دماء في الطريق.. 1- الداعشية أعلى مراحل الإرهاب

ابراهيم محمود

الداعشية عبّارة مكثفة للاصطلاح الدال على ما يجري تحت راية دينية ” إسلامية “، جهة التطرف الأقصوي. لا نظير أو نظيرة للداعشية إلا الداعشية نفسها .

 ربما أمكن النظر في هذا الشعار الذي يريده الداعشي مقروءاً وملفوظاً ومتردداً على الشفاه ” دولة العراق والشام “، لكن مفردة ” داعش ” في الاعتبار الداعشي إهانة للمنتمي إلى ” الدولة ” المنشودة، لهذا كان العقاب بالجلْد على من يختزل العبارة الجغرافية المسيسة. لكن الإرهاب في نسخته الدينية المتأسلمة، وكونه يمارس تشويهاً لكل هو قائم، بدت وتبدو مفردة ” داعش ” العصية على التفسير، وكأنها المسخ المهدّد للأحياء جميعاً. فالداعشي مسجَّل ضمن خانة تأريخية: بالأمس كان إنساناً، واليوم هو مسخ دموي، غير عابىء بمصيره غداً .
يمكن للداعشية أن تتجاوز كل الحدود. حدود داعش حيث تقف داعش، إنما حدودها” جمع : حد “في المعاملة، ربما لا يعرفها حتى الداعشي نفسه في تطبيقها على من حوله، إذ يمكن إزهاق روح أي كان من خلال حركة بسيطة، ، أو زلة لسان ، أو شبهة عارضة. فالمحيطون بداعش منذورون للموت دون استثناء، إنما بطرق يقررها الداعشي، دون وجود نص يحتَكم إليه. نعم، صحيح أن لداعش مرجعية دينية ” شريعة مسماة “، لكن المتقدم الداعشي يطيح بكل شيء، فهو الحكم الفصل، وهو في جمعه بين الأكثر قِدَماً في القتل: سكين أو ما شابه لفصل الرأس عن الجسم، وهنا يحضر سلف ما، والأكثر حداثة: المسدس أو شبيهه، وهي الحداثة الوحيدة التي تصله بمن هو مرفوض لديه، وآثم وكافر” صانع هذا السلاح “، لكنها حداثة تقوده إلى العدَم.
إنه موجَّه بمرجعية مغيبة، بشخص معين يخوله في أن ينفذ أهواءه في أيٍّ كان شريطة أن يبقى في ذمته ” تحت تصرفه”. في العرف الداعشي لا يوجد عرف أو تقليد، لأن معرفة أي منهما تجعل الشخص في صورة من يتعامل معه ويعرف كيفية التصرف أحياناً، والحادث هو أن الداعشي محكمة متنقلة، هو السلطات الثلاث، رغم أنه مأجور ومأمور في الوقت نفسه بشكل ما، سوى أن الإرهاب الذي بات يعرَف به تخطى كل حدود الإرهاب المعلومة .
إن مجرد تهجئة ” داعش ” كافية لبث الرعب في نفوس الكثيرين . حيث لم يعد لدينا قتل مألوف ” قتل معين ” إنما ثمة الترهيب والتشويه ” فصل الرأس عن الجسم ” وما في ذلك من ارتباط بسلف مضت عليه قرون وقرون، سلف يرتبط بعبادة الأرواحية بطريقة ما . حيث عملية الفصل للرأس تعني أن ليس من الممكن الوصل بينه وبين جسمه، أن الذي أعدِم بهذا الشكل قد جرّد من كامل انسانيته وأهليته الماورائية في العودة منبعثاً، وخصوصاً حين يطاح برأسه بعيداً، أو يتحول إلى مقام كرَة متقاذَف بها هنا وهناك كما هو معروف، فلا مجال هنا لعودة روح المقضي عليه هكذا، من شبح يخرج من قبره أو يكون عند هامته ويتهدد الأحياء أو القاتل أحياناً. الداعشية مرعوبة من الموت الطبيعي والقتل الطبيعي، لهذا لا تدخر جهداً في ” ابتكار ” الطرق أو السبل التي تمعن في الإرهاب وكيفية تشويه أجساد الضحايا ” وكل حي مشروع ضحية ” .
سيقال، كما يقال راهناً، أن الداعشية ليست وليدة اللحظة أو دون مقدمات. هذه بداهة! إذ يمكن القول أنها قد تكون إسهاماً عالمياً من وجوه عدة، أن لكل جهة كوكبية سهماً أو بصمة في منح الداعشية هذا البروز الإرهابي المريع، كما في حال من ينتشي لمرأى ” عدو- خصم ” تاريخي له يودى به داعشياً، ناسياً أو متناسياً أنه هو الآخر قد يلقى المصير ذاته، وأن المتفرّج اليوم ربما يتفرَّج عليه بالصوت والصورة غداً. الداعشية في تجليها تظهر نظيرة نفسها. بحركتها وسوادها وتغليب الفعل على القول، كما لو أن الداعشي معمول رابوطياً، من خلال آلة تتحرك من خلال مجموعة مختصرة جداً من ” الفرمانات ” كافية لإرعاب من حوله حتى في جهات نائية جداً، طالما أن الداعشية تلغي الحدود، وتعتبر كل الجهات مسارح لها، لهذا تتنقل من خلال ألسنة ووجوه مختلفة، لتكون الهجين اللافت، الهجين المخرّج لمسخ استثنائي، كما هو ملحوظ إعلامياً أو من خلال شهود عيان يخفون التلفظ بأسمائهم وهم يشيرون إليها .
الداعشية تترجم أرواحاً معذَّبة بنفوس حملَتها، بعنفها المتراكم المعبَّر بهذه الهمجية الدالة على شفافية القتل الفظيع، والكائنية المدمرة للطبيعة وللحياة ولما هو إنسان. حيث إنها، كما يظهر لا تتعامل مع المرايا، فمن شأنها مواجهة الداعشي بهيئته. المرأة وثنية وأثيمة، وما يهم الداعشي كيف يمعن النظر في ضحيته، في من حوله وهو يقضي عليه ..
لكن الدماء التي تريقها الداعشية بميزتها الكبرى في الإرهاب، أي وهي أعلى درجات الإرهاب راهناً، تحفّز آخرين إلى اتخاذ ما يجب اعتماده لردع الداعشية هذه لزوماً، حتى من قبل الذين راهنوا عليها حتى الأمس القريب، وربما حتى الآن، ليكتشفوا، وقد اكتشف البعض منهم أنها لا تدخل في عقد شراكة مع أحد، فهي ” فوق الجميع ” فردوسهم وجحيمهم الاعتباريان..إن الثناء الوحيد الذي يمكن أن تكيله لطرف أو شخص ما، هو أن تؤجل قتله، أو تهمله لبعض الوقت، وتستدرجه في خانة ” قتلها الخاص ” عاجلاً لا آجلاً، وهذا يتطلب من كل الذي تلمسوا في الداعشية معبراً ما لها لتحقيق غايات معينة لهم” انتقامات محددة “، كما الحال في العراق اليوم، وفي الموصل تحديداً بدايةً، دون نسيان القتل المتنوع في الجانب المقابل: سورياً، ومن ثم فوجئوا بأنها لا تستجيب إلا لرغباتها وتحنث بكل وعد، يتطلب الجاري تحالفاً كوكبياً، وتحدياً حازماً، لمواجهة هذا الوباء المهدد للبشرية جمعاء.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…