وفاء لذكرى كونفرانس الخامس من آب

صلاح بدرالدين

دشن كونفرانس الخامس من آب لعام 1965 نهجا متجددا في الحركة الوطنية الكردية السورية ومتجذرا في فكرها السياسي فبالاضافة الى طابعه الانقاذي بصيانة الحزب الكردي الوحيد آنذاك بعد تسعة أعوام من قيامه من تآمر أجهزة النظام في اعتقال عناصر النخبة من القيادة (أوصمان صبري – عبدالله ملاعلي – رشيد حمو – كمال عبدي .. وآخرين) لافساح المجال لعناصر اليمين الذين لم يطالهم الاعتقال للعبث بالحزب وتحويله الى هيكل تابع لأوامر أجهزة السلطة فانه كان كفيلا أيضا بتجديد الحزب برنامجا وتنظيما ومواقف وممارسات فبدأ بعملية فكرية – ثقافية – سياسية عميقة ومتواصلة بإعادة تعريف جملة من القضايا المفصلية ابتداءا من تعريف الكرد بكونهم شعب وليست أقلية مهاجرة وماهية وجوهر القضية الكردية السورية ووضع وشرح البرنامج السياسي للحزب
 وكذلك مشاريع الجبهات ولأول مرة على المستويات الكردية والوطنية السورية والقومية العامة وضمن كل ذلك طريق الخلاص الوطني وسبل حل المسألة الكردية وملامسة حاجات الناس والدفاع عنها ومعالجة معاناتهم بمافي ذلك التصدي لمخطط الحزام العربي وحرمان عشرات الآلاف من المواطنين الكرد من حق المواطنة وإعادة صياغة قضايا الخلاف في الحركة الكردية بصورة علمية موضوعية وبكل ذيولها المحلية والخارجية وطرح سبل حل الأزمة بصورة واضحة وكذلك القيام برسم ملامح العلاقة بين وجود وطموحات الكرد السوريين وبين  الحركة الوطنية السورية والمعارضة الديموقراطية .

      قد نكون (كأعضاء الكونفرانس) وكفرد حزت على ثقة المجتمعين لتبوؤ المسؤولية الأولى في القيادة المرحلية المنتخبة اخطأنا مابعد انعقاده في الكثير من المواقف التفصيلية والتقديرات السياسية الآنية لأسباب موضوعية وذاتية وفي أجواء القمع والملاحقات وقساوة الوضع الحياتي ولكننا أصبنا في تشخيصنا العام لطبيعة الصراع والتحديات الماثلة ومنابع الخطر على الوجود والحقوق وسبل الخلاص في ذلك الوقت أي قبل نصف قرن من الآن وذلك على المستوين الوطني الداخلي والقومي الكردستاني :
      1 – أصبنا في كشف التيار القومي اليميني مبكرا ودوره السلبي في تخريب الحزب والحركة وفي مفهومه لتعريف الكرد كأقلية لاتقيم على أرضها وبالتالي لاتستحق الحقوق القومية كشعب وتورطه في الانخراط بمشروع النظام تجاه الكرد السوريين والأجزاء الأخرى وارتباطه الثقافي والسياسي بمواقف الأوساط الشوفينية داخل السلطة وخارجها واعتباره الممثل والمعبر عن الكرد وقضيتهم من جانب تلك الأوساط حتى يومنا هذا .
      2 – أصبنا في الوفاء للمدرسة البدرخانية وتراث حركة – خويبون – في عدم الفصل بين السياسي والثقافي من خلال تعميق الحوار ونشر الثقافة السياسية عبر الصحافة ومنابر الاعلام واحياء الفولكلور القومي ردا على مخططات التعريب وإقامة ” رابطة كاوا للثقافة الكردية ” في لبنان وأوروبا وإقليم كردستان العراق وارسال مئات الطلبة الكرد الى جامعات ومعاهد الدول الاشتراكية – سابقا – للتزود بالعلم والمعرفة.
      3 –  أصبنا مبكرا أن حل قضيتنا القومية ستمر وبالضرورة من خلال الحل الديموقراطي العام بالبلاد وعبر الحوار والتفاهم والتوافق مع شركائنا العرب السوريين وضمن سياق عملية التغيير الديموقراطي واسقاط نظام الاستبداد بالطرق المشروعة قبل اندلاع ثورة الربيع السورية بعقود .
       4- وأصبنا أيضا في تعريفنا التقييمي لمحاور الحركة القومية الكردستانية منذ ستينات القرن الماضي والموقف من الثورة الكردية بقيادة مصطفى البارزاني ومن التيارات المغامرة التي تواطأت مع نظام بغداد وايران الشاه في معاداة الثورة والتي مازالت سائرة في طريق الفتنة والشقاق كماكانت عليه في ذلك الزمان ومرة أخرى عبر بغداد المالكي وطهران قاسم سليماني .
      5– أصبنا أيضا في طرح شعار صيانة القرار الوطني الكردي السوري المستقل والتعامل والتعاون والتنسيق مع المحيط القومي الكردستاني على قاعدة الاحترام المتبادل وعدم التدخل بشؤون البعض ودفعنا ثمنا باهظا (كنهج وتيار فكري سياسي وأفراد) جراء موقفنا هذا قديما وحديثا خاصة منذ مابعد اندلاع الثورة السورية . 6 – أصبنا في الانفتاح على فصائل وقوى حركة التحرر الوطني العربية والفلسطينية منها على وجه الخصوص انطلاقا من العلاقات التاريخية بين الشعبين الجارين وتطلعا الى التعاون والتنسيق والعيش المشترك في المستقبل .
    6 – وأصبنا في الانفتاح على فصائل وقوى حركة التحرر الوطني العربية والفلسطينية منها خصوصا من منطلق العلاقات التاريخية والجيرة ومبدأ التعاون والتنسيق والعيش المشترك بسلام ووئام .

  مايهمنا جميعا في هذا الاستذكار هو التأكيد على مسألتين : الأولى – الطلب من كل من يهمه الأمر الادلاء بدلوه في هذا الوقت بالذات التي بلغت فيه حدة الخلافات أوجها حول تفسير وتقييم قضايا الخلاف في الحركة الكردية ومدى التماثل والتشابه بين طبيعتها الراهنة وبين ماكانت عليه قبل نحو نصف قرن ؟ والثانية : كما أرى أن الصراع متواصل ومستمر وبطرق ووسائل وشعارات مختلفة وبغياب كامل لمن كانوا يوما ما في صفوف افرازات نهج آب (حيث توقف البعض وانحرف الآخر) وعبر فئات عمرية جديدة لم يعاصر كونفرانس آب ولكنه يدور في حلقاته الأساسية وبمفاهيم عصرية متطورة غير حزبوية مؤدلجة وفي عصر الثورة السورية وأزعم أن الحراك الشبابي الكردي الثوري كان ومازال النموذج (الآبي) الأمثل .

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف منذ سقوط النظام المجرم في 8 كانون الأول 2024 وتحول السلطة إلى السيد أحمد الشرع، بات السوريون، سواء أكان ذلك في العاصمة دمشق أو المدن الكبرى والصغرى، يتطلعون إلى مرحلة جديدة يتخلصون فيها من الظلم والاستبداد. حيث سنوات طويلة من مكابدات المعذبين في سجون الطاغية الأسد وأبيه كانت كفيلة بتدمير أرواح مئات الآلاف. بعض السجناء أمضوا…

شكري بكر هذا الموضوع مطروح للمناقشة قد يؤدي بنا للوصول إلى إقامة نظام يختلف عما سبقونا من سلاطين وحكام وممالك وما نحن عليه الآن حيث التشتت والإنقسام وتبعثر الجهود الفكرية والسياسية والإقتصادية والعمل نحو إقامة مجتمع خال من كل أشكال الصراع وإلغاء العسكرة أرضا وفضاءا التي تهدر 80% من الإقتصاد العالمي ، إن تغلبنا على هذا التسلح يمكن…

إياد أبو شقرا عودة إلى الموضوع السوري، لا بد من القول، إن قلة منا كانت تتوقّع قبل شهر ما نحن فيه اليوم. إذ إن طيّ صفحة 54 سنة خلال أقل من أسبوعين إنجازٌ ضخم بكل ما في الكلمة من معنى. سهولة إسقاط نظام الأسد، وسرعة تداعيه، أدهشتا حتماً حتى أكثر المتفائلين بالتغيير المرجوّ. إلا أنني أزعم، بعدما تولّت قيادة العمليات…

طارق الحميد منذ فرار بشار الأسد، في 8 ديسمبر (كانون الأول)، إلى روسيا، وهناك سيل من النقد والمطالبات للحكام الجدد، وتحديداً أحمد الشرع. والقصة ليست بجدوى ذلك من عدمه، بل إن جل تلك الانتقادات لا تستند إلى حقائق. وسأناقش بعضاً منها هنا، وهي «غيض من فيض». مثلاً، كان يقال إن لا حل عسكرياً بسوريا، بينما سقط الأسد في 12 يوماً…