وعندما انهار النظام السوفييتي بأكمله ولم يعد هناك ذلك “البعبع!” الشيوعي، فقد جرى البحث والحديث عن (عدو رقم 1) جديد، فتم عن طريق تسخير الإعلام إيجاد هكذا عدو… والقصة معروفة وتثير العديد من الأسئلة والنقاشات، وهذا ليس موضوع كلامنا الآن. والغريب أن هذه الدول المنتجة لأدوات القتل والفتك والتدمير تبيع أسلحتها للعدو الجديد الذي اكتشفته بعد سقوط الشيوعية وبكمياتٍ هائلة، بل تتنافس في ابرام العقود والصفقات معه، حسب آخر التقارير العالمية عن بيع السلاح في الأسواق الدولية الخاضعة لرقابة الحكومات، وليس أسواق السلاح غير المرخصة فقط.
هناك أحزاب سياسية، منها مع الأسف كوردية أيضاً، تعلم أنها إن لم تحرك جماهيرها يومياً بذريعةٍ من الذرائع، فإنها سترقد وستهمل واجباتها المتمثلة في الإبقاء على “جذوة النضال الشعبي!!!” متقدة، حيث أنها فشلت في اقناع هذه الجماهير بصحة أيديولوجيتها، مثلما فشلت في إظهار نفسها كقوة وحيدة، ثورية وطليعية، على درب الكفاح من أجل “حرية واستقلال” الشعب، مثلما ضعفت في اثبات قوتها “العملاقة” من خلال صناديق الانتخابات، لذلك فإنها تجد لنفسها أو للشعب دائماً (عدواً) تعتبره (العدو الأول) وتسخر للحرب عليه وسائل إعلامها وتحشد الجماهير ضده، وتستخدم سائر وسائل التحقير والإذلال والترهيب والتخوين وتبسيط الأمور و”توحيش العدو”، وهذا يعني أن ثمة خبراء في علم نفس الجماهير ضمن قيادة التنظيم أو من وراء ستار… ومهمة هؤلاء هو تحريك الجماهير حتى لا تهدأ عاصفة “الثورة” ، وفي نفس الوقت يتم تعظيم الذات وتقديس القائد واعتبار سياسة القيادة هي الأفضل والأحدث والأشد ثورية وبدون القائد والقيادة تقوم الساعة وتنهار المدنية وتنتهي حياة الشجر والبشر والحيوانات والنباتات، وسيضطرب توازن الكون… فلا حياة بدون القائد… بل لا يريد “الشعب” حريته بدون القائد…
ولكن من أجل “توحيش العدو” يجب البدء بابتكار هذا العدو، ولا يهم أن يكون أخاً أو ابن عم أو مواطناً من مواطني الوطن، المهم أن لا تتوقف حركة الجماهير، حتى لا تكسل، وحتى لا تبخل على فائد الحزب بآيات التعظيم وعلى القيادة المقاتلة، الشجاعة، الذكية والتي لامثيل لها في الدنيا بالشباب وبالمال الذي تحتاج إليه للإبقاء على “الثورة!!!” وأي ثورة؟ …
لقد تم اختيار أحزابٍ وشخصياتٍ كوردية لزجهم في خانة (الأعداء الأشد عداءً للثورة الظافرة المنتصرة!!!)، وعليه يتم تحويلهم إلى أهدافٍ للهجوم، بشتى أنواع التهم وإطلاق صفات “شارونية” عليهم، في محاولة لتجنيد “الشعب كله” ضد (ظلم شارون وعدوانه وخيانته!!!)، وشارون في الحقيقة أحد أهم من خدم شعبه ودافع عنه… وهذه هي ذات الأساليب التي تستخدمها الدول والحكومات ضد معارضيها وضد بعضها بعضاً…
وهذا يعني أن بعض السياسيين يتصرفون بميكيافيللية لضمان تسويق انتاجهم جماهيرياً، مستغلين ضعف الوعي السياسي لدى هذه الجماهير الشعبية وظروفها السيئة وطموحاتها في نيل الحرية واستعادة حقوقها المغتصبة… كما يعني أن بعض أصحاب المصالح الفئوية المتحزبين لا يتوانون عن ممارسة أشد الأساليب بؤساً وإضرام النار في البيت الكوردي، تنفيذاً لأوامر إقليمية ساعية لعرقلة أي تفاعل حقيقي بين حركة شعبنا وحركة المعارضة الديموقراطية السورية والعراقية وللوصول إلى هدفهم المتمثل في تحريك الجماهير يومياً وربطها بتنظيمهم…
المسألة مكشوفة للواعين… ولكن الذرائع اليومية الصغيرة المسخرة ل”توحيش العدو” ربما تلقي بعض الضباب على الهدف الأساسي، فينشغل المراقبون بالحديث عن تلك الذرائع والحجج وليس عن الهدف من وراء اختلاقها أو تعظيم شأنها في السياسة العملية…