صوت الآكراد *
مُخطئٌ كان كل من ذهب إلى أنّ الأزمة السورية أزمة محلية وقصيرة المدى ستنتهي مثلها مثل باقي ثورات الربيع العربي بسقوط نظام ومجيء آخـر, مُخطئٌ كان من “كان يعتقد ” أنّ السوريون هم من سيقررون مصيرهم في ظـلّ هذه الأزمة التي حلت بالبلاد بعد الثورة الشعبية السلمية التي انطلقت ربيع 2011م , فثلاث سنوات لم تكن كافية لوضع حـدّ لأتون هذه الحرب الدائرة والتي خلفت الآلاف المؤلفة من الضحايا بين قتيل وجريح وأسير .
نعم إن الأزمة السورية بدأت تأخذ بعد سنواتها الثلاث منحىً جديداً , فمع ظهور بعض الجماعات الدينية المتطرفة والمسلحة وعلى رأسها ” داعش ” ودخولها في عمق الأزمة السورية من خلال استفادتها من الصراع الدائر في البلاد ومقدرتها على اللعب بورقة لعبة المصالح استطاعت أن تتوغل في طرفي النزاع الدائر, بل كسبت نوعاً خفياً من الدعم الدولي والإقليمي اللذان أدركا أن مشاركة إرهابييهم في الحرب السورية أفضل بكثير من بقائهم في بلادهم وتهديدهم لأمنهم وشعوبهم , ومن هذا المنطلق نلاحظ كيف أن الحكومات الغربية تراقب بدقة تنقلاتهم من بلدانهم إلى بلادنا , و رغم ذلك تغض النظر عنهم .
أما من ناحية أخرى فإن بعض القوى تحاول خلق الفوضى في المنطقة برمتها لأهدافها وبناءً على اتفاقاتها السرية الساعية إلى صنع واقع جديدٍ على الأرض , ومن هذا المنطلق كان على ما يبدو إعطاء الضوء الأخضر ل” داعش ” الفزاعـة المصطنعة بالانقضاض على العراق البلد الجار من مغاربه إلى مشـارقه , أمام حكومة المالكي وتطرفها الطائفي وتهميشها لباقي مكونات العـراق , وانتهاجه لسـياسة إقصائية متعمدة … هي من كانت السـبب في خلق الأرضية المناسبة لنجاح مثل هذه المخططات “هذا إن لم يكن شريك فيها أصلاً ” , وبالتالي جر العراق إلى منعطفات خطيرة , في مقدمتها اندلاع حرب أهلية طاحنة على أسس طائفية وعرقية لن تتوقف نيرانها ضمن حدود سوريا والعراق طبعاً .
الحرب السورية ليست مجرد صراع بين نظام وشعب فحسب بل صراع بين قطبين دوليين ” روسيا وأمريكا ” , بين الشيعة والسنة , بين إيران وتركيا , وبين التطرف والاعتدال, بين المصالح والمبادئ , إنه صراع عظيم وهائل , وأياً كانت النتائج فآثارها دون شك ستكون مدوية وهائلة .
كردياً , مع ما سبق , فإنّ أبناء الشعب الكردي في جميع أجزاء كردستان مشرفون على حقبة تاريخية خطيرة وفاصلة بين تحقيقهم لأهدافه القومية , وبين ضياع هذه الفرصة والبدء بسحق أحلامهم القومية من جديد .
أشقاؤنا الكرد في العرق استطاعوا إلى الآن أن يستغلوا كل الظروف المواتية, ووضعها في خدمة أهدافهم, وآخرها سيطرة البيشمركة في إقليم كردستان العراق على معظم المناطق الكردستانية المتنازع عليها لملء الفراغ الحاصل بعد انسحاب قوات المالكي منها, مؤشر صريح لذلك, أما في سوريا , فنحن أمام مسؤولية تاريخية لتجنيب شعبنا الكردي أن يكونوا ضحية لأية أجندات معادية لأهدافه القومية , وهناك الكثير من العلامات الدالة على ذلك , وذلك يتطلب منا التحلي بروحٍ التضحية واليقظة لما يدور حولنا من معاهدات ومخططات كبيرة إقليمية ودولية , وأولى متطلبات ذلك هي وحدة الصف الكردي , وتلاحم أبنائه – جماهيره وحراكه السياسي .
وعليه فإننا في الحزب الديمقراطي الكردي في سوريا ( البارتي ) ندعو المجلسين الكرديين في سوريا ( المجلس الوطني الكردي ومجلس الشعب في غرب كردستان ) , وكذلك نهيب بكافة القوى الكردستانية الفاعلة على الساحة السورية , بأن يعمل المجلسان فوراً على تفعيل اتفاقية أربيل الموقعة بينهما , وخاصةً فيما يتعلق بالأمور السياسية والعسكرية .
والعمل على إدارة المناطق الكردية بشتى الطرق وبآلية مشتركة متفق عليها وجعل ذلك بمثابة الأمر الواقع للمرحلة القادمة على البـلاد , ومراجعة علاقة كلا المجلسين مع الائتلاف وهيئة التنسيق والعمل على تشكيل كتلة كردية قوية لتكون الرقم الصعب الذي ليس بمقدور أية معاهدات مستقبلية أن تتجاهل وجوده .
* لسان حال اللجنة المركزية للحزب الديمقراطي الكردي في سوريا (البارتي) – العدد (473)
لقراءة مواد العدد انقر هنا dengekurd473