عبدالرحمن كلو *
بالأمس القريب كنا بصدد الحديث عن جينيف2 ومستوى أداء الوفد الكردي في ذلك المحفل الدولي، ولم يختلف أحد منا بأن الوفد كان يفتقد إلى الكثير من مقومات الحالة المؤسساتية، وفي حينها كثر الحديث عن المثالب والأخطاء التي وقع فيها الوفد الكردي بسبب ارتجالية المواقف والمبالغة في بروباغاندا الجانب الاعلامي الشخصي والحزبي على حساب السياقات الدبلوماسية والقانونية للقضية القومية في الوثائق الرسمية للمؤتمر.
يبدو أننا اليوم نكرر ذات التجربة الفاشلة في قرطبة وبصيغة أسوأ في معظم جوانب هذا الحضور شكلاً ومضموناً، قبل كل شيء مؤتمر جينيف2 كان محفلا دولياً برعاية أممية معروفة الأطراف والأهداف، ثانياً الحضور الكردي في جينيف2 كان من خلال المجلس الوطني الكردي وفي إطار مؤسسة سياسية باسم الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية، وعلى الرغم من صعوبة المسار التفاوضي بين المعارضة والنظام إلا ان كلا الطرفين كان له رؤيته ومشروعه الخاص به والمعد له مسبقاً من قبل استشاريين سياسيين وقانونيين ولجان مختصة بالاضافة إلى التواصل اللحظي مع مرجعياتهم السياسية على خطوط ساخنة لتبادل الآراء ومناقشة الأفكار وصياغتها، باستثناء الوفد الكردي الذي كان هناك دون أن يحمل في جعبته ورقة واحدة، أو أية ترتيبات تنظم عمل الوفد وشكل تواصله الداخلي ناهيك عن إنشاء منظومة تواصل خاصة بالاتصال مع الوطن، مما أثار في حينها موجةً من الانتقادات من لدن الشارع الكردي وخاصة لدى النخب الثقافية والسياسية الكردية، وربما فشل الطرفين – النظام والمعارضة – في التوصل إلى اتفاق ساهم في التغطية على فشل الوفد الكردي وضعف أداءه السياسي والدبلوماسي، وعلينا أن نقر بأن حالة الفشل سياسيا ودبلوماسياً وتنظيمياً نالت من زخم القضية الكردية في المحافل الدولية ومشروعيتها التاريخية، لكن السؤال الذي بقي في الذاكرة القريبة: لماذا التعمد في تكرار تجربة جينيف الفاشلة في قرطبة وبهذه المسافة الزمنية القريبة ؟ والأسوأ في الأمر هو أن المؤتمر التشاوري في قرطبة مجهول الهوية، أي أن الجهة أو الجهات الراعية لهذا المؤتمر لم تعلن عن هويتها السياسية بالشكل الصريح، وفي هذا ذهبت أصابع التشخيص إلى مختلف الاتجاهات بما في ذلك جانب النظام أو منظومة اصطفافاته في الخطوط الخلفية، وحتى إذا سلمنا بأن الهوية السياسية للجهة الراعية للمؤتمر بعيدة عن الاشكاليات السياسية وتحمل مشاريع وطنية سورية، فهل يمكن للمجلس الوطني الكردي أن يذهب إلى المشاركة في أي محفل يحمل عنوانا دوليا او سوريا او اقليميا من دون التشاور أو التنسيق مع الائتلاف الوطني السوري الذي هو جزء منه ؟ أو قبل ذلك هل اجتمع المشاركون في قرطبة من أعضاء المجلس الوطني الكردي فيما بينهم أولاً للتنسيق والتشاور في إطار لجنة أو هيئة أو مكتب للمجلس الوطني الكردي؟ وأكثر من هذا فالذهاب إلى قرطبة كان بموجب دعوات شخصية حتى أنها لم تكن حزبية، ومعظم المشاركين في هذا المؤتمر خرجوا من اجتماعاتهم الحزبية ومن بين رفاقهم الحزبيين دون الافصاح عن المشاركة ناهيك عن مناقشة المواضيع التي سيتم تناولها في المؤتمر أو تشكيل فريق عمل تشاوري من ذوي الخبرة والكفاءات في الداخل، هذا وكأن حقائبهم كانت حازمة للسفر صوب أي جهة كانت ولأي سبب؟! هذا في الجانب الشكلي للمشاركة، لكن ماذا عن مضمون الوثيقة في الجانب السياسي؟
وبالعودة إلى الوثيقة الصادرة عن اللقاء التشاوري الكردي مع مجموعة عمل قرطبة وقراءة بعض نقاطها: نرى أنها وبعد استعراضها للأزمة السورية تقول: (…يستوجب العمل الجاد من خلال طرح مشروع وطني للحفاظ على وحدة سوريا وبناء سوريا الجديدة) أي أن العمل الجاد يبدأ من أجل الحفاظ على وحدة سوريا أولا، علماً أنه كان من الأهمية بمكان أن يبدأ العمل الجاد من أجل حقن دماء السوريين أولاً ووضع خارطة طريق لمشروع كامل متكامل للسلم الأهلي وذلك لما أحدثت هذه الأزمة من شرخ بين مكونات المجتمع السوري من خلال الحرب الطائفية القائمة فعلياً على أرض الواقع.
كما أن الوثيقة تعمدت استخدام مصطلح الاتحادي بدلاً من الفيدرالي وهذا تلاعب لفظي بالمضمون السياسي للكلمة، نعم كلمة الاتحادية في العربية تقابلها الفيدرالية، لكن في القاموس اللغوي العربي معظم المصطلحات السياسية غير دقيقة وغير معتمدة، ويمكن تفسير المصطلح العربي بأكثر من معنى أو ربما لا نجد في العربية ما يقابلها من مصطلح في لغة السياسة مثل مصطلح الكونفدرالية إذ ليس له مقابل في العربية إلا بالشرح التفصيلي، أو كما مصطلح القومية فله أكثر من تعريف ومعنى في العربية لكن في القاموس السياسي فله تعريف واحد وحصري ويعني :(إحدى حالات الأمة في صيرورتها التاريخية تقوم على الروابط التي تقوم عليها الأمة وتأطرت في الجانب السياسي لتطور الأمة)، من هذا المثال نرى المصطلح السياسي أو الحديث في السياسة والتعبير السياسي يحتاج إلى اعتماد المصطلحات المتداولة والمتفق عليها في كل لغات العالم، والفيدرالية هي مصطلح سياسي معرّف وشامل ولا يقبل التأويل في كل لغات العالم ومحاولات التهرب من استخدامه كمصطلح هو تهرب من مضمون الكلمة أولاً ومن ثم عدم امتلاك الجرأة الكافية لمواجهة الشارع العربي بمصطلحات لا يستسيغها او لا يقبل بها، خاصة وأنه نشأ على ثقافة الاستعلاء القومي طيلة عقود من الزمن، وهذا ما يذكرنا بموضوع اسم الدولة (الجمهورية السورية) فحتى الآن – ورغم الموافقة الشكلية – كل مراسلات الائتلاف هي باسم الجمهورية العربية السورية.
في فقرة تالية نقرأ : (…نظام برلماني رئاسي (مختلط) ديمقراطي تعددي …) هذا التعبير يؤكد التهرب من النظام الفيدرالي إذ يتعمد الخلط بين مجموعة مفاهيم سياسية وقانونية بإلحاقات غير مترابطة سياسياً مثل تعددي وديمقراطي، والهدف هو التشويش على المعنى الحقيقي للمدلول السياسي للمصطلح.
أما في الفقرة التي تذكر بإلغاء كافة المشاريع والسياسات العنصرية والشوفينية…. فهي رغم الدقة والوضوح من حيث اللغة والمضمون فهي جاءت عمومية تشمل كافة المشاريع .. ولم تصرح بمشروع بعينه علماً أن مشروع الحزام العربي العنصري لوحده يحتاج إلى بند تفصيلي خاص به، لأن مثل هذا المشروع واضح المعالم والأهداف والنتائج وله من الأهمية السياسية ما يستحق أن يفرد له بنداً خاصاً به على خطورته التاريخية في تغيير الديموغرافيا والجغرافيا البشرية لغربي كردستان، ويبقى السؤال لماذا يتم تجنب الدقة والتشخيص والوضوح؟
تذهب الوثيقة إلى (….الاقرار بدستور توافقي يكرس مبادئ وأحكام القانون والمواثيق الدولية …. يضمن للشعب الكردي حقوقه القومية في إقليمه وفق نموذج الدولة الاتحادية ….) إذا كانت الدولة فيدرالية فهي بالضرورة اتحاد أقاليم، تقوم على اساس الجغرافيا التاريخية للشعوب الأصلية التي تعيش على أرضها التاريخية، إذاً فهي بين الاقليم الكردي- كما في الوثيقة- وإقليم آخر، ما هو اسم الاقليم الكردي؟ كانتون الجزيرة ؟ أم الجزء الملحق بسوريا من كردستان ؟ أم غربي كردستان؟ أم المناطق ذات الأغلبية الكردية ؟ وما اسم الاقليم الآخر؟
وإذا كانت الدولة فيدرالية كما يحاول موقعو الوثيقة الترويج له فإن الحقوق الكردية يكفله النظام الاتحادي من خلال العلاقة الناظمة بين الاقاليم من جهة وبين الاقاليم والمركز من جهة أخرى، ولا يمكن اختزال الحقوق وفق تعابير مجازية إنشائية لا علاقة لها بالسياسة (مثل كلمة الكرد في السياق ) ، كما في الوثيقة (…. المشاركة الفعلية للكرد وتمثيلهم في مؤسسات الدولة ….) أي أن الوثيقة تحاول العودة إلى المربع الأول إلى ما قبل النظام الفيدرالي .
أخيراً وكما جاء في البداية فإن الوثيقة تؤكد على (…وحدة الأراضي السورية الجغرافية ويقف بوجه أية مشاريع لتقسيم سوريا…) وربما هذا هو الجانب الأهم في الوثيقة بالنسبة للجانب العربي، في ظل مستجدات الحالة العراقية الحالية، وفي وقت يلوح في الافق بوادر إعلان دولة كردية في جنوب كردستان، أو على الأقل تأسيس نظام كونفدرالي في العراق يكون أساساً في رسم ملامح مشروع الشرق الأوسط الكبير الذي ينتظر الولادة القسرية على أنقاض نتائج نظرية الفوضى الخلاقة .
يمكن القول بأن المشاركين في قرطبة والموقعين على إخراج الوثيقة، أخطأوا ثلاث مرات مرة لأنهم شاركوا من خارج المؤسسات السياسية السورية والقومية الكردية، ومرة لأنهم لم يتجرأوا حتى في الدفاع عن برامجهم السياسية كأحزاب أو كمجلس وطني كردي، والخطأ في المرة الثالثة أنهم لم يكونوا بمستوى التمثيل السياسي للقضية الكردية ، حيث كان بإمكانهم استثمار مستجدات الحالة العراقية بعد 10/6 وتوظيفها بما يخدم البعد الوطني الكردستاني وتفعيله.
2/7/2014
*عضو اللجنة السياسية لحزب يكيتي الكردي في سوريا
وبالعودة إلى الوثيقة الصادرة عن اللقاء التشاوري الكردي مع مجموعة عمل قرطبة وقراءة بعض نقاطها: نرى أنها وبعد استعراضها للأزمة السورية تقول: (…يستوجب العمل الجاد من خلال طرح مشروع وطني للحفاظ على وحدة سوريا وبناء سوريا الجديدة) أي أن العمل الجاد يبدأ من أجل الحفاظ على وحدة سوريا أولا، علماً أنه كان من الأهمية بمكان أن يبدأ العمل الجاد من أجل حقن دماء السوريين أولاً ووضع خارطة طريق لمشروع كامل متكامل للسلم الأهلي وذلك لما أحدثت هذه الأزمة من شرخ بين مكونات المجتمع السوري من خلال الحرب الطائفية القائمة فعلياً على أرض الواقع.
كما أن الوثيقة تعمدت استخدام مصطلح الاتحادي بدلاً من الفيدرالي وهذا تلاعب لفظي بالمضمون السياسي للكلمة، نعم كلمة الاتحادية في العربية تقابلها الفيدرالية، لكن في القاموس اللغوي العربي معظم المصطلحات السياسية غير دقيقة وغير معتمدة، ويمكن تفسير المصطلح العربي بأكثر من معنى أو ربما لا نجد في العربية ما يقابلها من مصطلح في لغة السياسة مثل مصطلح الكونفدرالية إذ ليس له مقابل في العربية إلا بالشرح التفصيلي، أو كما مصطلح القومية فله أكثر من تعريف ومعنى في العربية لكن في القاموس السياسي فله تعريف واحد وحصري ويعني :(إحدى حالات الأمة في صيرورتها التاريخية تقوم على الروابط التي تقوم عليها الأمة وتأطرت في الجانب السياسي لتطور الأمة)، من هذا المثال نرى المصطلح السياسي أو الحديث في السياسة والتعبير السياسي يحتاج إلى اعتماد المصطلحات المتداولة والمتفق عليها في كل لغات العالم، والفيدرالية هي مصطلح سياسي معرّف وشامل ولا يقبل التأويل في كل لغات العالم ومحاولات التهرب من استخدامه كمصطلح هو تهرب من مضمون الكلمة أولاً ومن ثم عدم امتلاك الجرأة الكافية لمواجهة الشارع العربي بمصطلحات لا يستسيغها او لا يقبل بها، خاصة وأنه نشأ على ثقافة الاستعلاء القومي طيلة عقود من الزمن، وهذا ما يذكرنا بموضوع اسم الدولة (الجمهورية السورية) فحتى الآن – ورغم الموافقة الشكلية – كل مراسلات الائتلاف هي باسم الجمهورية العربية السورية.
في فقرة تالية نقرأ : (…نظام برلماني رئاسي (مختلط) ديمقراطي تعددي …) هذا التعبير يؤكد التهرب من النظام الفيدرالي إذ يتعمد الخلط بين مجموعة مفاهيم سياسية وقانونية بإلحاقات غير مترابطة سياسياً مثل تعددي وديمقراطي، والهدف هو التشويش على المعنى الحقيقي للمدلول السياسي للمصطلح.
أما في الفقرة التي تذكر بإلغاء كافة المشاريع والسياسات العنصرية والشوفينية…. فهي رغم الدقة والوضوح من حيث اللغة والمضمون فهي جاءت عمومية تشمل كافة المشاريع .. ولم تصرح بمشروع بعينه علماً أن مشروع الحزام العربي العنصري لوحده يحتاج إلى بند تفصيلي خاص به، لأن مثل هذا المشروع واضح المعالم والأهداف والنتائج وله من الأهمية السياسية ما يستحق أن يفرد له بنداً خاصاً به على خطورته التاريخية في تغيير الديموغرافيا والجغرافيا البشرية لغربي كردستان، ويبقى السؤال لماذا يتم تجنب الدقة والتشخيص والوضوح؟
تذهب الوثيقة إلى (….الاقرار بدستور توافقي يكرس مبادئ وأحكام القانون والمواثيق الدولية …. يضمن للشعب الكردي حقوقه القومية في إقليمه وفق نموذج الدولة الاتحادية ….) إذا كانت الدولة فيدرالية فهي بالضرورة اتحاد أقاليم، تقوم على اساس الجغرافيا التاريخية للشعوب الأصلية التي تعيش على أرضها التاريخية، إذاً فهي بين الاقليم الكردي- كما في الوثيقة- وإقليم آخر، ما هو اسم الاقليم الكردي؟ كانتون الجزيرة ؟ أم الجزء الملحق بسوريا من كردستان ؟ أم غربي كردستان؟ أم المناطق ذات الأغلبية الكردية ؟ وما اسم الاقليم الآخر؟
وإذا كانت الدولة فيدرالية كما يحاول موقعو الوثيقة الترويج له فإن الحقوق الكردية يكفله النظام الاتحادي من خلال العلاقة الناظمة بين الاقاليم من جهة وبين الاقاليم والمركز من جهة أخرى، ولا يمكن اختزال الحقوق وفق تعابير مجازية إنشائية لا علاقة لها بالسياسة (مثل كلمة الكرد في السياق ) ، كما في الوثيقة (…. المشاركة الفعلية للكرد وتمثيلهم في مؤسسات الدولة ….) أي أن الوثيقة تحاول العودة إلى المربع الأول إلى ما قبل النظام الفيدرالي .
أخيراً وكما جاء في البداية فإن الوثيقة تؤكد على (…وحدة الأراضي السورية الجغرافية ويقف بوجه أية مشاريع لتقسيم سوريا…) وربما هذا هو الجانب الأهم في الوثيقة بالنسبة للجانب العربي، في ظل مستجدات الحالة العراقية الحالية، وفي وقت يلوح في الافق بوادر إعلان دولة كردية في جنوب كردستان، أو على الأقل تأسيس نظام كونفدرالي في العراق يكون أساساً في رسم ملامح مشروع الشرق الأوسط الكبير الذي ينتظر الولادة القسرية على أنقاض نتائج نظرية الفوضى الخلاقة .
يمكن القول بأن المشاركين في قرطبة والموقعين على إخراج الوثيقة، أخطأوا ثلاث مرات مرة لأنهم شاركوا من خارج المؤسسات السياسية السورية والقومية الكردية، ومرة لأنهم لم يتجرأوا حتى في الدفاع عن برامجهم السياسية كأحزاب أو كمجلس وطني كردي، والخطأ في المرة الثالثة أنهم لم يكونوا بمستوى التمثيل السياسي للقضية الكردية ، حيث كان بإمكانهم استثمار مستجدات الحالة العراقية بعد 10/6 وتوظيفها بما يخدم البعد الوطني الكردستاني وتفعيله.
2/7/2014
*عضو اللجنة السياسية لحزب يكيتي الكردي في سوريا