كمال اللبوني وكردستان… عربستان

صالح بوزان

لم يخلق كلام الدكتور كمال اللبواني ردة فعل عندي من خلال مقاله الذي يحمل شيئاً من السخرية بالكرد. فمن العنوان تظهر السخرية، ومن حيث المضمون يخرج علينا كأب ناصح لأطفال يلعبون بالنار. في الحقيقة نجد هذه النماذج العربية كثيرة على صعيد الإعلام. وقد اضطروا للحديث عن الشؤون الكردية نتيجة ادعائهم بالديمقراطية والحرية، هذه الديمقراطية والحرية التي أخذوا يستخدمونها في مجابهة الأنظمة الديكتاتورية العربية، ولا سيما ضد النظام السوري الاستبدادي. أقصد أن الكلام حول الديمقراطية والحرية ليس جزءا من تفكيرهم أصلاً، بل هي وسيلة مؤقتة للإطاحة بالنظام السوري، وعندئذ تنتهي مهمتها. تماماً كما قال الإسلاميون في الجزائر نهاية القرن الماضي بأن الانتخابات الديمقراطية سيمارسونها مرة واحدة لإيصالهم إلى السلطة، وبعدها تنتهي مهمتها وسيعودون إلى زمن الخلافة والبيعة.
السيد كمال لبواني في مقاله ( كردستان… عقبال عربستان) يذكر كلمة الشعب الكردي. وهذا يعني، حسب الفكر السياسي وحسب منطق العصر ومبدأ الديمقراطية والحرية أن له وطناً، فلا شعب بدون وطن، وبالتالي من حقه أن يقيم  دولته في وطنه. أما الوسيلة التي عليه اعتمادها فهي مرتبطة بالجهة التي تقف ضد رغبته هذه. فإذا كانت تلك الجهة تؤمن بالديمقراطية وحرية الشعوب في تقرير مصيرها، فالطرفان سيجلسان على الطاولة ويتفقان على فك الارتباط بود دون أن يسلب أحدهما حق الآخر، كما حدث بين التشيك والسلوفاك. أما إذا كانت الجهة المقابلة لن توافق على فك الارتباط ودياً، ويسعى لأن يجبر الطرف الذي يريد حريته البقاء معه غصباً عن إرادته، فلن يكون هناك غير الحرب وسيلة. هكذا بدأت كل الحركات التحررية في العالم. في هذه الحالة يحق لهذه الجهة التي تطالب بحريتها أن تستغل الظرف المناسب، سواء من حيث ضعف المجابه، أو من حيث إقامة تحالفات علنية أو سرية مع أطراف إقليمية ودولية لتحقيق هدفه. كل الشعوب التي أقامت دولتها مروا بهذا المخطط. والعرب السوريون اتفقوا سراً مع الانكليز ضد العثمانيين. وشهداء 6 أيار الذين أعدمهم العثمانيون عام 1916 في دمشق وبيروت كانت تهمتهم التعاون مع الانكليز الكفار ضد الدولة العثمانية الإسلامية. وهكذا فاتهام اللبواني كرد العراق باستغلال ضعف الدولة العراقية المركزية للإعلان عن دولتهم تسقط في هذه الحالة، إلا إذا كان يعتبر شهداء 6 أيار انفصاليين. الكرد العراقيون كانوا ينوون البقاء في إطار الدولة العراقية، لكن بشرط أن يجري ضم كل المناطق الكردية التي استقطعها صدام حسين من كردستان إلى الإقليم. لكن الطرف العربي العراقي وقف ضد بند دستوري وافق عليه الشعب بإعادة هذه المناطق لإقليم كردستان. ألم يكن حرياً بالسيد اللبواني أن ينتقد رئيس الوزراء العراقي نور المالكي بأن استمرار التأمر على شعبك الكردي(إذا كان يعتبره شعبه) وبنفس طريقة صدام حسين(الذي يقر اللبواني، على ما أعتقد، أنه كان من أفظع دكتاتوري الشرق) أن هذه السياسة تجاه الكرد سيجبر الكرد للبحث عن وسيلة أخرى غير التفاوض لضم تلك المناطق إلى الجسم الأم.
يقول السيد اللبواني في مقاله “أن النزعة الانفصالية الكوردية هي المحرك الحقيقي للحركة الكوردية”. ما هذا الاكتشاف العبقري؟ فقبل أن يتهم الحركة الكردية بنزعة الانفصال، عليه أن يفكر بالجهة العربية في سوريا والعراق وما فعلت بالشعب الكردي في البلدين. لن أذكره بالقائمة الطويلة بالممارسات العنصرية المذلة تجاه الكرد والجرائم والمشاريع التي تعكس فكر نازي مقيت عربياً. إن الأقليات في كل العالم تبحث عن الخلاص عندما تكون مضطهدة، وهي قد تقع في أخطاء وممارسات غير مدروسة. لكن ذلك لا يبر إلصاقها بالتآمر واللاوطنية. فاللاوطنية تتحمل مسؤوليتها الأكثرية لا الأقلية. إن العقلية السياسية العربية تعتمد حتى الآن على فكرة المؤامرة في تحليل الأمور. وهذا ما فعله أغلب الساسة العرب منذ بدايات القرن الماضي. وبالتالي فهم يعتبرون أن هذا المنطق هو المتبع عند الجميع. من هنا ينظرون دائماً إلى مطالبة الكرد بحقوقهم نظرة الريبة والشك. كانوا يسمون كردستان العراق بالجيب العميل، وبإسرائيل الثانية، وخنجر في خاصرة الأمة العربية. لماذا هؤلاء الساسة العرب وحتى العديد من المثقفين العرب لا يقيمون أنفسهم وتاريخهم تجاه الشعب الكردي؟. قلتها عدة مرات، وأقولها الآن. أن ثمة غصة كبيرة في نفسي خلقها الكتاب والمثقفون العرب. قرأت الكثير، لكتاب ومؤرخين ومستشرقين ونقاد غربيين وروس، كتبوا عن الكرد وعن تاريخهم وأصولهم وعاداتهم وأدبهم وفلكلورهم. لكنني لم أجد عربياً سورياً واحداً من الساسة والأدباء والكتاب والمفكرين تطرق للمواضيع الكردية إلا للنيل منهم. يفكرون بالكتابة عن الكرد عندما يطلب الكرد شيئاً من حقوقهم. عندئذ تجود قريحتهم، فتتوالى المقالات والتصريحات والدراسات التي تتهم الكرد بالخيانة واللاوطنية ونزعة الانفصال والتأمر على العروبة. يا له من منطق عجيب يتفق فيه النظام البعثي مع العديد من شخصيات المعارضة والكتاب العرب. هل ممكن لهذا المنطق أن يقيم دولة عصرية ديمقراطية وعادلة في سوريا، يكون فيها التساوي بين مواطنيها وشعوبها وأديانها ومذاهبها. أشك في ذلك والسيد كمال اللبواني يعطينا النموذج.
يقول السيد اللبواني “أن المشروع القومي الكردي غير ناضج تاريخيا مثله مثل المشروع القومي العربي والتركماني والفارسي…”. ألا تجدون أن هذا الكلام لا يستند إلى تفكير موضوعي. ألم يسعى الساسة والمثقفون العرب خلال قرن كامل لإقامة المشروع القومي العربي؟ ألم يكن هو بالذات ضمن التيار الشيوعي الذي انشق عن الحزب الشيوعي السوري من أجل إقامة المشروع القومي العربي يسارياً. بالمناسبة، فاليسار العربي كان معارضا للحقوق الكردية في سوريا. مثله مثل التيار القومي العربي. لقد كانت أممية الشيوعيين السوريين(وأعترف أنني كنت واحداً منهم) تتجلى في الولاء للاتحاد السوفييتي والمعسكر الاشتراكي، وتأييد حركات التحرر في كل أصقاع العالم، لكن تجاه الكرد في سوريا كانوا لا يختلفون عن البعثيين.
يتهم السيد اللبواني الكرد بالنزعة اللاوطنية. أتساءل ما هو الوطن؟ وما هي الوطنية التي يقصدها السيد اللبواني؟. إن الوطن الذي أُضطهد فيه، وأعاني من التمييز القومي ومن الجوع واغتصاب الحقوق هو ليس وطناً بل هو سجن، ولا أعتقد أن عاقلاً ممكن أن يعتبر السجن وطنه. والوطنية التي تريد أن أكون جزءاً من المنظومة الاستبدالية والخنوع  للدكتاتورية هي ليست الوطنية التي عليّ التمسك بها.
لا يحق للسيد اللبواني الحديث عن الوطنية أبداً. فهو في صراعه مع النظام السوري دعا إلى التحالف مع إسرائيل. وأقولها بصراحة، ليست لدي أية حساسية تجاه اليهود، وأنا معجب بالتوراة كما أنني معجب بالقرآن والإنجيل، بغض النظر إن كانت هذه الكتب سماوية أو وضعية. ولدي قناعة أن الشعب اليهودي تعرض لاضطهاد تاريخي فظيع. وكان للأمس القريب منبوذاً في أوربا. ذكر الكاتب الألماني هانريتش هايني (1797-1856)  وهو من أصل يهوديي على ما أعتقد، أن في زمانه كان في ألمانيا يكتب على مداخل البولفارات (الشوارع العريضة ذات الاتجاهين) وعلى أبواب الحدائق العامة، ممنوع مرور الكلاب واليهود. ومع إقراري بكل هذا، وبالهولوكوست النازي، فإنني على قناعة كاملة أن الدولة الإسرائيلية اغتصبت حق الشعب الفلسطيني وشردته، وتقف ضد قيام دولة فلسطينية. والأهم من ذلك فالدولة الإسرائيلية، بالنسبة لي، هي دولة معتدية وتحتل جولان. إن من يطلب الخلاص من النظام السوري بواسطة هذه الدولة التي تغتصب جزءا من الوطن لا يحق له أن يتهم الكردي باللاوطنية. السيد اللبواني يريد التحالف مع إسرائيل من أجل الإطاحة بالأسد. أتساءل: بالله عليكم هل من يحمل هكذا تفكير بإمكانه أن يجلب للشعب السوري الحرية والديمقراطية. وبالتالي هل سيعترف بالحق الكردي السوري؟ إن من يستخدم وسيلة مهينة لكرامة الشعب السوري من أجل إسقاط الباطل القائم، لن يجلب للشعب سوى باطلاً أكثر وطأة.
أكرر دائماً، أن الثورة السورية عظيمة، بغض النظر إذا كانت ستنجح أو ستفشل. وهذه العظمة لا تأتي من أن الشعب انتفض على نظام استبدادي فقط، بل لأنها كشفت أيضاً حقيقة تفكير ساستنا في المعارضة والعديد من كتابنا وشعرائنا ومفكرينا. لقد كشفت الثورة أن الشعب السوري طيلة نصف قرن كان يحتاج إلى كتاب ومفكرين وشعراء صادقين مخلصين له، كما كان زملاؤهم أبان الثورات الأوروبية العظيمة. لو لم تكن هذه الحقيقة موجودة على أرض الواقع لما استمر النظامان الديكتاتوريان في سوريا والعراق طيلة هذه المدة. ولما استمرت الثورة السورية ثلاث سنوات ونيف وهي تنزف الأخضر واليابس دون أن تحقق أهدافها بعد.
————–
رابط مقال كمال اللبواني
http://all4syria.info/Archive/153982

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

خالد بهلوي تحت شعار “وقف العنف والتهجير – العيش المشترك بسلام”، وبمبادرة من مجموعة نشطاء من الشابات والشباب الغيورين، شهدت مدينة إيسين الألمانية يوم 21 ديسمبر 2024 وقفة احتجاجية بارزة للتعبير عن رفض الاحتلال التركي والتهديدات والانتهاكات التي يتعرض لها الشعب الكردي المسالم. الحضور والمشاركة: حضر الفعالية أكثر من مائه شخصً من الأخوات والإخوة الكرد والألمان، إلى…

د. محمود عباس ستكثّف الولايات المتحدة وجودها العسكري في سوريا وستواصل دعمها لقوات سوريا الديمقراطية (قسد) والإدارة الذاتية. تدرك تركيا هذه المعادلة جيدًا، وتعلم أن أي إدارة أمريكية قادمة، حتى وإن كانت بقيادة دونالد ترامب، لن تتخلى عن الكورد، لذلك، جاء تصريح أردوغان بعد عودته من مصر، ووزير خارجيته من دمشق اليوم كجزء من مناورة سياسية تهدف إلى تضليل الرأي…

شادي حاجي المرء لا يذهب إلى طاولة المفاوضات وهو خالي الوفاض وإنما يذهب وهو متمكن وقادر والمفاوض يكشف أوراقه تدريجياً تبعاً لسير العملية التفاوضية فعند كل منعطف صعب وشاق يقدم المفاوض بطريقة أو بأخرى معلومة ولو صغيرة حول قدراته على إيقاع الأذى بالطرف الآخر من أجل أن يكون مقنعاً فعليه أن يسأل عن مقومات الندية والتي تتركز على مسألة القوة…

إبراهيم اليوسف منذ سقوط النظام المجرم في 8 كانون الأول 2024 وتحول السلطة إلى السيد أحمد الشرع، بات السوريون، سواء أكان ذلك في العاصمة دمشق أو المدن الكبرى والصغرى، يتطلعون إلى مرحلة جديدة يتخلصون فيها من الظلم والاستبداد. حيث سنوات طويلة من مكابدات المعذبين في سجون الطاغية الأسد وأبيه”1970-2024″ كانت كفيلة بتدمير أرواح مئات الآلاف. إذ إن بعض…