تقلَّب الإيزيدي بين الذاكرة المتصحرة لكرديه الذي كان نظيره في الإيزيدية، وأصبح خصماً له، لا بل الأعلم بحقيقته، وهو المجاور له، والمطَّلع على أدق أسراره، ليكون في الكثير منه عوناً لمن يستهدف فيه كرديته، ولمن يريد استئصال دينه الأول فيه، دين أسلافه الأوَل: الإيزيدية، وكله قناعة: أن أسلمته هي خير منقذ له من إيزيديته . لكن أعداء الكردي من كل جهاته وفي وسطه: في حواسه، ومشاعره، وأفكاره، وهواجسه، وطي أحلامه وظلاله، وطعامه وشرابه وكسائه، ممن يوحدون الله، ويحوقلون ويعوذلون أمام سمعه وبصره، لم ينسوا مرة أنه الكردي الكردي الكردي تباعاً إلى الجد الأول: الزرادشتي، الإيزيدي، حتى لو وحد الله بلغاتهم، وعوذل وحوقل على طريقتهم، أو منوالهم، لا يتجاهلون زمرة الدم الكردي، والنسيج العضوي الكردي، وسيمياء الكردي ” أبو اللسان العوج”! باسم كرديته ذات العلامات السبع في التوحيد الإلهي الخاص به، يضحى بالإيزيدي، ومن باب التشفي يمثّل في الإيزيدي لإهانة الكردي، وفي الجمع بين الاثنين، وهما واحد في الأصل، لا يتردد أعداء الكرد في فرماناتهم التاريخية السبعين ونيّف، في كيفية إشهار موتهم البغيض، عنفهم الدموي البغيض، أخلاقهم البغيضة في الاثنين: الواحد. ما الذي يوقف نزيف لالش الروحي في مذابحه العصرية العالمية المتلفزة المروعة منذ مطلع آب 2014 ؟ حيث الجبل الكردي لم يعد قادراً على تجديد عهده بصداقة الكردي وحماية الكردي، بما أنه فقد صلاحية الحماية، إنما في الواجهة أيضاً: لأن الكردي فشل، ولازال يفشل، ولزمن طويل، في فهم الجغرافيا، خاب في فهم نفسية الجبل، روحه، وحدته، وقد انقسم الكردي على الكردي، فضَّل لغة المغير عليه وعلى جبله وبيئته على تاريخه وذاكرته والإيزيدي فيه .
لا يلام الجبل الكردي ” المضعضع ” في إعلانه الاستسلام أمام زحف ذوي اللحى المسلحة بالعار المعولم والعشريني، طالما أن الكردي أدار ويدير ظهره للجبل، ولحكمة التوحد مع الجبل، وما زال على قناعة أنه بقولة متكررة” أنا مسلم والحمد لله “، سيكون بمنجى من ذوي اللحى التي تدخر كل صنوف الخزي الإنساني والعار الإنساني، والانحطاط الإنساني . لحى تمضي عليها أمم من جهات شتى، بلغات شتى، باسم الإسلام وغير الإسلام، حيث يلاحَق الإيزيدي: دون تحديد العمر، بالرصاص والسكين، والزجاج المكسور، والحجرة الناتئة، تأكيداً من قبل كل ذي لحية نابية، مخلبية، مطحلبة، مدعشنة ومن يهلل للدعشنة، أن الطريق إلى فروج حور عين الجنة يمر عبر التمثيل بالإيزيدي: ذكراً وأنثى، قبل سواه .
لغتي هلوسة، صمتي هستيريا باطنية جرّاء هول الجاري في حاضنة شنكَال الإيزيدي الذي جفت دموع مآقيه، وفي كل بقعة منه، مشاهد لإيزيدية بالجملة ” وعلى سبيل التجريب ” وهم يلفظون أنفاسهم رعباً وجوعاً وعطشاً وامتلاء بالحنق وانتظار خلاص مؤجل أو يفوت أوانه، كما لو أن الذين يلاحقونهم من الداعشيين ومن يتابعون أخبارهم في الإعلام: العربي ” الإسلامي ” تماماً، والإقليمي والعالمي، يؤكدون لهم أن ثمة متعة ما تزال ممكنة، ودونما حاجة إلى إخراج هوليودي ” فرانشكتايني “، ماثلة في القتل المباشر والحي والطازج جداً، ومجاناً لمن يرغب، وتعزيزاً من ” روح ” الهمجية ” الأممية، إزاء جنايات مغرضة ، كما يبدو، تستحق أسوأ العقاب، جنايات الإيزيدي، وليس الكردي، الكردي ربما، إنما تالياً، لمن يفهم كرديته قبل دينه التالي.
خجِلٌ من ثقافتي، خجل من خجلي، خجل، وأي خجل، من إعلامي المرئي والسمعي، خجل من مانشيتاتي الخبرية التي تعدني بالخلاص الفقاعاتي كثيراً، والشرك يعصف بي. خجل من كردستانيتي وأنا مِزَق من الطوائف والتشفيات، وشهوات الجاه التي أعمت بني جلدتي هنا وهناك، خجل من اسمي ومقامي أمام زوجتي وأولادي ولساني الطويل فقط كمنشار خصمي المتعدد الأوجه تاريخياً. يتقدمني عاري الكردي، يتلبسني، تستغرقني مرارة حنظلية في كل أنسجتي، إذ أجدني مكبلاً، رغم أن أطرافي تتحرك، إذ أعجز عن القيام بحركة، حركة صغيرة، حيث يفتح الرضيع الإيزيدي فمه للمرة الأخيرة كما هو فراخ العصفور الدوري، إذ تشهق أم الرضيع الإيزيدية، وهي تبصر سفاحها ذا اللحية الملغمة واقفاً على رأسها، وأسنانه ترتعد السباع لمرآها، إذ ترمي الفتاة الإيزيدية نفسها من أعلى ذروة جبل شنكال أفضل من أن تكون فريسة لغريزة من تستشعر الغريزة ذاتها العار إزاءه، وهي لا تجد فكاكاً منه، أخجل من كرديتي، وأنا عياء أمام الإيزيدي الذي يستصرخ المتبقي من ضميري الكردي قبل أي شيء آخر، وهو داخلي، أمام فرمان الإيزيدي الأكثر حداثة .