ليس دفاعاً عن بيشمركة الإقليم

إبراهيم اليوسف

لم تستغرق حالة التوازن النفسي، النسبي، التي توصلنا إليها، بعيد صدمتنا بإقدام ما يسمى بتنظيم داعش على ارتكاب غزو منطقة “شنكال” وهي معقل الكرد الإيزيديين، ممن يشكلون امتداداً لأول ديانة كردية توحيدية، ليس للكرد وحدهم، بل في التاريخ عموماً، إثرسماعنا أمرين، وهما حسن استقبال أهلنا المنكوبين من شنكال ممن وصلوا  إلى معبر ربيعة الحدودي في طريقهم إلى غربي كردستان، ومعهم جرحى البيشمركة، ومرافقوهم، واحتضانهم الرسمي، واستطباب المصابين من بينهم، بل ووصول أنباء أثلجت صدورنا الجريحة- ولو جزئياً- في هذا الصيف القائظ، الملتهب، الدموي الذي يراد له أن يكون فضاء لتغييب القضية الكردية، وهوية الكردي، مئة سنة أخرى، من قبل بعض الأوساط المعادية للكرد،
وتركزت فحوى هذه الأنباء حول استعداد قوات الحماية الشعبية، وفي زمن قياسي، في لمح البصر، كما استقرأناه، ونحن تحت وطأة ألم المصاب، بأنهم وصلوا إلى شنكال، وحرروها، وهو ما تقبلناه برحابة صدر- ونتمنى لو أنه تم فعلاً على أيديهم بينما البيشمركة تلحق الهزائم المتتالية بداعش- مادعاني، شخصياً، لأن أحتفل بالخبرعلى صفحتي الفيسبوكية، وأهلل له، على أمل فتح صفحة جديدة،  وطي صفحة الخلاف الكردي/ الكردي البغيض، الذي لاداع -هنا- للتنظيرله، ومتابعة أسبابه، أو التبهلن  في إظهار آثاره الكارثية، حتى انقلب-الأمربغتة!!- رأساً على عقب،  إذ باتت حالة الألم التي انتابتنا، تتضاعف، وهل أكبر من إعلان تخوين بيشمركة الإقليم، بعد مجرد ساعات قليلة على وقوع المصاب الجلل، ومجرمو داعش يعيثون قتلاً، وسلباً، وسبياً، ونهباً،  بل واعتداء على كرامات أهلنا، وهتكاً لها، و تدميراً لمعابدهم، وإعدام العشرات منهم لرفضهم التخلي عن دينهم،  وسبي نسائهم الطاهرات المعروفات بالعفة، بل وحصارهم، دون أبسط متطلبات الحياة: الماء والطعام والدواء.
 
من حقنا، كمتابعين لمثل هذا الحدث الأليم الاستثنائي أن نعلن عن امتعاضنا، واستهجاننا، في أعلى مستوياتهما، لاسيما أن هناك إشعالاً مريباً لفتيل أعظم حرب إعلامية، في مقابل ذلك الحدث الدامي، بحق رجالات البيشمركة الأبطال، قبل استبيان ماتم، بل والقفز المبكر، من قبل بعضهم، إلى إعلان الحكم الذي لا أدري كيف تمت صياغته، وفي أية محكمة، تم الإرساء عليه، ومن قبل أي قاض صدر ذلك، خصوصاً أن مازاد من نبرة الاستفزاز هو التنطع –الآن- لدخول شنكال، لأجل الدفاع عن كرامات-أهلنا الإيزيديين- وتشكيل جيش كبير، كما في حدود الإعلان، من دون أي تنسيق مع المعنيين، أصحاب المكان، وهو ما تم من قبل طرف كردي، يرفض-وهو مجرد حزب واحد- أن يكون هناك أي جيش كردي آخر، إلى جانبه، في عنوانه، مالم ينضو ضمن إطار قواته، وهو سلوك متناقض مع ما يقوم به رغم ضرورته، أزاد من رعبنا، ماتلا ذلك من تصريح الاستقرار في المكان، هووعيد-في جوهره- وبالتوازي مع- طلقة الرحمة على قوات البشمركة والبارتي..إلخ- والحديث عن خيانة، أو صفقة، أو جبن، تم، وهو ما كان يجب ألا ينشر، بسرعة البرق هذه، حتى ولوافترضنا أن خللاً ما قد تم، من قبل البيشمركة، لاسيما أن من شأن مثل هذا السلوك الإعلامي، والغزاة لما يزالون في عقر دارنا، وأيديهم ملطخة بدمائنا، إذ يقتضي الواجب القومي، والوطني، والإنساني، إرجاء كل ذلك، حتى-لاسمح الله- في ظل ثبوت وقائع دامغة على وجود الخيانة المزعومة.
لست ممن يعنون بالقضايا -العسكرية- ولا أعرف لغتها، بيد أني-وحسب متابعاتي- عارف أن ما جرى في شنكال، إنما كان من قبيل عنصر المباغتة الذي يجب الاستعداد له، من قبل، من قبل حكومة الإقليم، منذأن تم تهديده، من قبل السيد نوري المالكي، وسماع تصريحات بعض غلاة أعداء الكرد في العراق ضده، بل وتحرك جهات إقليمية ب”التعبئة” المسبقة ضد الكرد، إلى أن بلغ الأمر بأحد أكبر إعلاميي القرنين العشرين والواحد والعشرين، وهو محمد حسنين هيكل إلى ذكر اسم البيشمركة، والتنبؤ بضعفهم، وهوأمرلايأتي-اعتباطاً-لاسيما أنه جاء متصادياً مع مواقف حتى بعض المثقفين من أمثال د. عزمي بشارة، أوحتى بعض القادة العرب، ناهيك عما بدر على ألسنة بعض قادة الدول- كما عبدالفتاح السيسي- وكان ذلك ضمن حملة هوجاء نالت من حكومة الإقليم. وكان المراقبون لشؤون إقليم كردستان- يتوقعون أن انقضاضاً ما سيتم على-كركوك- وكانت هناك مناطق أخرى، أكثر حساسية، تم تحشيد قوات البيشمركة لحمايتها،  بل أن المطلعين يعرفون أن الإقليم رغم نهضته العمرانية، وتقويته لشؤون أمنه، بيد أن ما يتعلق  بتأمين الأسلحة الثقيلة للحماية الحدودية، لم يتمكن من تحقيقه ، بسبب تعنت مواقف المالكي، بل أن الدول الكبرى لم تقم بتوفير ما يلزم من أدوات الحماية العالية لهذا الجزء، نتيجة تحرك المالكي ضد كل أشكال تسليح الإقليم.
بدهي، أن الحروب هي-عادة- عبارة عن كروفر، بل ومن الممكن وأمام عنصر-المباغتة- وهو غير مسوغ عسكرياً، أن ينتصر طرف على طرف، أو أن تكون هناك تقديرات خاطئة لدى من يتولى حماية أي مكان للمدنيين، لاسيما عندما لا يرغب هذا الطرف بجعل هذا المكان مسرحاً للحماية –وهو مجرد توقع ولوواه- بيدأن الأمر لم يكن بهذا الشكل، لاسيما إذا عرفنا أن هناك شهداء بيشمركة دافعوا حتى الرمق الأخير عن شنكال، بيد أنهم تفاجأوا بأن أسلحتهم المتوافرة، لم تكن في مستوى حجم الأسلحة التي حصل عليها داعش من مستودعات نظامين شريرين- في أقل تقدير- في سوريا والعراق، حيث يجتمع السلاح الروسي، مع الأمريكي، مع غيرهما من الأسلحة. أجل، احتمال، أسوقه-هنا-في الوقت الذي توجد لدى حكومة الإقليم، إجابتها، الدقيقة، لاسيما أن شنكال، وأهلها، ومعابدها، هم من أول أولويات الرئيس مسعود البرزاني، والإقليم، وشعب الإقليم، ولا يمكن حتى مجرد التفكير بأن مساومة تمت عليهم. ولربما لوأن أبناء شنكال أنفسهم، كلفوا بحماية منطقتهم، فإن إمكان خسارة معركة-غادرة- لئيمة وارد، لاسيما أننا في الجزء الغربي من كردستان، وجدنا أن قواية الحماية الشعبية التي قاومت هؤلاء المرتزقة العابرين، وواجهتهم، ولاتزال تواجههم، قد اضطرت للانسحاب من مناطق أخرى-كما تل أبيض- التي مر قبل أيام ذكرى سنة كاملة على تهجير أهلها، وكانت هذه القوى تحميهم، وكنت-شخصياً- أرفض سماع أي اتهام بحق الجهة الحامية، مع أن آلاف الكرد هجروا من بيوتهم، وتم إعدام بعضهم على أيدي هؤلاء الظلاميين، بل أن مصائر بعض المخطوفين لما يزل مجهولاً حتى الآن، بل إن مراقد تل معروف-تركت قبل ساعات قبل دخول داعش إليها من قبل قوات الحماية الشعبية- ولم نرد-ونحن في مواجهة عدولئيم أن نخاطب الجهة الحامية لكرامات شعبنا-هناك- وإن لم يكونوا قد أخذوا رأياً لأحد منا بتشكيلهم، بيد أنه لايجوز، وسط هذه المعمعة، توجيه أية كلمة بهذا الخصوص، هكذا حال  بلداتنا الجريحة والثكلى : تل حاصل و تلعرن، وتل خضر، وتل فندر..إلخ..، لأنها-الآن- القوة التي تحمي كرامتنا، إن أردنا، وإن لم نرد، وأكرر: رغم الاختلاف السياسي مع  حزب الاتحاد الديمقراطي، بل وإنني ممن آثروا رفض أي تناول لما تعرضت له قوات الحماية، التي واجهت داعش ببسالة، في تل براك وتل حميس، إلا من موقع المعاضدة، بعيداً عن أي نقد، وإن هذه القوة نعول عليها، مع أشقائها من قوات البيشمركة، هي من ستندحر على أيديهما معاً، أضغاث أحلام أعداء شعبنا، في جزئي كردستان.

مدعوون، جميعاً، لنبذ خطاب التخوين- بحق بعضنا بعضاً-لاسيما في ما يخص بأهم قوتين على مسرح الحدث الملتهب، وفق مخطط عالمي، رهيب، لاسيما أن هناك من بيننا من يدعو إلى” المؤتمر الكردستاني”، في الوقت الذي لا يكتفي بافتراض” تخوين” الطرف الآخر، وجبنه، بل يثبته، على نحو دامغ، في معزل عن البراهين، ولا يتوانى عن تهييج الرأي العام ضد الإقليم، بل وإثارة الزوابع المصطنعة ضده،  ومحاولة تقديمه  البيشمركة وقيادة الإقليم أو البارتي بأنهم تخلوا عمن هم أهلهم، قبل أن يكونوا مواطنيهم،  وأعتقد أن على مثقفنا الانتباه إلى لغة خطابه، وعدم التحول إلى شارح عن رؤى هذا السياسي، أو ذاك، في هذا الطرف أو الآخر، في الوقت الذي يجب ألا يتخلى فيه عن دوره النقدي. ويبدو أن هناك سيناريو آخر، يريد بعضهم أن يشتغل عليه، في ما يتعلق بآشوريي الإقليم، رغم أن كرامة امرأة كردستانية: إيزيدية، أو آشورية، أو عربية، أو كردية، هي لدى القائد البرزاني ، في تواز مع ما هو من عداد أقدس المقدسات التي تهون من أجلها أرواح أبطالنا الكرد..

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…