بير رستم
إن قضية الهجرة والانتقال قديمة وتعود بجذورها إلى الوجود البدائي للإنسان؛ العاقل وغير العاقل وقد كانت لها (أي للهجرة والاغتراب) قديماً وحديثاً الأسباب نفسها تقريباً، فهي إما لأسباب اقتصادية وظروف الحياة والمعيشة وقساوتها أو لأسباب أمنية حياتية والهروب من الغبن والظلم والعنف (قديماً القبيلة وحديثاً قمع النظم السياسية في الدول القمعية وديكتاتورياتها) وبالتالي البحث في جغرافيات أخرى عن سبل للحياة تكون أفضل من تلك التي كانت تحيط به في مجتمعاته الأم ..
وهكذا فإن الهجرة نادراً ما تكون لأسباب ترفيهية أو ما يمكن اعتباره نوع من الترف السياحي وتغيير نمط الحياة والسلوك، بل في أغلب حالاتها هي قلع من الجذور وزرعها في مناخات وبيئات جديدة ومن النادر أيضاً أن تكون ملائمة للمهاجر أو المغترب الجديد وبالتالي تبدأ _ومن هنا_ قصة معاناة جديدة للإنسان المغترب؛ فهو الذي هرب من المعاناة والألم وبحثاً عن نوع من السعادة وراحة البال يقع ضحية مأساة ومعاناة جديدة؛ مأساة الغربة واللانتماء والتشيئ واللاشيئية فأنت خارج بيئتك مجرد رقم جديد على المهاجرين.
وهكذا فإن معاناة المغترب _برأي_ أولاً وأخيراً تعود لقضية الانتماء واللانتماء والتشيئ؛ فهو ينتمي بسلوكه وأخلاقه وثقافته لجذر لغوي معرفي حضاري يمتاز بخصوصياته الأتنية والدينية واللغوية وحتى السيكولوجية الخاصة بمنطقة وبيئة وشعب وثقافة هو تربى وعاش فيها وعرِفَها وعرِفتُه بكل دقائقها وتفاصيلها الجزئية وكذلك له شخصيته الاعتبارية في بيئته تلك وبالتالي تكون بينه وبين تلك البيئة الحضارية نوع من الانتماء الاجتماعي والسلوكي الحضاري والقيمي (من القدر والقيمة) ولكن وعندما يتم قلع الإنسان من هذه البيئة وزرعه في البيئات الجديدة _المغتربة_ فهو يشعر بنوع من حالة الاغتراب واللانتماء والتشيئ وأحياناً العداء؛ كون الاختلاف وعدم تمكنه من التواصل معه وكذلك لاعتبارات تتعلق بالمكانة والقيمة الذاتية حيث صعوبة التواصل بدايةً تبدأ من اللغة التي تقف حاجزاً في وجهه للدخول إلى البيئة الاجتماعية الجديدة ناهيك عن الثقافة والعادات والأعراف والأخلاق العامة واعتباره لتفسه عالة على الآخرين هو إحساس مرير بحد ذاته. وبالتالي فإنك تجد هؤلاء المغتربون يتقوقعون نفسياً واجتماعياً وأغلبهم يدخلون في حالات من الوهن واليأس على المستوى الشخصي وبالتالي الهرب من الواقع الجديد إما بالشرب والسكر أو إلهاء النفس بأمور وقشور الحياة وحتى على المستوى الاجتماعي تجدهم يتقوقعون ويعيشون ضمن حياة وبيئات وحتى حارات أقرب إلى بيئاتهم وجغرافياتهم القديمة والتي هاجروا منها إلى هذه البلدان وبحثاً عن سعادة مفقودة أقرب إلى السراب منها إلى الحياة الواقعية.
لكن السؤال الأخير والذي يمكن أن يراود الجميع؛ أليس هناك من حل أفضل مما هو عليه وعن الواقع الذي يعاني منه المغترب، أعتقد سؤال صعب الاجابة عليه وخاصةً أن لكل إنسان وبيئة وكل حالة من حالات الهجرة المتعددة لها ميزاتها وخصوصياتها وجوانبها المختلفة والمتمايزة .. ولكن ورغم كل ذلك يمكننا القول: بأن لا مفر من المحاولة للتأقلم مع البيئة الجديدة والدخول إلى هذه العوالم والثقافات الجديدة وذلك رغم كل الصعوبات والعوائق وبدايةً عبر كسر حاجز اللغة أو العودة إلى البيئات القديمة والرضوخ لشروط القبيلة_الدولة وكانتوناتها وأحزابها السياسية وقوانينهم وإداراتهم وذلك عوضاً عن الضياع والغوص في متاهات الغربة بحيث أن لا يكون قد أحرق _كطارق بن زياد_ كل مراكب العودة.
عن صفحة الكاتب:
https://www.facebook.com/permalink.php?story_fbid=434910146653309&id=100004029833509&stream_ref=1
وهكذا فإن معاناة المغترب _برأي_ أولاً وأخيراً تعود لقضية الانتماء واللانتماء والتشيئ؛ فهو ينتمي بسلوكه وأخلاقه وثقافته لجذر لغوي معرفي حضاري يمتاز بخصوصياته الأتنية والدينية واللغوية وحتى السيكولوجية الخاصة بمنطقة وبيئة وشعب وثقافة هو تربى وعاش فيها وعرِفَها وعرِفتُه بكل دقائقها وتفاصيلها الجزئية وكذلك له شخصيته الاعتبارية في بيئته تلك وبالتالي تكون بينه وبين تلك البيئة الحضارية نوع من الانتماء الاجتماعي والسلوكي الحضاري والقيمي (من القدر والقيمة) ولكن وعندما يتم قلع الإنسان من هذه البيئة وزرعه في البيئات الجديدة _المغتربة_ فهو يشعر بنوع من حالة الاغتراب واللانتماء والتشيئ وأحياناً العداء؛ كون الاختلاف وعدم تمكنه من التواصل معه وكذلك لاعتبارات تتعلق بالمكانة والقيمة الذاتية حيث صعوبة التواصل بدايةً تبدأ من اللغة التي تقف حاجزاً في وجهه للدخول إلى البيئة الاجتماعية الجديدة ناهيك عن الثقافة والعادات والأعراف والأخلاق العامة واعتباره لتفسه عالة على الآخرين هو إحساس مرير بحد ذاته. وبالتالي فإنك تجد هؤلاء المغتربون يتقوقعون نفسياً واجتماعياً وأغلبهم يدخلون في حالات من الوهن واليأس على المستوى الشخصي وبالتالي الهرب من الواقع الجديد إما بالشرب والسكر أو إلهاء النفس بأمور وقشور الحياة وحتى على المستوى الاجتماعي تجدهم يتقوقعون ويعيشون ضمن حياة وبيئات وحتى حارات أقرب إلى بيئاتهم وجغرافياتهم القديمة والتي هاجروا منها إلى هذه البلدان وبحثاً عن سعادة مفقودة أقرب إلى السراب منها إلى الحياة الواقعية.
لكن السؤال الأخير والذي يمكن أن يراود الجميع؛ أليس هناك من حل أفضل مما هو عليه وعن الواقع الذي يعاني منه المغترب، أعتقد سؤال صعب الاجابة عليه وخاصةً أن لكل إنسان وبيئة وكل حالة من حالات الهجرة المتعددة لها ميزاتها وخصوصياتها وجوانبها المختلفة والمتمايزة .. ولكن ورغم كل ذلك يمكننا القول: بأن لا مفر من المحاولة للتأقلم مع البيئة الجديدة والدخول إلى هذه العوالم والثقافات الجديدة وذلك رغم كل الصعوبات والعوائق وبدايةً عبر كسر حاجز اللغة أو العودة إلى البيئات القديمة والرضوخ لشروط القبيلة_الدولة وكانتوناتها وأحزابها السياسية وقوانينهم وإداراتهم وذلك عوضاً عن الضياع والغوص في متاهات الغربة بحيث أن لا يكون قد أحرق _كطارق بن زياد_ كل مراكب العودة.
عن صفحة الكاتب:
https://www.facebook.com/permalink.php?story_fbid=434910146653309&id=100004029833509&stream_ref=1