وإعادة العلاقة بين داعش و أرومته الإرهابية “القاعدة” ليس بدعة من قبل أحد -والبدعة مدعاة تكفير لدى هؤلاء- وإنما من يقرأ الموقع الإلكتروني للجماعة، وهو مرتبط بالشبكة العنكبوتية التي تراقب حركاتها بعض الدول الكبرى التي تراقب دقات قلوب الناس، ومكالماتهم الهاتفية، و ما يجري في غرف نومهم، ومطابخهم، وحافلاتهم، وحفلاتهم، يجد أن تنظيم داعش يتحدث بصراحة عن علاقة النسب الإرهابي، هذا، ويراه قدوة له، وما على المقتدي -هنا- إلا الحلم بأن يكون وفياً في السير على درب المقتدى، بل وتجاوزه، أنى استطاع إلى ذلك ذبحاً و فظاعات ودماراً.
يحتاج الباحث في شؤون انتهاكات داعش، للاستعانة، بشبكة من الراصدين لما يجري من انتهاكات رهيبة في معسكراتهم التي يتولى أمراء، جهلة، كفرة بحق الله، والإنسان، أمر تعذيب من يقع في شبكاتهم، حيث ما أسهل أن يستعرض أحد هؤلاء قوة سكينه في نحر أمرئ، من الوريد إلى الوريد، لمجرد أنه يخطأ في معرفة أعداد ركعات الصلوات الخمس، ولعل كثيرين منهم، لم يعرفوها، قبل تجنيدهم، في خلايا الإرهاب، وقيامهم بهذه المهمة البغيضة، وعلى النقيض من ذلك كله فإنهم لا يوفرون رجال الدين العلماء، بل إنهم قتلوا بضعة عشر رجل دين في نينوى، لأنهم لم يبايعوهم، وراحوا يدمرون بعض الكنائس، في الموصل، كما أساؤوا لكنائس الرقة، وكل هذا قد يبدو عادياً، أمام إعلان هؤلاء الكفرة، المهابيل، عن محاسبة كل من لا يقدم غير المتزوجات لأخيها المجاهد، كما حدث في الموصل التي تم فيها ذبح رجال أكثر من بيت، من أجل إنجاح سلاسة اغتصاب حراته، أو ذبح عدد من المسيحيات بسبب عدم وضعهن “الحجاب”، أو اختطاف أعداد من طلبة العلم، ممن أكثرهم دون سن الخامسة عشر من أعمارهم، لمجرد أنهم كرد، ولن نتحدث عن عمليات السطو على البنوك، أو بيوت الناس، أو تهديد الآمنين، أو القيام بأعمال انتحارية بين المدنيين، أو التجرؤ بنسف، وتدمير، وتحطيم،مقابر بعض من خدموا الإسلام، وحرق عظامهم، كما وجدنا ذلك في عدد من الأمكنة التي مرَّ بها هؤلاء الديوثون.
أدوات إحراق المنطقة، استكملت، تماماً، واستطاع من يحركون الدمى، في المسرح – وهم من تصامموا وتعاموا من أجل استمرار نظام الأسد في تدمير سوريا وإبادة السوريين- إيصال الأمور إلى هذا المنزلق الخطير، بل الهاوية، وهنا، فنحن أمام “لعنة سورية”، من دون أن يعلم هؤلاء أنه لن ينجو منها أحد. حيث أن دماء الضحايا الأبرياء، ما كانت لتسيل منذ آذار2011 وحتى الآن، لولا أن هناك تواطؤاً أممياً، سواء من لدن من هم علنيو “الفيتوات” أو من قبل الصامتين على استمرارها، وهنا، فإن اسم أوباما، لن يذكره التاريخ السوري كأحد المتخاذلين، المساومين على دماء أبنائه، بل كأحد الشركاء الفعليين، لكل ما تم، ويتم، وهو ما ينسحب على اللاعبين الدوليين او الإقليميين، صغاراً وكباراً، في آن.
وربّ متشفّ، قائل: أيها السوريون، انظروا إلى المصير الذي وصلتم إليه، وهو موقف ينطوي على مكر مبطن، أو علني، لأنه يزكي السفاح الأسد، متعامياً عن مجازره المفتوحة، بحق السوريين، وكأن هؤلاء اليآجيج والمآجيج، بل ومن شابهوهم، من الظلاميين السابقين عليهم، والموازين معهم، لم ينبثقوا من دماغه، ولم يكن هو حاضنتهم الأولى، حيث بين أيدي متابعي حراك الثورة السورية آلاف الأدلة الدامغة التي تبين أن هؤلاء المرتزقة، الأفاقين، لم يكونوا أكثرا من آزروا عصابة الأسد، وعملوا على اختراق الثورة، وتشويه صورتها، بل وحاربوا من يمثلون الثورة في وجهها الصحيح، ووجهتها الصحيحة، كي تبدو منحرفة عن مسارها الذي خططه لها شباب الثورة في المدن السورية كافة.
أمام غزو علوج داعش، وفلوله، بعض المدن والقرى، في دولتين متجاورتين، هما: العر اق وسوريا، دون أن يترددوا في الإعلان عن رغبتهم في توسيع دائرة رقعتهم، – كما حدث مع تهديدهم الأردن- فإن هؤلاء لايفتؤون يعلنون عن نواياهم في “بعث” الخلافة الإسلامية، دون أن يضعوا في عين الاعتبار الفاصل الزمني بين لحظتهم وأخيولتهم المرجعية، بل ودون إيلاء أية أهمية للتحولات التي استجابت لها “نسخة الإسلام المتماشي مع عجلة الزمن”، بل دون أن يكونوا -في الأصل- مهيئين، ليكونوا حملة الإسلام، نظراً لجهلهم، وعيش من هم في أفضل الأحوال من عداد أساتيذهم في سراب الماضي، الوحشي، ما قبل الجاهلي. بل إن عبارة ” داعش ترحب بكم” والتي انطلق منها عنوان هذا المقال، تأتي مواربة لعبارة، أخرى، تترجم، واقعاً، وهي” داعش في انتظار رؤوسكم”، أو “رقابكم” لجزها، أو نسائكم” لمناكحتها “جهادياً”، وهو أعظم انتهاك لإنسانيتنا جميعاً، رغم كل ما يبدو من خلاف بيننا، هنا أوهناك.
ولمن يستغرب من مثل هذا القول، عليه أن يقرأ المنشور الذي وزعه داعش في مدينة “قامشلي” قبل أيام، ومر بشكل سلس، كما كل الجرائم التي تتم في سوريا، رغم ما في هذا البيان من تهديد ب”الإبادة” للكرد والمسيحيين الكفرة، وحض على السطو على ممتلكاتهم، وسبي نسائهم، ونحن على بعد مسافات زمنية طويلة من ثقافة الغزوات القبيحة، وكأن هناك من يريد الإجهاز على صورة الإسلام من جهة، بفك أواخر عراه، بل تشويه صورته، أمام ديمقراطية الغرب، وهو أحد أشكال التآمر على الإسلام نفسه، ناهيك عن رائحة الحقد الطائفي، الديني، بل والشوفيني لما يتضمنه من حض بغيض للانتقام من الكرد حملة رسالة الإسلام، وحملته، وأصحاب الفضل في حمايته، وبقائه حتى الآن، ليكونوا أول الضحايا على أيدي جيرانهم المسلمين.
كما أننا قد نجد من يعول على داعش، لداع كيدي، ثأري، من سواه ممن آلت إليه دفة الحكم، بعد أن كانت حكراً عليه، فحسب، وهو -بهذا- يمارس فعل مشاركة داعش في أحطِّ نمط سلوكي، مهما كانت دوافعه إلى ذلك، وهي دوافع لا علاقة لها ب”الثورة” على المستبد، المستنسخ عنه، بل لجعل داعش معبراً لإعادة استنساخ استبدادي جديد، مهما كان ثمن ذلك من كوارث، وخراب، وويلات، بل ولا خلاف بينه، ومن يسقط في فخ داعش، ليكون “حاضنته” في هذه الرقعة الجغرافية، أو تلك، من أجل مكاسب آنية، وهو سلوك ينجم عن هاتيك البطانة التي كان يسخرها لخدمة خططه السفاح بنسخته السورية، الموروثة أباً عن ابن، أو العراقية في أنموذجيها الصدامي والمالكي، وهما وجها ن لعملة واحدة.
ثمة مسؤولية أخلاقية وقانونية كونية تبدو، الآن، أمام استشراء هذا الوباء الداعشي، ما يدعو العالم كله للتحرك، لأن استمرار هذه العصابات القذرة في مسرح المنطقة، وهم يعيثون تجهيلاً، وفاحشة، وهتكاً للحرمات، وزهقاً للأرواح البريئة، لأنهم لا يمكن أن يتحركوا من دون أن يكون هناك من يسندهم، أو يخطط لهم، إقليمياً، وعربياً، وإسلامياً، ودولياً، لذلك فإنه لمن الضروري أن يكون أحرار العمارة الواحدة، في حالة استنفار قصوى، ولابد من اكتمال عدة المواجهة الجادة، لوضع حد لهذه الزوابع الظلامية التي باتت تدوي في أكثر من خيط سير، كي تكون حكمة العقل، مع مهارة الإعلام، مع استخدام كل ما يلزم من تقانات، وأدوات مواجهة، و إلا فإن على أمريكا-وهي إحدى هذه الجهات- أن تعلن عن استقالتها في قيادة العالم،لأن الكرة الأرضية قد غدت-الآن- على حافة السقوط في مصير مأساوي.
*”حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِنْ دُونِهِمَا قَوْمًا لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلًا ، قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا ، قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا”.
سورة الكهف