بقلم المحامي بهمند محمد سعيد خانو
الإنسان البريء في أغلب الأحيان هو الأكثر تضرراً في أغلب الصراعات المسلحة ، إذ ارتكبت بحقه أبشع الجرائم من الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية بالإضافة إلى جرائم الحرب . هذه الجرائم ليست وليدة الحداثة بل انتشرت مع انتشار البشرية وإن اختلفت التسميات والأساليب فالنتيجة واحدة آلا وهي إزهاق الروح ، وذلك نتيجة أطماع الفئة البشرية الحاكمة المتمثلة في حب التملك والسيطرة وفرض النفس على الغير دون وجه حق.
الإبادة الجماعية وجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب ظهرت هذه المصطلحات بشكلها وصيغتها الدارجة حالياً في أعقاب الحرب العالمية الأولى بشكل جدي نظراً لبشاعة الجرائم التي ارتكبت في أعقابها إذ نادت الدول المنتصرة بضرورة محاكمة مجرمي الحرب في الدول المهزومة لمخالفتهم لقوانين الحروب وأعرافها ‘ وكذلك الأمر في أعقاب الحرب العالمية الثانية حيث أجريت محاكمات لمجرمي الحرب للدول المهزومة . إلا أنه برغم من هذه المحاكمات لم تتوقف الجرائم بحق الإنسانية المسالمة واستمرت معها سلسلة المحاكمات الدولية الخاصة كالمحكمة الخاصة بيوغسلافيا 1993 والمحكمة الخاصة براوندا 1994 وآخرها المحكمة الخاصة بإغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري ، إذ كانت جميعها محاكمات خاصة و لم يكن هناك محكمة عامة ذات صفة دولية تختص بهكذا جرائم إلا في عام 2002 حينما أنشئت محكمة الجنايات الدولية كأقوى سلطة قضائية عالمية لمحاكمة من يرتكبون جرائم الإبادة الجماعية وجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية إعتباراً من تاريخة ودون أن يكون له أثر رجعي . ولابد أولاً من التفريق بين هذه الجرائم ، فالإبادة الجماعية تعني أي فعل يرتكب بقصد التدمير الكلي أوالجزئي لجماعة قومية أو أثنية أو عرقية أو دينية أو عنصرية بصفتها هذه ( القتل – الأذى الجسدي أو الروحي – الإخضاع القسري لظروف معيشية معينة – التهجير القسري ) ومن أبشع جرائم الإبادة الجماعية هي الإبادة الجماعية في راوندا – الأنفال في كوردستان العراق – هولوكوست أو المحرقة اليهودية – مجازر الأرمن في تركيا .أما بخصوص الجرائم ضد الإنسانية فتعني أي من الأفعال التالية .. القتل العمد – إبعاد السكان أو النقل القسري – السجن – التعذيب – الأغتصاب .و… هي جرائم ضد الإنسانية إذا ارتكبت في إطار هجوم واسع النطاق ضد أي مجموعة من السكان المدنيين سواء أكان زمن السلم أم الحرب . أما جرائم الحرب فهي تعني كل فعل فيه انتهاك لإتفاقيات جنيف وميثاق محكمة الجنايات الدولية متى ارتكبت أثناء نزاع مسلح داخلي أو دولي . إن محمكة الجنايات الدولية ليست لها سلطة مطلقة في ملاحقة المجرمين ومحاكمتهم بسبب معارضة بعض الدول الكبرى مثل روسيا وأمريكا لذا وضعت أمامها عدة شروط لتتمكن من ذلك منها أن تقبل الدولة المعنية أوالمتهمة بذلك أو أن تحيل القضية إليها من قبل مجلس الأمن الدولي وهوالشرط الأهم والذي يعتمد أو يعقد الكثيرون عليها الآمال . وبرغم من وجود مجلس الأمن الدولي ومحكمة الجنايات الدولية إلا إن سلسلة هذه الجرائم لم تتوقف كما لم تخف وطأتها وانما العكس هو الصحيح ولاسيما مع بزوغ شمس الربيع العربي هذا الربيع تحول على يد الأنظمة الدكتاتورية الحاكمة إلى شتاء قارس أحيانا وصيف حار أحيانا أخرى ، إذ ارتكبت هذه الأنظمة جرائم بشعة بحق مواطنيها الذين يتطلعون إلى الحرية كأبسط حق لهم وأبشع الجرائم التي رافقت الربيع العربي هي تلك التي ارتكبها النظام الحاكم في سورية بحق مواطنيها ،إذ استخدم مختلف صنوف الأسلحة والقتل والتعذيب والحرمان والدمار والتهجير ، فقاعدة إن كنت معارضاً أكون أنا السجان هي قاعدة دارجة لدى النظام البعثي الحاكم الذي هو بمثابة السيف البتار على أعناق الشعب السوري المغلوب على أمره .هذا النظام جرائمه لا تقتصر على فترة الثورة الشعبية وإنما بدأت منذ استلامه السلطة عام 1963 م من الجرائم الفردية إلى جرائم الإبادة الجماعية إلى جرائم ضد الإنسانية ولعل من أبشع جرائم هذا النظام قبل الثورة جريمة الحزام العربي العنصري السيء الصيت والذي كان من أهم نتائجه النقل والتهجير القسري للسكان الأصليين والإستيلاء على أراضيهم والسعي إلى تغيير ديموغرافية المنطقة الكوردية بجلب أناس أخرين من غير أبناء المنطقة وتوطينهم فيها، هذه الجريمة لاتزال آثارها قائمة إلى وقتنا الحاضر فهي من الجرائم المستمرة وليست آنية وحسب ميثاق محكمة الجنايات الدولية واتفاقيات جنيف تعتبر من الجرائم ضد الإنسانية التي يستوجب محاكمة مرتكبيها ،وأيضاً مجزرة حماة تلك المجزرة التي حولت حماه إلى حقل للتجارب ، أستخدم فيها النظام مختلف صنوف الإجرام ومجزرة سجن تدمر 1980 إذ قتل فيها النظام البعثي حوالي 700 سجين أغلبهم سجناء سياسيين ، ومجزرة جسرالشغور إذ أقدمت القوات الخاصة بمحاصرة المدينة وقصفتها بالمدفعية والصواريخ ودمرت البيوت وأعدمت العشرات ميدانيا ،وإيضا المجزرة التي ارتكبها النظام البعثي أثناء انتفاضة قامشلو 2004 حيث قتل العشرات واعتقل الآلاف من الكورد إلى جانب عمليات النهب والتعذيب وفصل العديد من الطلاب والمدرسين و الموظفين الكورد ، وجريمة سجن صيدنايا عام 2008. هذه السلسلة من الجرائم وغيرها والمجتمع الدولي لم يحرك ساكناً للحد منها مما كان السبب الأهم في تمادي النظام في جرائمه بحق شعبه عندما بدأت شمس الحرية تسطع على سماء سورية فمطلب الحرية رد عليه النظام بالرصاص الحي ظناً منه بقدرة الرصاص على إسكات صوت الحق والحرية إلا إن هذه الأصوات ازدادت وعلت أكثر فأكثر والمطالب ازدادت مع تعنت النظام وإفراطه في استخدام القوة والعنف بحق الشعب الثائر فأصبحت قصف المدن والبلدات والقرى بالبراميل المتفجرة والمدافع والصورايخ لسان حال سورية اليومي إلى جانب أعمال القتل والإعتقالات والتهجير القسري للسكان وفرض سياسة التجويع والحصار بحق الشعب الثائر والتحكم في الحياة الاقتصادية بشكل يجعل كل فرد لا يفكر إلا بكيفية تأمين قوته اليومي كل ذلك من الطبيعي أن تكون نتيجته الهجرة والهرب والعيش في المخيمات حيث ذل الحياة من ناحية ونزيف الوطن من ناحية أخرى .ولأن المجتمع الدولي لم يتخذ اي إجراء رادع بحق هذا النظام فقد تمادى في جرائمه حتى وصل به الأمر إلى قصف بعض البلدات والأحياء بالغازات السامة كما فعل في الغوطة الشرقية في 21 آب 2013 م إذ استشهد المئات من المواطنين نتيجة استنشاقهم الغاز السام المشل للأعصاب وقد اثبتت عدة جهات دولية مسؤولية النظام في ذلك منها الإستخبارات الإلمانية والفرنسية من خلال رصدها للإتصالات لمسؤولين سوريين وإيرانيين ومن حزب الله ،فقد قصفت زملكا وعين ترما وإيضا معضمية الشام وحرستا وقصفت حي الشيخ مقصود الحلبي وكما قصفت عدة قرى وبلدات في ريفي حماه وإدلب ولاتزال تستخدمها بين الحين والآخر ومع كل ذلك لا يزال المجتمع الدولي يكتفي بلغة التنديدات و البيانات ودون القيام بأي إجراء فعلي على أرض الواقع لمحاسبة هذا النظام أو على الأقل الحد من جرائمه .إن الجرائم التي ارتكبها النظام الحاكم في سورية منذ بداية الثورة ولا يزال وعلى اختلاف اشكالها وأساليبها هي تصنف وحسب الأعراف الدولية أولاً وحسب ميثاق محكمة الجنايات الدولية ثانياً ضمن خانة الجرائم الثلاث المحرمة دولياً والمعاقب عليها وهي الجرائم ضد الإنسانية والإبادة الجماعية وجرائم الحرب التي يجب محاسبة مسؤوليها أمام محكمة الجنايات الدولية . ولأنه يستحال أن تقبل سوريا رفع موضوعها او دعوى ضدها إلى محكمة الجنايات الدولية وهي إحدى الشروط التي يشترطها ميثاق محكمة الجنايات الدولية حتى يمكنها من وضع يدها عليها ومحاكمة مسؤوليها فأنه في هذه الحالة ليس هناك مجال للمحاكمة مادامت سورية لن تقبل إلا في حالة أخرى وقد اشترطت عليها ميثاق محكمة الجنايات الدولية وهي أن يتم رفع الدعوى إليها من قبل مجلس الأمن الدولي . لذا لابد لمجلس الأمن الدولي وبإعتباره الحلقة الأقوى دولياً ولإنها الجهة الوحيدة التي تملك صلاحية رفع دعوى أو موضوع الجرائم التي يرتكبها النظام الحاكم في سورية الى محكمة الجنايات الدولية ومحاسبة مسؤوليها ، أن يقف مع الشعب السوري وينطق كلمة الحق ويقف بحزم ضد طغيان النظام السوري الحاكم واستبداده وظلمه. هذا الى جانب قدرة وصلاحية مجلس الأمن على اصدار قرار دولي ملزم ضد النظام السوري بما في ذلك التدخل العسكري .إلا أنه يصعب اصدار هكذا قرار بسبب معارضة دول مثل روسيا الدولة الحليفة لسورية والشريكة في جرائمه ، لذا فأن الحل الأنسب يكون بإحالة القضية السورية من قبل مجلس الأمن الى محكمة الجنايات الدولية حتى تأخذ العدالة مجراها ويحاسب كل شخص تلطخت يداه بدماء الشعب السوري ليس فقط من النظام بل حتى من المعارضة .هذا إن آراد أو رغب المجتمع الدولي فعلاً في إنهاء المأساة السورية .أربع سنوات متواصلة عانى فيها السوريون كل انواع المآسي والويلات من القتل الهمجي والإعتقالات العشوائية وعمليات التعذيب وسياسة التجويع والحصار المميت والتهجير المقصود والقصف العنيف بأنواعه المدفعي و الصاروخي و الهاون والبراميل المتفجرة والقصف الكيمياوي فلابد لمجلس الأمن ان يقول كلمة الحق ويشهر بسيفه ويضع حداً لجرائم النظام الحاكم في سورية ويحاسب مرتكبيها وتأخذ العدالة مجراها .