لا يمكن للقاتل الذي تصل به الحال إلى هذه الدرجة أن تكون له قضية يدافع عنها، بل هو من تصح فيه مقولة أنه”بندقية للإيجار” تتحرك بحسب رغبة من يدفع لصاحبها أكثر، لاسيما أن صاحبها-هذا- يظهر شرها تجاه المال، فهو قد يستلم المال من جهات متناقضة، في الوقت نفسه، وينفذ أجندات كلها ضد بعضها بعضاً، وهذا ما جعله بمثابة”مشجب” يعلق عليه هؤلاء المتناقضون جرائمهم، فالنظام يترك ولاية الرقة، ليؤكد للسوريين، وللعالم، مقولة: إن لم أكن أنا فسيكون حالكم هكذا، وهو قادر أن يمحو تنظيماً هشاً كداعش خلال نصف ساعة، لأن لا جذور له في المنطقة، ولا عمق شعبياً، معتبراً له، وإن كنا نجد هؤلاء البعثيين الذين طالما كانوا وقود النظام السوري، وأداته التي اعتمدها لتكريس نفوذه، بات يشكل حاضنته، في بعض الأرياف الفقيرة، بعيد فشل المجلس الوطني السوري والائتلاف من الوصول إلى تلك المناطق، والتحكم بتأسيس جيش حر واحد، بعكس ما راحت تفعله بعض الكيانات التي شكلته وهي تحرف بوصلة هذا الجيش، عبر تحويل قطاعات واسعة إلى مرتزقة، بوساطة المال السياسي، بل من خلال رأسملة هذه المؤسسة الافتراضية، وهو ما فتح المجال للمغالاة في تسجيل التناحر، عبر استعادة الفرق التي باتت تستعصي على الحصر، ما أوأد الفكرة التي سعى لها البطل حسين هرموش، ومن اتخذ خطه، لا هؤلاء الذين باتوا يهرولون إلى حصاد ثمار الثورة، على حساب التفكير والعمل لإنجاحها، أومن ينطلقون من رؤى قوموية، أو طائفية، لإلغاء الآخر، وهو ما يطابق ما اشتغل عليه النظام السوري، الذي بات يخيف من سماهم ب”الأقليات” ليوحي لهم، أنه وحده، حاميهم الأعظم، ولا خلاص لهم إلا عبر الاعتصام بحبله، هذا الحبل الذي طالما كان “حبل مشنقة السوري”…!.
يظهر جلياً أن داعش لا يستهدف إسقاط النظام، فأعماله الإرهابية لا ينفذها في دمشق، حيث ما يسمى ب”القصر الجمهوري”، ورأس النظام، بل أن تتبع خريطة تمركزه، وحراكه يؤكد أنه-حقاً- وكما قيل عنه، مستقدم، لإطالة عمر النظام، بل أنه قدم هذا النظام في أنظار بعض البؤر الغربية المتحكمة بقيادة العالم على أنه أبو العلمانية، وعدو الإرهاب الأول، وهو ماسوغ لمراكز القرار العالمي في الاستمرار في تجاهل نكبة الشعب السوري، هذه النكبة التي يمكننا-الآن- اعتبار أن الأرضية التي انطلق منها المجلس الوطني السوري-بالحضور المكثف للإسلاميين-وتبعية من هم محسوبون على العلمانية لهؤلاء، بل لفتح المجال أمام من هم مستنسخون مع النظام في الموقف من الكرد، ما ترتب على هذا بالتالي من ردود فعل، كل ذلك أدى النظر إليه شزراً من قبل العالم، لتصل سوريا إلى هذا الوضع الكارثي الأليم.
ليس بخاف على أحد، أن داعش من عداد تلك القوى المصطنعة التي لا يمكن لها أن تستمر، لعدم تكونه في المختبر الطبيعي، وبهذا فإن تمكن هذه القوة من التحرك على خط “الرقة- دير الزور-الموصل”، وتمركزه في نقاط محددة في منطقة الجزيرة، وإصداره البيانات، بل حديث بعض ممثليه عن”ولايتهم الثالثة” بل وتهديد بلدان مجاورة، كما الأردن إلخ، وقبل كل ذلك توافر عتاده، وسلاحه، وذخائره، وأمواله، جميعها نقاط تدعو خبراء العالم لتشخيص من هم وراءهم، وتحديد أسمائهم، رغم أنه لمن الواضح أن بلدان عربية إسلامية، ناهيك عن دول كبرى هم داخلون في لعبة خلقه، وانتعاشه، واستشراسه.
تعويل أيتام الطاغية المقبور صدام حسين، ممثلين بعزت الدوري، بل بمن ينعتون بالنقشبنديين، أو رابطة العلماء إلخ، على داعش، وتسويغ هروب الجيش العراقي من مواجهة المعركة معه، على أن هؤلاء الفارين متعاطفون مع”الثورة الشعبية” بل وهرولة جهات ما، تطالب بحرية بلدانها، كما المجلس الوطني السوري، بالتبريك لهؤلاء الحثالات، انطلاقاً من موقف طائفي، أو كرد فعل على غل وغباء نوري المالكي الذي لا يصلح حتى لقيادة زريبة أبقار، في الوقت الذي يمكن أن يتم تفهم أسئلة من هم سنة العراق، من دون اعتبار أبي عدي رمزاً لهم، و هو نفسه، من أوصل المنطقة إلى هذا الواقع الأليم، بالتوازي مع النظام الأسدي، بنسختي: الأب والابن.
يجب الاعتراف، أن هناك مليون عراقيا، كان في سلك الجيش، والأمن، وقيادات البعث، وقدتم تسريح هؤلاء من قبل بول بريمر مع سقوط بغداد2003، وهؤلاء أرض خصبة لاستغلالهم، لاسيما بسبب ظروف التهميش، والإهمال، والحاجة، كما أن أمثالهم في الطرف السوري، باتوا فريسة للمال الهالك، وليس السياسي-فقط- الذي بات يوزع بطريقة تدفع من يناله، ذات مرة، للتطلع صوب شار لذمته، ولحياته، في ظل الشراهة، أو الفاقة، ما يدعو أية واجهة معارضة سورية، لقراءة الخريطة جيداً، بدلاً عن التفكير بخرائط الفنادق والسياحة واستلام مهمات الحكومة الافتراضية، لاسيما بعد دخول من كانوا، في الضفة الأخرى، من هذه الحكومة، إلى وقت قريب…!
ما يخشى من الخط البياني الذي يسلكه داعش، لا ينحصر في الانتهاكات، بل الجرائم التي يتركها وراءه، فحسب، وإنما في ما يخلفه من أضغان في نفوس أبناء المنطقة- برمتها-كاستكمال، أو تطبيق، عالي الفعالية، لما حفرت في مجاله الأنظمة الدكتاتورية عبر عقود، وهو أمر في منتهى الخطورة، لابد من الانتباه إليه، في ضوء اعتبار أن شعوب المنطقة-وبغض النظر عن سوء التوزيع السايكسبيكي- استطاعت أن توشج علاقاتها، بين بعضها بعضاً، معتبرة أن كل المظالم التي تتم، إنما هي محصلة، ونتاج، لسلوك الأنظمة التي تدير بلدان المنطقة. بيد أن ما يجري الآن، هو نشر فيروس الضغينة، في الاتجاهات كلها، بحيث لا يسلم منها بيت، أو شارع، أوحي، أو مدينة، بعد أن تم استئصال رابط الثقة المتبادلة بين الناس، وبات كل مطلوباً من قبل كلهم، وهي أخطر ملامح المرحلة التي عادات بالحضارة وحالة الوعي اللتين يفترض أننا قاربناهما إلى مرحلة ما قبل الغابية..
ما يجري الآن، من تهديد داعشي لمنطقة الشرق الأوسط-عموماً- خطر محدق بالعالم، بأسره، و هوما يمكن استشفافه من خلال استقراء الدرس القاعدي، بعد أن تمرد أسامة ابن لادن على صانع “ريمونت كونتروله “الأمريكي، تحت ضغط حاجة مرحلة “الحرب الباردة” ضد الاتحاد السوفيتي، كي يصبح برجا مبنى التجارة العالمي في 11 أيلول 2001-وهي هنا مجرد رمز لجبروتها- ضمن دائرة استهداف القاعدة، إلى الدرجة التي لا يمكن الإشارة إلى أية لوثة إرهاب، دون استعادتها إلى هذا الجزر. هذه الوقائع لابد من إيلائها الأهمية من قبل الغرب، للتحرك، في المجالات، كافة، لوضع حد له، لأن أسباب انفجار المنطقة قد استكملت، وهي لابد ستصيب الكرة الأرضية، برمتها، بشرورها، وأذاها.
ومن هنا، فإن تضافر الجهود-عالمياً-مطلوب، الآن، وبأعلى وتيرة، لاسيما أن مساحة الوباء السرطاني الداعشي، لما تزل محدودة، وإن مواجهة هذا الوباء الفتاك، مهمة العالم، بأسره، في هذا الوقت الذي تتخلف الأسرة الدولية، أو تتصامم، عن تنفيذ مهماتها، بما يؤكد ضلوعها، على نحو مباشر، في ما يجري، وإن كانت أية حسابات، من قبل أية جهة دولية، في التعويل على عنصر الإرهاب إنما هو مدمر ليس لرؤيته، بل لوجوده، وهو ما يمكن أن يقع في شركه الصغار ا لذين هللوا، مع مجرد احتلال الموصل، ليوهموا العالم أن ما يتم “ثورة” شعبية، منطلقين من مقولة”علي وعلى أعدائي” التي تدل على عقلية المغامر الطائش، لا صاحب القضية الثائر.
*صحفي كردي من سوريا