ربما ستقرأون باسمي لاحقاً، ما لا تشتهون سماعه عن إقليم كردستان العراق بالنسبة للسلبيات القائمة فيه طبعاً، ولعل ذلك سيكون مغيظاً لكم، سوى أنني، ومن موقعي ككردي، وكأيٍّ كان يعنيه أمر نسَبه القومي والإنساني ضمناً، أسعى وسأسعى جاهداً إلى أن يبقى هذا الإقليم. إن مجرد التفكير، ومن موقع خصومة معينة: شخصية، أو فئوية أو تحزبية وغيرها، ينسف كل ما يمكن للكردي أن يفكّر فيه، لينطلق منه إلى الجهات الأخرى كردستانياً. هذه نقطة .
فحوى القول، هو هذا الملاحظ في أدبياتنا السياسية الكردية لحظة إظهار الخصومة في الحال، أو ” العداء ” الجانبي، حيث الطرف المعتبر معادياً يصبح حتى دون مستوى اسمه، وأظن أن ذلك ينعكس سلباً على المتصرف هكذا قبل كل شيء.
ما يجري راهناً هو الملموس وهذا مؤلم، لحظة سعي كردي إلى ” نسف ” الآخر على قاعدة خلافية ” بغيضة “، دون التدقيق في الأرضية التي ينبني عليها قوله أو ” خطابه “، حيث الخطاب مغاير لهذا.
ولو أن شبيه إقليم كردستان قام في جهة كردستانية أخرى، فربما أكون أول من يبادر إلى تهنئة المعني به مباشرة، حتى لو علمت أو قيل لي، إن فيه سلبيات لا تؤهله لأن تهنئ المعني به على ذلك، ليس من موقع ” العصبية الضيقة “، وإنما من موقع التعبير عن وضعية تاريخية وثقافية وسياسية وإيديولوجية كذلك لا يمكن تجاهلها، وبالنسبة للكردي بالذات.
وأعتقد هنا، أن لا شيء يقلل من مكانة أي منا قدر استخفافه بسواه، سواء عن بعد، أو عبر حوار يفتقر إلى خاصية الحوار وأخلاقيته، ومما يؤسف له، أن نسبة ملحوظة من كردنا، وانطلاقاً من ” سخونة ” إيديولوجية ” ينسون موقعهم الخطر، ومن يكون الكلام موجهاً إليه، والأنكى من ذلك، أنه يُبث بالصوت والصورة، حيث يوجد من يسجل كل شيء” وهو ليس كردياً بالتأكيد “: حتى الحركات والتعابير لما لها من دلالة، ليحيلها إلى مادة ” ينازل بها كردياً “، ليثبت أن الكرد ليسوا جديرين بأن يكونوا أولي أمر دولة لا بل وحتى ” حتَّة صغيَّرة “، ولتصبح قنواتنا التلفزيونية فضاء مريعاً لتلغيم الكردي في الكردي، وتشويه الكردي، ونسيان النتائج التي لا يستفيد منها غيره طبعاً. هذه ثالثة.
في إقليم كردستان وما يجري في إقليم كردستان حيث أقيم فيه الآن باعتباري لاجئاً، وقد أفارقه أو أغادره قريباً أو فيما بعد، لدي منه وعنه ذاكرة جغرافية وتاريخية تتشكل، لا يُستثنى فيها أحد، حتى السياسي في القمة، ولكنني لا اليوم ولا في الغد، لم ولن أخلط بين إمكان تسمية الخطأ حتى وهو فادح، وتسمية النقيصة مؤرخة، حتى أبعد عن نفسي شبهة التحيز بصورة ما، وما يبقي الصواب صواباً، ما يبقي الإقليم ككيان سياسي متعوب عليه، ومنجز تاريخي كردستاني بداية ونهاية. وهذا ما يجب التنبه إليه، دون نسيان من يسعى إلى إبقائه وإنمائه وثمة مئات الألوف الكرد يلوذون به . هذه رابعة.
الإقليم القاعدة الكردية المعتبرة رغم كل شيء، الإقليم الخطوة الأولى رغم إمكان التذكير بالعثرات، الإقليم المظلة الجغرافية التي تهدئ من روع الكردي قياساً على الجاري في الجوار، الإقليم الذي يجب التشبث به، دون التخلص ولو للحظة واحدة عن إبداء الملاحظات أو ” تعرية ” أوجه الفساد، لأن ذلك يمثل تطهيراً له. فثمة من ضحوا بدمائهم وهم بمئات الألوف، وثمة من عانوا ويستحقون شرف التسمية في الهرم والقاعدة، وثمة من يستحقون رفع القبعة لهم في جهات الإقليم الأربع، وثمة من يستحقون التنديد بهم، ولكن مع بقاء شيء واحد، ألا وهو: عدم اعتبارهم لا شيئاً.هذه خامسة.
ثمة قاعدة في السياسة والتعامل السياسي أظن أنه من الواجب معرفتها، تتمثل في كيفية رؤية الآخر وهو في موقع له أهميته، وأن يكون هذا الناقد أو موجه النقد في موقع له اعتباره لأن ذلك يُحسَب على من كلَّفه بذلك أو سمح له بأن يتحدث بالطريقة هذه، حيث معرفة المقامات مهما أشير إلى نزع القدسية عنها، إلا أنها لا يجب تجريدها من كل قيمة.
أظن أن قارئ المدوَّن هنا يدرك إلام أرمي، وليس لي إلا هذه الكردية التي لا أتمنى لها أن تتشظى من الداخل، وتحديداً حين نكون نحن الأعداء، وما يعنيه ذلك من خروج كلي من خانة الكردية، لا بل ودخول في البازار السياسي الهابط للمتربص بالكردي مباشرة.
أخيراً وليس آخراً: ربما أخرج ذات يوم من إقليم كردستان العراق دون أي رغبة في الالتفات إلى الوراء، ولكنني سأحتفظ بصورة واحدة لا أتمناها أن تبهت أمام ناظري: أن يبقى إقليم كردستان متماسكاً، ملاذاً ما للكردي من ” خارجه ” وهذا ما لا يجب تفويته، إن روعي في الكردي وعيه التاريخي، وحساسية الجغرافيا التي تعنيه في الصميم.