«أوجلانوس وحوار الذات»

عنايت ديكو

– في العالم الغربي الليبرالي الحر لا شيء فوق النقاش والنقد والتحليل والإستنتاج .
– فالنقاش والمحاكمات العقلية للمدرسة الأوروبية وفلسفاتها تجاه جدلية وثنائية ” الإنسان والفكر” رفعت بالمفاهيم ودرجات المنطق والنظريات والدراسات والمعتقدات في أوروبا الى مصاف البيت الروحي الأساسي والرئيسي في تطور الفكر البشري.

– لنسقط هذه الحالة وهذه المقدمة على ساحات التفكير ومجسات العقل الكوردي ولنأخذ ” الأوجلانية ” بمعلقاتها السبع مثالاً بارزاً ونُمررها على المحاكمات العقلية والمنطق والنقاش والنقد والتحليل والإستنتاج .
 فنرى في المحصلة بأن ” الأوجلانية ” ما سوى إلا فكر خليط ومتناقض ومبهم في تأسيسه الإستنادي وغير واضح المعالم طبعاً اذا أطلقنا عليه مفهوم النظرية أو الفلسفة !. فلقد وضعت الأوجلانية لنفسها ومنذ تأسيسها هالة ضبابية ثورية كوسموبوليتية ميثاقيزيقية عنفوانية خارجة عن كل تصورات المنطق والعقل السائدة ضمن المجتمع الكوردي بحجة بناء مجتمع إشتراكي لا طبقي والقضاء على البدائية الإقطاعية المتخلفة والسائدة ، وقامت بمحاربة كل القيم والتصورات والممارسات الفكرية والعقائدية والدينية والسياسية في المجتمع الكوردستاني مستخدمة العصى الغليظة في تطور البنية الإجتماعية وتحريكها وتغييرها بالعنف والقوة الى أن حملت في الأخير عنواناً عريضاً ” لا جدال في الأوجلانية ” . متناسيين بأن أية فكرة أو نظرية أو فلسفة أو دراسة ستبقى أسيرة ظروفها ما لم تمر عبر قاعة المحاكمات المنطقية والعقلية والنقد والتحليل والتفسير ؟ وستفقد عناصرها وسببية وجودها بشكلٍ أوتوماتيكي وستضمر بين طياتها عوامل الإنهيار الذاتي المحتوم . ” فالأوجلانية ” إقترنت بالأساس ببعض النفحات الماوية الراديكالية القروية الغريبة على المجتمع الكوردي الى جانب تبني الماركسية كغطاء ورداء فكري مزركش لنضالٍ قروي وبأدوات وعناصر بدائية ، فإستعانت بمبدأ ” العمليات القيصرية ” في معالجتها وقيادتها للمجتمع وعملت على خلق بؤرة ثورية يسارية ريفية دون المرور بالمدينية مركزها ” كوردستان مستقلة ” ضاربة عرض الحائط كل القيم الإجتماعية والتاريخية والفكرية المتراكمة في المجتمع الكوردي البطيء دينامياً الى جانب الشروط الجغرافية والسياسية التي رفضتها ” الأوجلانية ” أمام تشكيل إمبراطوريتها كلياً. وتطورت الأوجلانية ضمن هذا المناخ وهذه الحالة إلى أن اصطدمت بالحائط والموانع والحدود الواقعية والوجودية وتوقفت عن الإنتاج الفكري والعقائدي والإرشادي والقيادي الطليعي  ، وانشطرت الأوجلانية الى عروق وأفخاذٍ متعددة ومتناثرة ومتناقضة في بعض منعطفاتها . ولكي تحافظ هذه ” الأوجلانية ” على سببية وجودها ، حاولت الإقتران والتزاوج مع بعض الأفكار والمذاهب والنظريات والفلسفات الأخرى وإن كانت متناقضة معها جملة وتفصيلاً ” كالإسلامية والإيزيدية والبعثية والأرغاناكونية والخمينية والعسكريتارية والديكتاتورية والديمقراطية والفاشية والليبرالية والريفية والقومية والعالمية والبعثية…الخ . وإيجاد نوعٍ قسري من الإنسجام والتقاطعات بين كل هذه العناصر التي ذكرناها وبين ” الآبوجية ” الريفية الماوية  نفسها للحفاظ على التوازن الآيكولوجي الديمومي الوظيفي . علماً بأن ” الآبوجية ” كانت من ألد وأشد أعداء كل هذه التيارات والفلسفات والنظريات التي ذكرناها، ومع إنهيار الكثير من المنظومات الإقتصادية والفكرية والعقائدية الراديكالية في العالم خسرت ” الأوجلانية ” عمقها السببي الوجودي وتحولت من حالة ثورية نضالية الى حالة فكرية عسكرية عقائدية نبوية مواعظية وصارت عبئاً كبيراً وثقيلاَ ليس على المجتمع الكوردستاني فحسب بل وحتى على حامليها الميامين ، وأصبحت ” آفة ” كبيرة تنخر بذاتها القريب قبل البعيد وتأكل ذاتها الداخلي ، هذا الداخل الكوردي الذي كان أول ضحاياها ، هذا الداخل الكوردي الذي كان بالنسبة للأوجلانية العمق والخزان ما فوق الإستراتيجي والحيوي والديمومي عندما إنطلقت من كوردستان الى أقاصي الدنيا الفسيحة . 

هناك مثل كورداغي يقول : ما من شجرة لامست السموات .

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إياد أبو شقرا عودة إلى الموضوع السوري، لا بد من القول، إن قلة منا كانت تتوقّع قبل شهر ما نحن فيه اليوم. إذ إن طيّ صفحة 54 سنة خلال أقل من أسبوعين إنجازٌ ضخم بكل ما في الكلمة من معنى. سهولة إسقاط نظام الأسد، وسرعة تداعيه، أدهشتا حتماً حتى أكثر المتفائلين بالتغيير المرجوّ. إلا أنني أزعم، بعدما تولّت قيادة العمليات…

طارق الحميد منذ فرار بشار الأسد، في 8 ديسمبر (كانون الأول)، إلى روسيا، وهناك سيل من النقد والمطالبات للحكام الجدد، وتحديداً أحمد الشرع. والقصة ليست بجدوى ذلك من عدمه، بل إن جل تلك الانتقادات لا تستند إلى حقائق. وسأناقش بعضاً منها هنا، وهي «غيض من فيض». مثلاً، كان يقال إن لا حل عسكرياً بسوريا، بينما سقط الأسد في 12 يوماً…

خليل مصطفى مِنْ أقوال الشيخ الدكتور أحمد عبده عوض (أُستاذ جامعي وداعية إسلامي): ( الطَّلَبُ يحتاجُ إلى طَالِب ، والطَّالِبُ يحتاجُ إلى إرادة قادرة على تحقيق حاجات كثيرة ). مقدمة: 1 ــ لا يختلف عاقلان على أن شعوب الأُمَّة السُّورية قد لاقت من حكام دولتهم (طيلة 70 عاماً الماضية) من مرارات الظلم والجور والتَّعسف والحرمان، ما لم تتلقاه شعوب أية…

أحمد خليف الشباب السوري اليوم يحمل على عاتقه مسؤولية بناء المستقبل، بعد أن أصبح الوطن على أعتاب مرحلة جديدة من التغيير والإصلاح. جيل الثورة، الذي واجه تحديات الحرب وتحمل أعباءها، ليس مجرد شاهد على الأحداث، بل هو شريك أساسي في صنع هذا المستقبل، سواء في السياسة أو في الاقتصاد. الحكومة الجديدة، التي تسعى جاهدة لفتح أبواب التغيير وإعادة بناء الوطن…