المحامي عبد الرحمن نجار
لايفيد الندم بعد فوات الأوان. ولكن الشفافية والعمل الجاد وحده يمكن إعادة الوضع الكوردي في كوردستان سوريا إلى السياق المطلوب. فمنذ عشرات السنين حاولنا وعملنا نحن المحامون والمثقفون الأحرار الكورد، إنهاء حالة التشرذم والتشتت فية الشارع الكوردي وإعادة ترتيب البيت الكوردي المتصدع. ولكن لم تصغ قيادات الأحزاب الكوردية إلى نداء وصوت الشارع الكوردي وأستمروا في سياساتهم الشمولية والفوقية والإقصائية، ومضوا في إسترخائهم وركودهم السياسي. والإلتزام بالخط الأحمر الذي رسمه لهم أمن النظام السوري. وعمدوا على إبعاد المخلصين والكفوئين عن صفوف الحركة الكوردية وأستبدلوهم بالمريدين الإنتهازيين والمدجنين.
وبقيت الساحة الكوردية في سوريا ساحة مفتوحة سهلت للنظام بإقحام حزب العمال الكوردستاني (PKK) في ساحة كوردستان سوريا وأقدم هذا الأخير بالسطو على عقول البسطاء والعاطفيين الكورد بشعارهم السامي الكبير ( توحيد وتحرير كوردستان ) الذي يتوافق مع الطموح القومي لأبناء الشعب الكوردي ورغباته. وجندوا الآلاف من بناتنا وشبابنا وأطفالنا القصر في الكوريلا حيث سحبوا معظمهم من مدارسهم ، وبتشجيع ودعم من المخابرات السورية. وسقط مئات الشهداء من كورد سوريا. وتم ربط شعبنا بهم بدماء أولادنا. وكان هذا فخاً مبرمجاً من الأنظمة الغاصبة لكوردستان. حيث أنه أصبح من الصعب تخليص شعبنا من براثنهم. وحيث أنه تعرض للإغتيال كل من كشف علاقاتهم المشبوهة مع الأنظمة الغاصبة لكوردستان وعن مخططهم لضرب الحركات الكوردستانية الموجودة وإجهاض القضية الكوردية التي أخذت بعداً ودعماً دوليين، والإغتيالات كانت تتم بمساعدة مخابرات الأنظمة الغاصبة لكوردستان. ولقد أكد أوجلان على ذلك في كتابه (سبعة أيام مع القائد آبو) وفي عدة محافل. وأقدموا على تأجيج الصراع الدموي مع القوى الكوردستانية في كل أجزاء كوردستان .ولكن في عام /1989/ قام النظام السوري بطرد أوجلان من سوريا وتسليمه للنظام التركي. ولكن لم يدع هذه الورقة أن تفلت من يده فأوعز لأوجلان قبل رحيله بأن يسلم أنصاره في سوريا لأحد أزلام النظام وهو (مروان زركي). وفعلاً نفذ الطلب وشكل زركي منهم إطار باسم التجمع الديمقراطي ولعدم تمكنه من التفعيل في الشارع الكوردي أقدم الأمن السوري على حله، وفيما بعد تشكل حزب الاتحاد الديمقراطي(PYD) على أنقاضه. وحيث أقام النظام السوري علاقات وطيدة مع تركيا على أثرها تم حظر نشاط هذا الحزب في سوريا وأعتقلت المخابرات السورية الكثير من كوادر (PKK) وسلمت البعض لتركيا وأنكسرت شوكته. ومع ذلك لم تستفق الأحزاب الكوردية من ثباتها. وبعد سقوط الطاغية صدام حسين وحصول الكورد على الفيدرالية القومية في العراق، مما أثار حفيظة النظام السوري وشدد الخناق على الشعب الكوردي في سوريا وأقدم على إفتعال فتنة في ملعب الرياضة بقامشلو وقتل عدد من أطفال وشباب الكورد بدم بارد. مما أثار غضب الشعب الكوردي واندلعت الإنتفاضة العارمة ضد ممارسات النظام البعثي الظالم، وعمت كافة مناطق تواجد الشعب الكوردي في سوريا وسقط على أثره العشرات من الشهداء والجرحى وأعتقل المئات وكسر حاجز الخوف المخيم على الشعب السوري. مما أرغم النظام على طلب المفاوضات من الكورد لحل هذه الأزمة ولكن عن طريق المخابرات فقبل بها قيادات الأحزاب الكوردية. وخاضها دون إستثمارها لنزع حقوق للشعب الكوردي بل على العكس كان أداؤه سلبياً للغاية، حيث أذعنت لإيعازات الأمن السوري ووقف الإنتفاضة دون أي مقابل. وفي تلك الظروف العصيبة أستوجب علينا نحن المحامون والمثقفون الكورد الأحرار، المهتمون بشؤون ومعاناة شعبنا الكوردي القيام بعمل ما لتوحيد الخطاب الكوردي السياسي وتوحيد الصف الكوردي لمواجهة المرحلة القادمة. فأعددنا مشروعاً ( رؤية ) سياسية وقانونية ودستورية واضحة وفق مبادئ القانون الدولي العام وميثاق الأمم المتحدة. وأجرينا ندوات للمحامين الكورد والمثقفين وطلبة الجامعات في حلب وعفرين وكوباني وعامودة، ولقاءات وندوات مشتركة مع الأحزاب الكوردية لحثهم على ضرورة إقامة مؤتمر كوردي عام وتوحيد الصف الكوردي والإلتفاف حول برنامج سياسي موحد لمواجهة المرحلة القادمة مرحلة التغيير التي تأكدت من قدومها، بعد إنهيار الإتحاد السوفيتي وإنهاء الحرب الباردة وتوجه العالم نحو الأنسنة وإندلاع ثورات ربيع التغيير في أوربا الشرقية وسقوط الديكتاتوريات واحدة تلوى الأخرى ووصول رياحها إلى منطقة الشرق الأوسط وسقوط النظام الديكتاتوري في العراق. ولكن لاحياة لمن تنادي وتهربت قيادات الحركة الكوردية من إستحقاقات المرحلة رغم تتالي سقوط الأنظمة الشمولية في المنطقة واحداً تلوى الآخر.
وبعد إندلاع الثورة السلمية في سوريا في 15/3/2011 وانخراط الشعب الكوردي فيها. فلم تأخذ الأحزاب الكوردية أي قرار وكان للبعض دورهاً سلبياً. وأستطاع النظام أن يجر الثورة الى الصراع المسلح باستعماله القوة العسكرية المفرطة ضد المتظاهرين والحاضنة المدنية لهم وأدى إلى إنشقاق الشرفاء من الضباط والصف الضباط والجنود وتشكيل الجيش السوري الحر لحماية المتظاهرين والمدنيين ولإسقاط النظام القاتل. مما أجبر النظام تحت ضربات الجيش الحر من الإنسحاب من بعض المناطق والأرياف والمدن، واستنجد بأوراقه القديمة من السلفيين التكفيريين الإرهابيين، وبعقد إتفاقية مع حزب العمال الكوردستاني (p k k)عن طريق معلم الطائفة المذهبية في المنطقة ألنظام الملالي في إيران. وأنسحب النظام من مناطق التواجد الشعب الكوردي وتم تسليمها مع مواردها بموجب هذه الإتفاقية المشؤمة إلى(p k k) وفرعها في سوريا (p y d) مقابل قمعهه للمظاهرات السلمية وإختطاف وحجز وقتل ونفي النشطاء اللذين يشكلون خطراً على سياستهم وتجويع الشعب الكوردي لإخضاعهم وتهجيرهم وتفريغ المناطق الكوردية من السكان وإجراء عملية التغيير الديمغرافي حسب مخططهم القديم الجديد. ورغم ذلك وبعد تشكيل ما يسمى بالمجالس الكوردية (مجلس الوطني الكوردي ومجلس الشعب لغربي كوردستان) وبالشكل الحزبي والتحليلي على الشارع الكوردي والتنسقيات الثائرة مع الثورة. وعقدوا إتفاقيات هولير ومابعدها وتشكيل مايسمى (الهيئة الكوردية العليا) بإشراف حكومة أقليم كوردستان لإنهاء الخلافات بين الطرفين والإفراج عن من أختطفهم ميليشيات(p y d). ومشاركة الطرفين في إدارة المناطق الكوردية ومواردها. ولكن لم يلتزم ولم ينفذ p k k وفرعها p y d أي بند من الإتفاقات. وفرض سلطة أمر واقع من طرف واحد. والآن وبعد أن وقع الفأس بالرأس تلطم قيادات هذه الأحزاب نفسها ويدعون بأنهم يشعرون بالندم بعد فوات الآوان ولكن لم يعلنوا عن فشلهم ولم يتركوا الساحة لأهلها، رغم كل ما حدث.