)هذا المقطع مأخوذ من مشروع الإدارة الذاتية الديمقراطية لحزب الاتحاد الديمقراطي).
ونستنتج من المشروع وما يتحدث به السيد اوجلان عدة نقاط أساسية منها:
1- أننا أمام طرح جديد يختلف كلياً عما تطرحه الأحزاب الكردية التي تعمل من أجل الحقوق القومية الكردية بينما فكر أوجلان وسياسته تتعارض تماماً مع المشروع القومي وترفضه وتعتبره أساس مصائب الشعوب وقد فشلت الدولة القومية وجلبت الدكتاتوريات والنكبات للشعوب وهو متأثر إلى حد كبير بفلسفة غرامشي في الدولة والمجتمع المدني والديمقراطية ومن المعروف أن غرامشي كان زعيم الحزب الشيوعي الإيطالي في العشرينات والثلاثينات من القرن المنصرم وعارض الشيوعية الماركسية – اللينينية بشدة واعتبره ستالين منشقاً على الشيوعية بينما يعتبر أنصاره تطويراً للفكر الماركسي، وأوجلان يسير على خطى غرامشي ومعظم دراساته تؤكد على رفضه للاشتراكية (المشيدة) حتى قبل انهيار المعسكر الاشتراكي، لذلك يؤكد باستمرار أن لا مكان للجغرافية والحدود والحقوق القومية في مشروعه باستثناء الثقافية فقط وهو حق من حقوق الإنسان الطبيعية، وليس حقاً قومياً، والتي يتبناه الشيوعيون حتى اليوم، واستبدل مصطلح الأممية الشيوعية والاشتراكية بمصطلح الأمة الديمقراطية والإدارة الذاتية الديمقراطية وبصيغة أشمل الكونفدرالية الديمقراطية في الشرق الاوسط، لا بل يتعدى الحدود ليطرح المشروع كحل
للقضايا الأوربية والعالمية ومردفاً للشعار الشيوعي القديم (يا عمال العالم اتحدوا).
وبما أنّ ب ي د يعتبر نفسه فرعاً من فروع حركة المجتمع الديمقراطي الأم KCK ومقره قنديل وملتزم بسياسة وفكر أوجلان وأميناً له، لذلك لا يعتبر ب ي د نفسه ضمن هذه الرؤية جزءاً من الحركة الوطنية الكردية في سورية ذات الطابع القومي ويعتبر مثل هذه الأحزاب رجعية لأن المرحلة القومية تجاوزها الزمن وانتهت صلاحيتها كحل لقضايا المجتمع السياسية والقومية والدينية، ومن هذا المنطلق لا يعتبر نفسه حزباً كردياً لا تسمية ولا ممارسة، لا بل نقيضاً لسياستها القومية (الرجعية)، حسب تعبيرهم ويعتبرون أنفسهم امتداداً للفكر السياسي الماركسي الأممي وتطويراً جذرياً لها من خلال فلسفة (غرامشي – أوجلان ).
إذاً نحن أمام فكر جديد وسياسة جديدة يطرح نفسه كبديل للماركسية (المشيدة) وللفكر القومي والدولة القومية ويستخدم مصطلح الأمة الديمقراطية بديلاً عن الأممية الشيوعية والاشتراكية الدولية والفكر القومي وكلها
أفكار ابتدعها فلاسفة الغرب وانتقل بعدها إلى الشرق وأثبتت التجربة فشلها، أمّا فكرة الأمة الديمقراطية التي لم ترى النور من خلال غرامشي في الغرب وإنّما طورها وزاد عليها المفكر (عبدالله اوجلان ) والتي تنبع من واقع الشرق ونتيجة تجربة عملية مارسها على الأرض طيلة عقود من الزمن وتخلت نتيجة هذه التجربة عن مشروعه القومي في تحرير وتوحيد كردستان بأجزائها الأربعة بعد أن ضحت بأكثر من ثلاثين ألف شهيد من الشباب الكرد في أتون حرب (قومية عبثية) لا جدوى منها وحصلت هذه المراجعة الفكرية الكبيرة بعد اعتقاله من قبل “الجونتا” التركية عام 1999 وعلى إثر هذا التحول الكبير تم تغيير أسماء مكوناته السياسية وابعاد الصفة الكردية على هذه المكونات في الأجزاء الأربعة لا بل قام مؤخرا بحل b d p وضمها الى حزب h d p وهو يساري تركي لإبعاد الصفة الكردية عن تياره العلني، وبما أن الكرد يعتبرون الحاضنة الأساسية لهذا الفكر الجديد فمن الطبيعي أن يتم التصادم مع القوى السياسية الكردية ذات التوجه القومي في هذه الحاضنة أولاً، وما نشاهده اليوم من تصادم على الأرض بين ب ي د والمجلس الوطني الكردي خير تعبير على ما ذهبنا إليه.
2- نتيجة استدامة الثورة السورية وتحولها تدريجياً من السلمية إلى العسكرة استطاعت ب ي د ممارسة سياسة براغماتية مع النظام باتباع سياسة مغايرة للحركة الكردية التي وقفت منذ اليوم إلى جانب المعارضة والشعب السوري ضد النظام الدكتاتوري واطلقت على سياستها اسم (الطريق الثالث) والتي تستند
على عدم التصادم مع النظام وتعتبر نفسه في عين الوقت معارضة وعضواً في هيئة التنسيق منسجماً بذلك مع مقولة (مشروع الإدارة الذاتية الديمقراطية الذي طرحه، فهو من جهة مشروع لا يعتمد على الحدود الجغرافية ولا يجابه أو يتصارع ضمنياً من أجلها، ومن الجهة الأخرى هو مشروع يرتكز في أساسه على
مفهوم رد الهيمنة الكونية إلا أنه لا يجابه أو يصارع في الوقت ذات).
كل ذلك مقابل غض نظر النظام عنه لتقوية ذاته عسكرياً لا بل وتقديم التسهيلات اللازمة له وتمكينه على الأرض عسكريا عبر تفاهمات غير معلنة حتى الآن وبدأوا بتطبيق سياسة التضييق على النشطاء الكرد إما باعتقالهم وزجهم في السجون وممارسة أقصى صنوف التعذيب بحقهم مما افقد البعض حياتهم
تحت التعذيب أو بإبعادهم قصراً خارج الحدود، كل ذلك من أجل فرض هيمنتهم على الشارع الكردي السياسي وإرغام الحركة الكردية القبول بمشروعهم أو طردهم خارج الوطن كما فعلوا مع الأحزاب في كردستان تركيا في الثمانينات من القرن المنصرم.
3- من سوء حظ “غرامشي – أوجلان” أن القائمين على تنفيذ مفهوم الأمة الديمقراطية ليسوا مؤهلين لتطبيق هذه الأفكار الفلسفية – السياسية الأممية الديمقراطية على الأرض، لأن هذه الأفكار جديدة وغريبة على مجتمعنا ولم تأخذ حقها الكافي في الدراسة والبحث المطلوبين، فما أن تمكنوا على الأرض حتى باتوا يطبقون الدكتاتورية الستالينية والماوية نسبة الى الدكتاتور ماوتسي تونغ في التعامل مع المختلف معهم في الرأي لأن لهم تصوراً واضحاً حول هذه الأفكار وممارستها وتطبيق مبدأ (من ليس معنا فهو ضدنا)، وليست الغراميشية – الأوجلانية و(الأمة الديمقراطية)، واُثبتت التجربة اليومية فشلهم عن تطبيق هذه الأفكار فغرامشي مات تحت التعذيب في سجن الفاشي موسيليني وأوجلان يقبع في سجون العنصريين الأتراك وتلاميذتهم يمارسون سياسة هؤلاء الدكتاتوريين في القمع وتحت يافطة الأمة الديمقراطية وهم
أبعد الناس عنها ولا أعتقد أن أوجلان على دراية ما يفعلونه تلاميذته بأفكاره في الأمة الديمقراطية على الأرض بحق النشطاء السياسيين المختلفين معه في الرأي والإعلاميين.
وكذلك من سوء حظ الشعب الكردي أن هذه التجربة الهلامية غير واضحة المعالم نبتت في جغرافيتهم وحملها الشباب الكرد وبالتالي قد نجد ممارسات أسوأ مما نشاهدها اليوم في المستقبل، إذا لم يتم تدارك الموقف وتوضيح الصورة والموقف بشكل أكثر لجماهيرنا وتصحيح مسار التفاهم والحوار بين قوتين
مختلفتين في الرؤى والتوجه ويعملان معاً على الأرض ذاته، قوة تمثل الشعب الكردي ممثلاً في المجلس الوطني الكردي وقوة أممية الطابع والمنهج، وبمصطلحات جديدة وليس بين طرفين كرديين كما هو شائع اليوم ، و البحث عن المشتركات لمنع التصادم وترك الحرية للشعب لاختيار التوجه الملائم مع قناعاته واستخدام قوة المنطق في الإقناع وليس استخدام منطق القوة في فرض الرأي على الآخر كما يمارسها ب ي د اليوم.
وللحركة الكردية تجربة ثرية في التعامل مع الأحزاب الشيوعية في المنطقة الكردية واليوم لهم تجربة مماثلة مع التيارات المختلفة في الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة، والعمل بمبدأ الإمام الشافعي القائل (قولي على صواب ويحتمل الخطأ ……. وقول غيري خطأ ويحتمل الصواب).
يبقى أن نقول بأنّ الموضوع جدير بالبحث والدراسة من قبل المهتمين بالشأن الفلسفي والاجتماعي والسياسي من الكتاب والمثقفين الكرد ومن قبل أصحاب المشروع بنفس الوقت لإعطاء الموضوع حقه، وهل الفكرة القومية أصبحت رجعية وتجاوزها الزمن وبالتالي يتطلب البحث عن تصور جديد لحل القضايا
العالقة؟ وهل يعتبر مفهوم الأمة الديمقراطية كحل للقضية الكردية ؟.