محكمة الشعب في كانتون عفرين تجاهل القانون وغياب معايير العدالة

تطبيق القانون على الجميع دون أي تمييز والالتزام به من قبل الأفراد والمؤسسات٬ هو الأساس لدولة القانون وتحقيق العدالة٬ والقضاء النزيه والمستقل هو الضمان لذلك. والمناطق الكردية في سوريا هي بأمس الحاجة للعدالة الاجتماعية والقانونية أيضا٬ والإدارة الذاتية المؤقتة في المناطق الكردية التي هي سلطة الأمر الواقع والسلطة الفعلية في كردستان روجافا٬ مطالبة بالالتزام بالقانون وتطبيقه بشكل سليم.

إننا في المركز الكردي للدراسات والاستشارات القانونية-ياسا٬ كمركز قانوني٬ نرى أنه من واجبنا مراقبة الوضع القانوني وإجراءات التقاضي في المناطق التي تحكمها الإدارة الذاتية المؤقتة وتدير شؤونها٬ ومدى التزامها بالقوانين المعول بها والتي أعلنت عن الحكم بموجبها٬ ومنها قانون أصول المحاكمات ‎وقانون العقوبات السوري.
بتاريخ 29/04/2014 أصدرت محكمة الشعب في عفرين حكما في الدعوى رقم أساس 370 قرار 182 يقضي بالسجن لمدد تتراوح بين عشر سنوات وعشرين سنة على كل من: بيازيد معمو بن محمد وسيامند بريم بن ابراهيم ومحمد سعيد عيسو بن محمد ومحي الدين شيخ سيدي ومحمد حسين بن حسن٬ بعد اتهامهم في جرائم تتعلق بالإرهاب.
وقد أخذنا هذه الدعوى على سبيل المثال وليس الحصر٬ وحاولنا تسليط الضوء عليها ومراجعتها من الناحية القانونية بعد الحصول على الوثائق المتعلقة بالدعوى والحكم الصادر فيها. وقد تبين لنا أن الحكم قد شابته عيوب كثيرة تصل به إلى درجة الانعدام٬ بالإضافة إلى تجاوزات وانتهاكات لحقوق المحكوم عليهم٬ ولاسيما من حيث إجراءات التقاضي والتحقيق الأولي وانتزاع الاعترافات منهم. وبالتالي عدم تأمين محاكمة عادلة لهم٬ سيما وأن الجرم الذي اتهموا به خطير والعقوبة التي فرضت عليهم شديدة.

من حيث الإجراءات ومخالفة أصول المحاكمات:
جاء في نهايه  القرار وقبل ذكر الفقرات الحكميه٬ بأنه صدر وفق قانون العقوبات السوري وقانون أصول المحاكمات الجزائية السوري٬ وتبعا لذلك يجب اتباع الإجراءات التي حددها هذا القانون. كن وكما يتضح من حيثيات القرار٬ فإن الدعوى لم تمر بالمراحل التي يستوجبها قانون أصول المحاكمات ولم يصدر الحكم وفقه. حيث انتقلت الدعوى من النيابة إلى محكمة الجنايات مباشرة٬ دون المرور بمسارها الطبيعي الذي يفرضه قانون الأصول القاضي بانتقال الدعوى من النيابة العامة إلى قاضي التحقيق ومنه إلى قاضي الإحالة٬ وبعد اكتساب قرار الاتهام الصادر عن قاضي الإحالة للدرجة القطعية٬ تحال الدعوى إلي محكمة الجنايات التي تنظر وتفصل فيها. لكن هذه الدعوى انتقلت من النيابة إلى محكمة الجنابات مباشرة٬ وفي ذلك مخالفة جسيمة للقانون٬ تبطل الحكم.
كما ورد في متن القرار أن “النيابة العامة هي بمثابة قاضي التحقيق”! كيف تكون النيابة التي هي جهة إدعاء٬ خصما وحكما في نفس الوقت؟!! وعندما تحال الدعوى إلى محكمة
الجنايات٬ فإن المحكمة تعتمد الأدلة والدفوع التي أثيرت أمامها٬ وليس تلك التي أوردتها النيابة. والغريب أن تكون محكمة الجنايات مؤلفة من سبعة قضاة ولا يوجد قاضي تحقيق ولا قاضي إحالة!.

ضعف الأدلة التي اعتمدها القرار
بالنسبة للأدلة التي اعتمدها القرار ضعيفة جدا٬ فهي لا تتجاوز مرحلة الشك. والأحكام لا تبنى على التخمين والشك وإنما على الجزم واليقين٬ وفي حال وجود الشك فإنه يفسر لصالح المتهم وليس ضده. فقد ورد في متن القرار أنه اعتمد الأدله التاليه: ضبط الأسايش٬ ولائحة الإدعاء٬ وإدعاء المدعين. متجاهلا أقوال شهود الدفاع والتقرير الطبي المرفق. واعتبرت هيئة المحكمة الاعتراف أمام الأسايش والنيابه دليلا كافيا للإدانة٬ ولم تعتبر تراجع المتهمين عن أقوالهم أمامها دليلا مضادا وتجاهلت أقوال شهود الدفاع.

تعرض المحكوم عليهم للعنف وبطلان القرار
انتزعت أقوال المحكومين واعترافاتهم بالعنف والإكراه. فقد تم عرضهم على الخبره الطبيه بتاريخ 24/02/2014 أي بعد اعتقالهم بأكثر من سته أشهر٬ حيث آنهم اعتقالوا بتاريخ  09/09/2013٬ وهذه المدة كافية لإزاله آثار العنف الذي استخدم لانتزاع اعترافاتهم. ورغم طول المدة (6 أشهر) فقد ورد في تقرير الخبره الطبيه وجود ثلاث إصابات في جسم المحكوم عليه سيامند بريم وآلام في العص لدى محمد عيسو وعده إصابات وجروح لدى بيازيد معمو. وعندما زار المدعو صبيح عيسو السجين محمد عيسو٬ قال إنه شاهد بقعة سوداء على وجهه وكان سيره غير طبيعي. وكذلك عندما زار المحامي رشيد شعبان٬ عضو ديوان العدالة٬ السجين عيسو منع من مقابلة سيامند.
وقد ورد في أقوال شهود الدفاع بأن الموقوفين كانوا في بيوتهم أثناء الانفجار٬ فأقوال الشاهدتين مريم أحمد وفيان مصطفى تثبت وجود سيامند في منزله أثناء التفجير٬ فكيف استطاع أن يفجر القنبله عن طريق جهاز تحكم عن بعد على دراجته٬ حسبما ورد في ضبط الأسايش٬ وهو في منزله؟
والشاهدان كميران ورمزي لدى إجراء المقابله بينهما وبين المحكوم عليه بيازيد تراجع هذا عن اعترافاته وقال بأنها انتزعت منه تحت الضغط والتهديد. كما أفاد الشاهد علاء عزت بأن بيازيد كان في بيته أثناء الانفجار٬ وقد ورد في الضبط أنهم قبضوا عليه بعد ربع ساعه من الانفجار وكانت سيارته لا تزال ساخنه!.

هذا يعني بطلان الاعتراف أمام الأسايش٬ فالمواد 176-178-179  من قانون أصول المحاكمات الجزائية تبحث في صحه الضبط٬ وتوضح بأنه يمكن إثبات ما يخالف الضبط بالبينه الكتابيه أو الشخصيه٬ والحكم خالف هذه المواد والاجتهادات المستقره لمحكمه النقض في هذا المجال مثل: “الاعتر ف المنتزع بالإكراه أمام رجل الأمن يجب هدره” قرار28-18عام 1981 المحامون ص. 76 ٬ و”في القواعد العامه لتنظيم الضبط٬ يجب أن تكون ظروف التحقيق سليمه٬ وإلا يجب استبعاده من جمله الأدله” نقض 1882-المحامون ص 783 القاعده 441 لعام 82
وتبعا لذلك تكون المحكمه قد ارتكبت خطأ مهنيا جسيما٬ إضافه إلى مخالفتها لقانون أصول المحاكمات الجزائية وعلم الأدلة. وبذلك تكون ضبوط الأسايش سيفا مسلطا على رقاب المواطنين٬ باعتبارها دليلا كافيا لإدانتهم والحكم عليهم.

إن صدور هذا الحكم وبهذا الشكل من قبل محكمة الشعب في عفرين٬ يلقي بظلال الشك على أحكامها وقراراتها الأخرى وإمكانية صحة الإدعاءات والاتهامات الموجهة إليها بوجود دوافع سياسية وراء إدانة من يعارضون الإدارة وينتقدونها٬ وعدم توفير محاكمة قانونية لهم تتوفر فيها شروط العدالة والنزاهة.
إننا في المركز الكردي للدراسات والاستشارات القانونية – ياسا٬ ومن خلال هذا البيان حول الحكم الذي تناولناه على سبيل المثال وليس الحصر٬ نتوجه إلى سلطة الإدارة الذاتية المؤقتة في المناطق الكردية آملين أن تعيد النظر في قراراتها وأحكامها والأساليب التي تعتمدها دون مراعاة معايير العدالة ودولة القانون. وأن تتعاون وتتواصل مع المنظمات الحقوقية المحلية والدولية وتأخذ انتقادات ومواقف وآراء تلك المنظمات على محمل الجد وتستفيد منها في تطوير الإدارة والتأسيس لدولة القانون والحكم الرشيد واحترام وحماية حقوق الانسان.

المركز الكردي للدراسات والاستشارات القانونية – ياسا

المانيا: 30.05.2014

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…

اننا في الفيدرالية السورية لحقوق الانسان والمنظمات والهيئات المدافعة عن حقوق الإنسان في سورية، وبالمشاركة مع أطفال العالم وجميع المدافعين عن حقوق الطفل وحقوق المرأة وحقوق الانسان، نحيي احتفال العالم بالذكرى السنوية الثلاثين لاتفاقية حقوق الطفل، التي تؤكد على الحقوق الأساسية للطفل في كل مكان وزمان. وقد نالت هذه الاتفاقية التصديق عليها في معظم أنحاء العالم، بعد أن أقرتها الجمعية…

نظام مير محمدي* عادةً ما تواجه الأنظمة الديكتاتورية في مراحلها الأخيرة سلسلةً من الأزمات المعقدة والمتنوعة. هذه الأزمات، الناجمة عن عقود من القمع والفساد المنهجي وسوء الإدارة الاقتصادية والعزلة الدولية، تؤدي إلى تفاقم المشكلات بدلاً من حلها. وكل قرارٍ يتخذ لحل مشكلة ما يؤدي إلى نشوء أزمات جديدة أو يزيد من حدة الأزمات القائمة. وهكذا يغرق النظام في دائرة…