وبما أن المرحلة التي تختبرنا ونجتازها بشيء من مخاضات الحراك، سواء الداخلي منه أو الخارجي، تستدعي منا جمعياً إعادة النظر في مجمل سياساتنا، البرامجية منها أو شكل التفاعل مع المتغيرات وكذلك مع الآخر، ولكوننا كحركة سياسية تهدف إلى تحقيق الهوية الكردية ضمن استحقاقات المستقبل، فإن المهام الملقاة على عاتقنا ضمن صيرورة تداعيات مشاريع التغيير، وكذلك ضمن توازنات القوى والأنظمة الإقليمية، تستدعي منا – بالضرورة – القيام بترتيب الأجواء داخل البيت الكردي، والانطلاق إلى رسم السياسة الكردية من زاوية المصلحة القومية، وإن كنا ندرك خصوصية كل جزء، والأسلوب النضالي الذي تمارسه القوى السياسية الكردية، وكذلك حجم المطالب بالنظر إلى وضع وخصوصية كل جزء، بمعنى آخر؛ ينبغي أن ندفن عقلية التنافر أو ذهنية الاقصاء بين القوى والتيارات الكردية، ونلتفت جمعياً إلى حيث حجم المخاطر والمؤامرات التي تحاك ضد هويتنا ووجودنا وخيارتنا المستقبلية ..
ولعل قضية اعتقال السيد عبالله أوجلان زعيم حزب العمال الكردستاني، ومن ثم تسميمه في معتقله، تصب هي الأخرى في خانة المشاريع التي تستهدف القضية الكردية، إلى جانب كونها عملية خلط في الأوراق تضاف إلى مجمل الاحتقانات التي ترافق مسارات التغيير في المنطقة، وخاصة ما يحصل في العراق، ومحاولة الأنظمة الإقليمية الانقضاض – وبشتى السبل والوسائل – على التجربة الكردية في إقليم كردستان، وهي ورقة أخرى تستعملها النظام التركي، بعد أن دفعت بالورقة التركمانية في كركوك إلى طاولة اللعبة، في سبيل البحث عن بعض المكتسبات السياسية ضمن التوازنات الإقليمية ..
فالنظام التركي، ونظراً لوضع الحال الذي هو فيه، وما يتعرض له من ضغوطات دولية، سواء فيما يتعلق بمسألة الديمقراطية وحقوق الإنسان، أو فيما يتعلق بالقضية الكردية وسبل حلها، يحاول أن يدفع بالمزيد من الأوراق على طاولة المقايضة، فهو مرةً يهدد التجربة الكردية في العراق الفيدرالي تحت مسيمات شتى، منها إيواء الإقليم لثوار حزب العمال الكردستاني، ومرةً أخرى يتحالف مع الأنظمة المقسمة لكردستان بغية الوقوف في وجه التجربة الكردية من التجذر والانتشار، وإن كنا ندرك تمام الإدراك، بأن الغاية من وراء هذه اللعبة هو البحث عن ضمانات دولية تطمأنها بأن القضية الكردية في تركيا هي قضية داخلية، وأن لتركيا نصيبها في الكعكة العراقية، إلى جانب أنها – تركيا – ستشكل قوة إقليمية وموضع الاعتماد ضمن مشاريع التغيير في المنطقة ..
واللافت للنظر بأن إقدام تركيا على مثل هكذا خطوات، ومنها تسميم السيد أوجلان، إنما هي قراءة مستوحاة من الواقع السياسي الذي كان يعانيه الوضع الكردي؛ حيث الفرقة وحالات الاحتراب، وكذلك من الاصطفافات الإقليمية حيال التجربة الكردية في العراق، وبالتالي فهي تحاول جاهداً اللعب – من جديد – بالورقة الكردية عبر قضية السيد أوجلان، علها تتمكن من اختلاق بعض الاصطفافات داخل الوضع الكردي، وبالتالي عزل القضية الكردية في تركيا عن محيطه القومي، دون أن تدرك بأن تلك المسافات التي زرعتها المخططات الإقليمية بين القوى الكردية، قد تقلصت بحكم الوعي القومي الذي بدأ بالتبلور لدى الشارع الكردي، هذا الشارع الذي يمتلك القدرة في أن يرتب أولوياته حسب قراءته لمفردات الوضع السياسي العام، وبما يخدم مصلحته القومية ..