لمن تقرع الأجراس ؟

لقمان شرف

تتسارع الاحزاب الكوردية السورية اليوم على اختلاف توجهاتها بعقد اجتماعات ثنائية فيما بينها ( لقاء بين البارتي و يكيتي , و اخر بين التقدمي و يكيتي , و ثالث بين الوحدة و يكيتي … الخ ) .  كما تتصدر بعض المواقع الالكترونية و شبكات التواصل بيانات استنجاد مختلفة من بعض الشخصيات الحزبية ما يوحي بأن هؤلاء ( القادة ) قد أيقنوا أخيراً بأن كارثة كبرى قد حلت على الجميع و ذلك بعد أن بسطت القوى التابعة لمنظومة حزب العمال الكوردستاني سيطرتها الكاملة على مفاصل الحياة السياسية و الاجتماعية و حتى الثقافية في المناطق الكوردية في سوريا ضمن خطة محكمة و استراتيجية طويلة الأمد من خلال مؤسساتها الفاعلة و النشطة التي تطبق نصيحة صاحب النظرية السياسية الواقعية نيقولاي ميكافيللي الشهيرة ” الغاية تبرر الوسيلة “.
مستغلة بذلك الفراغ الناتج عن رداءة و ضعف اداء القيادات الكوردية المخترقة و المهترئة على حد سواء من جهة و مساعدة النظام السوري لها ضمن خطة لتسليمها المناطق الكوردية الواحدة تلو الاخرى مقابل صفقة لا تزال تلك القوى تدعى بطلانها في حين تثبت كل الوقائع على الأرض صحتها .
ان الأسباب و المقدمات لما الت اليه الوضع الكوردي الانف الذكر تتمثل في الاتي :
أولاً : عاش قادة الأحزاب الكوردية السورية في وهم التقديرات الخاطئة فيما يخص الأزمة السورية كما حدث لجماعة الاخوان المسلمين السورية الذين راهنوا على عامل الزمن و ظنوا أنها ليست سوى أشهر قليلة ليسقط بعدها النظام كما حدث في تونس و مصر وغيرها فيعمد هؤلاء الى القفز الى كرسي الحكم دون بذل جهود و تضحيات و لم يدر في خلدهم أن المواقف الثورية التي تؤدي الى التغيير لا تنشأ الا بوجود أناس مستعدين للتضحية بذواتهم أو كما يقول الفيلسوف الكبير هيجل : ” و ليس بالوسع نيل الحرية الا بالمخاطرة بالحياة ” .
ثانياً : هجرة معظم قيادات الصف الأول (سكرتير التقدمي  – سكرتير البارتي  – سكرتير ازادي  … الخ ) الى الخارج منذ بدايات الأزمة الأمر الذي ألقى بظلال قاتمة على معنويات أنصارهم الذين شعروا بالاحباط و الخذلان في وقت كانوا بأمس الحاجة الى وجودهم في الداخل . بخلاف قادة الثورات الكوردية في أجزاء كوردستان على مر التاريخ الذين فضلوا الموت على الهجرة و موقف الشهيد قاضي محمد و غيره خير مثال على ذلك .   
ثالثاً : استهداف و استشهاد وخطف معظم القادة الميدانيين الموثوقين بهم على المستوى الشعبي الكوردي ( مشعل التمو – برهك – دورسن – أبو جاندي –  د. شيرزاد – قطنة … الخ ) دون حدوث أية ردات فعل قوية من جانب الحركة التي اكتفت ببيانات باهتة خالية من أية لغة تصعيدية تدفع الشعب الى الاستعداد للقادم و  الأعداء عن الكف عن جرائمها . يذكر أحد ضباط المخابرات السورية ( ابو الحارث ) في مقابلة له على موقع Kurdwatch  كيف أنهم و بأوامر من خلية الأزمة في دمشق قد أعلنوا حالة التأهب القصوى بوقت قصير بعد استهداف الشهيد مشعل التمو خوفاً من ردة الفعل الكوردي الذي لجمه مع الأسف قادة الحركة تماماً كما حدث في انتفاضة 2004 عندما اجتمعت (مجموع الأحزاب الكوردية) لاصدار بيان التهدئة المعروف الذي قضى على الانتفاضة في مهدها و قد تبين فيما بعد أن وراء الأكمة ما وراءها .  
رابعاً : عملت غالبية قادة و كوادر الحركة بسبب الأختراقات الأمنية لبعضها و عدم استيعاب بعضها الاخر استحقاقات المرحلة الى ضرب و تفتيت التنسيقيات الشبابية التي جاهدت للحفاظ على الحالة الثورية في المناطق الكوردية لكنها فشلت بسبب تكالب الأعدء و الأخوة الأعداء عليها و كذلك لقلة تجربتها و خبرتها التنظيمية في هذا المجال .
خامساً : الصراعات الثانوية بين أحزاب المجلس من جهة و داخل الحزب الواحد من جهة ثانية التي أخذت الجزء الأهم من وقت و جهد هؤلاء الذين شرعوا يستعدون لتقسيم الكعكة قبل نضوجها و الأستحواذ على الامتيازات التي ظن هؤلاء أنها قاب قوسين أو أدنى . يقول أحد الكتاب في هذا الصدد  : ” عار على الكورد أن يتقاتلوا على شيء قبل نيله ” .   
أما بالنسبة لعوامل الصحوة التي استشعرها ساستنا و لو أنها جاءت متأخرة و بعد أن  (وقع الفأس على الرأس) كما يقال في اللغة الدارجة و صح فيهم قول الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح : ” فاتكم القطار فاتكم القطار” و التي أدت الى النشاط غير المسبوق في ازدياد وتيرة الأجتماعات و اصدار البيانات فتتمثل في :
 أولاً : الهجمة الشاملة التي قادها مؤخراً نشطاء شبكات التواصل الاجتماعي الذين تجاوزوا كل الحدود في انتقادهم لسلوك هذه الشخصيات (الهزلية) الذين أصبحوا مادة للسخرية و الاستهجان و كذلك كتابات المثقفين و بيانات الكتاب و المعنيين على مختلف مواقع النت التي أسقطت الأقنعة و أظهرت العورات  كما جاء على سبيل المثال في البيان  الأخير (لا للاستبداد)  الموقع من 100 شخصية من الكتاب و الناشطين ما يلي  : ” و نحن، الموقّعون أدناه، إذ نندد ونشجب، بأشدّ العبارات، حالة التخبّط والتشرذم والفوضى وانعدام الإرادة لدى الحركة الكردية السورية، ونحمّلها كاملة المسؤولية في خلق فراغ سياسي واجتماعي، استفاد منه حزب الـ ب ي د ، واستأثر بالوضع والموقف الكردي ” .  
ثانياً :  شعور هؤلاء القادة بالعزلة الشعبية نتيجة فضح أمرهم و اظهارهم على حقيقتهم المرة أمام حتى البسطاء من شعبنا الذين شعروا بمرارة و خذلان و تفاجؤوا بمن كانوا في نظرهم حتى الأمس القريب قادة الظروف العصيبة . فتغيرت الصورة ليفقدوا بذلك احترام و تقدير الشعب الكوردي قاطبة .
ثالثاً : التغيير الشامل الذي حدث في المناطق الكورية مؤخراً من الناحية السكانية المتمثلة في النزيف البشري الكوردي المخيف و الزيادة الكبيرة في نسبة غير الكورد في المناطق الكوردية و بروز مظاهر غريبة عن المجتمع الكوردي كأن تجد مثلاً منقبات  في العمق الكوردي الأمر الذي لم يكن له وجود سابق .
رابعاً : الحصار الاقتصادي الخانق الذي دفع الشريحة الفقيرة الى الهجرة الى اقليم كوردستان حيث تجاوزت النسبة ربع المليون وفق احصائيات الجهات المعنية في الاقليم الى جانب هجرة  (الشريحة الغنية) الى أوروبا بحثاً عن ملاذ امن يقيهم و عائلاتهم شرور الأزمة .  
دفعت الحقائق السابقة قادة الكورد الى فعل أقصى ما يمكنهم فعله و هو عقد اجتماع هنا و هناك أو اصدار بيانات مستنسخة من مثيلاتها التي تدعوا الى الشفقة و القرف لتواترها بنفس اللغة و عين المفردات : ” في هذه الظروف الدقيقة …. , ضرورة وحدة الصف … , ندعوا اخوتنا في مجلس شعب غرب … , … الخ )
فبادر الغيورون من المثقفين و الكتاب و النشطاء و غيرهم من النخب المجتمعية الى دق نواقيس الخطر وأجراس الانذار لاخطار من يهمه الأمر الى أن الكورد في سوريا قد صاروا على صفيحة ساخنة , لا بل (على كف عفريت). فلمن تقرع الأجراس و هل من مستجيب ؟
  
ملاحظة : العنوان مقتبس من رواية الكاتب الأمريكي أرنست همنغواي .

لقمان شرف – كركي لكي  7 / 5 / 2014 .

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

اكرم حسين في خطوة جديدة أثارت استياءً واسعاً في اوساط السكان ، تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي قراراً منسوباً لهيئة الاقتصاد التابعة “للإدارة الذاتية” برفع سعر ربطة الخبز من 1500 ليرة سورية إلى 2000 ليرة سورية ، وقد جاء هذا القرار، في وقت يعاني فيه اهالي المنطقة من تهديدات تركية ، وضغوط اقتصادية ، وارتفاع غير مسبوق في تكاليف المعيشة….

عبدالله ىكدو مصطلح ” الخط الأحمر” غالبا ما كان – ولا يزال – يستخدم للتعبير عن الحدود المرسومة، من لدن الحكومات القمعية لتحذير مواطنيها السياسيين والحقوقيين والإعلاميين، وغيرهم من المعارضين السلميين، مما تراها تمادياً في التقريع ضد استبدادها، الحالة السورية مثالا. وهنا نجد كثيرين، من النخب وغيرهم، يتّجهون صوب المجالات غير التصّادمية مع السلطات القمعية المتسلطة، كمجال الأدب والفن أو…

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…