطاق دولة مستقلة، ولأن سياستها
الداخلية تقوم أساساً على العنف الموجَّه، ويجب أن يكون هناك ضحايا فعليون له،
وكان الكرد هم الأوَل، سيختفي ذلك، وهذا سينعكس بنيوياً بالمقابل في سياساتنا
المستقبلية، وحتى بالنسبة لشعوبنا التي نحرص على سعادتها وتأمين الموارد الممكنة:
الاقتصادية منها والاجتماعية والثقافية، واستمرار العنف المطلوب خارجاً. إزاء ذلك،
وفي الوقت الذي نشعر ببالغ الأسف والأسى لما يجري، كما جرى مع شعوب كثيرة، من آلام
ومخاوف تحصد أرواح الناس، وتبقي الخوف من الويلات قائماً، نجد أن إمكان الموافقة
على إعلان دولة كردستان مستقلة، وحسب طلب المعنيين بها، وحتى في المستقبل المنظور
في عِداد المستحيل ، وأن أهم ما علينا فعله هو كيفية تأمين جرعات من الحرية لهذه
المجموعة في سلام نسبي وسعادة نسبية، وهو السقف الأعلى الذي نتمكن من رسمه، ويجب
السير في سياستنا وفقاً لهذه الرؤية الاستراتيجية التي تضع مصالحنا فوق كل اعتبار
في العالم .

 انتهى !

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

خالد بهلوي تحت شعار “وقف العنف والتهجير – العيش المشترك بسلام”، وبمبادرة من مجموعة نشطاء من الشابات والشباب الغيورين، شهدت مدينة إيسين الألمانية يوم 21 ديسمبر 2024 وقفة احتجاجية بارزة للتعبير عن رفض الاحتلال التركي والتهديدات والانتهاكات التي يتعرض لها الشعب الكردي المسالم. الحضور والمشاركة: حضر الفعالية أكثر من مائه شخصً من الأخوات والإخوة الكرد والألمان، إلى…

د. محمود عباس ستكثّف الولايات المتحدة وجودها العسكري في سوريا وستواصل دعمها لقوات سوريا الديمقراطية (قسد) والإدارة الذاتية. تدرك تركيا هذه المعادلة جيدًا، وتعلم أن أي إدارة أمريكية قادمة، حتى وإن كانت بقيادة دونالد ترامب، لن تتخلى عن الكورد، لذلك، جاء تصريح أردوغان بعد عودته من مصر، ووزير خارجيته من دمشق اليوم كجزء من مناورة سياسية تهدف إلى تضليل الرأي…

شادي حاجي المرء لا يذهب إلى طاولة المفاوضات وهو خالي الوفاض وإنما يذهب وهو متمكن وقادر والمفاوض يكشف أوراقه تدريجياً تبعاً لسير العملية التفاوضية فعند كل منعطف صعب وشاق يقدم المفاوض بطريقة أو بأخرى معلومة ولو صغيرة حول قدراته على إيقاع الأذى بالطرف الآخر من أجل أن يكون مقنعاً فعليه أن يسأل عن مقومات الندية والتي تتركز على مسألة القوة…

إبراهيم اليوسف منذ سقوط النظام المجرم في 8 كانون الأول 2024 وتحول السلطة إلى السيد أحمد الشرع، بات السوريون، سواء أكان ذلك في العاصمة دمشق أو المدن الكبرى والصغرى، يتطلعون إلى مرحلة جديدة يتخلصون فيها من الظلم والاستبداد. حيث سنوات طويلة من مكابدات المعذبين في سجون الطاغية الأسد وأبيه”1970-2024″ كانت كفيلة بتدمير أرواح مئات الآلاف. إذ إن بعض…