هل يمكن المراهنة على الحزب الديمقراطي الكُردستاني/ سوريا؟

حسين جلبي

تمخض مؤتمر الاتحاد السياسي الكُردي الذي عُقد قبل عدة أيام في عاصمة أقليم كُردستان، و الذي جمع أربعة أحزاب كُردية سورية متفاوتة الحجم و الشعبية، تمخض أخيراً عن ولادة حزب كُردي حمل أسماً لهُ دلالات تاريخية و امتداد اقليمي ألا وهو “الحزب الديمقراطي الكُردستاني ـ سوريا” حيثُ أضيفت الكلمة الأخيرة للأسم تمييزاً لهُ عن أحزاب أُخرى تحمل الأسم ذاتهُ في كلٍ من العراق و إيران و مؤخراً في تركيا، و قد تأسس الحزب بعد مرور أكثر من عام على توقيع اتفاق الاتحاد الذي انسحب منهُ خلال مسيرته المتعثرة أحد أحزابه “حزب يكيتي”، لينضم إليه لاحقاً حزبٌ آخر “يكيتي الكُردستاني” و الذي كان أصغرها حجماً.
و لكي لا تكون فاتحة الكلام نقداً، و هناك في الحقيقة الكثير الذي يُمكن أن يُقال بحق الحزب، فانه من نافلة القول أن ثمة فائدة شكلية على الأقل في توحيد تلك الأحزاب تتمثل في توفير الوقت الذي قد يقضيه المتابع لنشاطات أربعة أحزاب و أخبار رؤسائها، و في قراءة بيانات متشابهة المضمون تصدر عنها بانتظام في كل مناسبة بصورة لا يلحظ المرء معها اختلافاً بينها، و في توفير وقت يقضيه في متابعة أخبار مناكفاتها و صراعاتها اللفظية التي لا طائل منها، و في البحث كل مرة عن عائدية الحزب فيما إذا كان يرأسه السكرتير الفلاني، ذلك أنهُ يستحيل معرفة الأحزاب الكُردية السورية بدون الحاقها بأسماء قادتها.
كان الخلاف الأول بين أعضاء أحزاب الاتحاد السياسي يدور حول مكان انعقاد المؤتمر التوحيدي الذي كاد يطيح بالعملية من أساسها، فقد كانت هناك صعوبات في عقد المؤتمر داخل سوريا بسبب مصاعب لوجستية قد يكون أولها امكانية عرقلتهُ بداعي طلب الترخيص من حزب الاتحاد الديمقراطي الذي أطلق النظام يديه في الشأن الكُردي السوري لدرجة أن إقامة أي نشاط أو حصول أي تجمع يتطلب مراجعته بشأنهُ للحصول على ترخيصه تحت طائلة المنع، لكن تردد أيضاً أن عقد المؤتمر داخل المناطق الكُردية يلقى تشجيعاً من البعض بسبب ازدياد حظوظهم في تصدر المشهد الحزبي في ظل استحالة حضور البعض الآخر الملاحق من النظام و شبيحته اضافةً الى صعوبات لوجستية تحول دون الكثيرين، و بعد أن تم تجاوز هذه العقدة بتقرير انعقاد المؤتمر في أقليم كُردستان، و بعد محاولة أولى فاشلة لعقده بسبب تربص حزب الاتحاد الديمقراطي بالمندوبين و منعهم من مغادرة البلاد، و قيام البعض من مندوبي المؤتمر أنفسهم، المستفيدين من عدم عقده هناك دوراً ما متعاوناً مع ذلك الحزب، أُثيرت المسألة بشكلٍ آخر أثناء انعقاد المؤتمر من خلال اصرار البعض على أن تُقيم قيادة الحزب الجديد، و بشكلٍ خاص سكرتيره في المناطق الكُردية السورية، و قد خلف ذلك بدوره عاصفةً كادت أن تُطيح به الى أن تم تجاوز هذه العقدة بالتراجع عنها، ليتبين فيما بعد أنه كانت هناك نية مبيتة لتعيين قيادة الحزب من المقيمين في داخل سوريا، و في منطقة يتواجد فيها النظام و طاقمه، حتى لو تم ذلك من خلال الاطاحة بآخرين يمكن أن تكون أسهمهم أعلى حسبما سيتبين من من خلال مجريات المؤتمر و انتخاباته الداخلية.
لكن تلك لم تكن العقدة الوحيدة التي تم تجاوزها بحلول غير مناسبة، فقد كان هناك اتفاق سابق على محاصصة بين الأحزاب الأربعة على أعداد مندوبي المؤتمر و كذلك على نظام نسبي لقيادة الحزب الجديد، و قد سرى ذلك أيضاً على كتلة أُطلق عليها تسمية “الكتلة الضامنة”، كان المفترض بهذه الكتلة أن تضم شخصيات أقرب الى أن تكون مستقلة و لكنها قد لا تتمتع بتأييد حزبي واسع، جرى الاتفاق على تشكيل تلك الكتلة بغية تشكيل أرضية مشتركة بين الأحزاب الأربعة و الحفاظ على خط وسطي جامع بينها و ضخ دماء جديدة الى جسد الحزب الجديد، لكن الذي حصل هو أن القيادات القديمة من الأحزاب الأربعة هي التي سارعت في اليوم الأول للمؤتمر الى تأمين استمرارها في القيادة فقفزت على عجل الى سفينة الكتلة الضامنة و حجزت كل مقاعدها تاركةً “مُغامرة” الصراع على الكراسي المتبقية لخليط من الحزبيين القدماء و الجدد، و هنا، و بسبب الشللية و المناطقية و العشائرية التي كانت احدى المعايير الرئيسية في دعوة المندوبين، “أُنتخب” كثيرون ينتمون الى القرية أو المدينة ذاتها على حساب حرمان مناطق كثيرة من تواجد ممثلين لها في قيادة الحزب أو وجود ممثلين قلائل لها لا تتناسب مع انتشار حزب واحد على الأقل من أحزاب الاتحاد في تلك المناطق، و قد خلف ذلك، اضافةً الى وجود نظام “كوتا” عجيب أدى الى حرمان المرأة من التواجد بكثافة في القيادة، حتى أن احداهن قد حصدت أصواتاً أكثر من كثير من الرجال الذين تم تثبيتهم على حسابها، خلف احتجاجات واسعة حتى خُيل للمرء أن الأمر يتعلق بانتخابات برلمان و ليس مجرد مؤتمر حزبي محدود، و الواقع هو أن من يعرف طبيعة الحزب الجديد و تواجد أحزابه الأربعة في كل المناطق الكُردية، و بشكل خاص النهج الذي يتبناه و الدعم الذي يحظى به من قيادة أقليم كُردستان، سيفهم معنى الاحتجاجات و الصراع على التواجد ضمن صفوف الحزب و قيادته.
لقد لعبت حكومة أقليم كُردستان العراق، و تحديداً الحزب الديمقراطي الكُردستاني الذي يقود الأقليم دوراً رئيسياً في إطلاق الحزب من خلال مندوبين اثنين على دراية بالملف الكُردي السوري و يمتلكان خبرة في التعامل مع النظام السوري، كانت غاية الأقليم من خلال العملية الأخيرة، و خاصةً من خلال اختيار قيادة الحزب الجديدة هي تجميد الملف الكُردي السوري أو بكلامٍ أدق تجميد التوجهات القريبة من الثورة السورية، و وقف اندفاعة البعض من قيادات الحزب المحسوبة عليها ممن يمكن اعتبارهم “صقوراً” نحو المعارضة السورية و منعها من الذهاب أبعد من الانضمام الى تشكيلاتها على حساب اعطاء الدور لتوجهات تقليدية يمكنها أن تتعايش مع السلطة الموجودة في المنطقة الكُردية السورية و تستطيع أن تحني رأسها لها و ذلك للتخفيف من حدة “الصداع” الذي يأتيها من تلك الجهة، و هذا ما يُفسر في الواقع عدم وجود رصيد نضالي “أو حتى علمي” لقيادة الحزب الجديدة مقارنةً بقيادات أحزاب الاتحاد الرئيسية التي كانت لها جولات في مقارعة الأستبداد و شبيحته خاصةً خلال الثورة السورية، حتى أن سكرتير الحزب الجديد كان يقيم حتى لحظة انعقاد المؤتمر في القامشلي التي يسيطر عليها النظام دون أن يتعرض لأية مضايقة، في حين أن منزل سكرتير المكتب السياسي يقع و كما هو معروف ضمن المربع الأمني للمدينة مع الاشارة الى أن هذين القياديين لم يكونا من بين من حصلا على أعلى الأصوات في انتخابات اللجنة المركزية التي جرت خلال المؤتمر، لا بل أنهما لم يدخلا في التصويت العام كونهما كانا من عداد “الكتلة الضامنة”.

لقد أيقظ الحزب الديمقراطي الكُردستاني ـ سوريا عبر مؤتمره التوحيدي، و بسبب أسلوب دعوة المندوبين القائم على المحسوبيات و التكتلات و بحث بعض شخصياته عن المصوتين على حساب المنافسين، أيقظ المشاعر العائلية و العشائرية و المناطقية الكُردية السورية و أججها لأسباب كثيرة أهمها افتقاره الى مشروع وطني جامع لخدمة الناس، و اقتصار ما حدث في “هولير” على إرضاء صقور الانشقاقات و عجائزها بهدف جمعها، و قد أوقعت تلك السطحية الحزب، بالاضافة الى القضاء على الآمال التي عقدت عليه، أوقعتهُ في مطب شرعية التمثيل بعد تهميش شخصيات هامة و استبعاد أُخرى و رفع أخرى هامشية كانت في صفوف أحزابها الخلفية، و هذا ما دفع بمكونات و مدن كاملة على الاحتجاج بسبب عدم رؤية نفسها في الحزب الجديد، حتى أن المرء بات يتسائل عن حقيقة الوحدة التي جرت، و فيما إذا كانت قد أبقت على حزب جماهيري يمكن المراهنة عليه حقاً، و هو ما كانت عليه الأمر بالنسبة لاثنين على الأقل من أحزابه، خاصةً أن هذا الحزب سينشغل خلال الفترة القادمة في معركتين: واحدة داخلية لها امتداد خارجي، و ستكون بين من بقي خارج الحزب و من استحوذ على الكعكة كلها، و بين المدمنين على الصراعات داخل الحزب نفسهُ خاصةً بسبب شعور المظلومية الذي ينتاب البعض بعد أن احساسهُ بخسارة كل شئ دون جدوى، في حين لن تقل معاركه الخارجية إلهاءً عن هذه و ستكون ساحتها الرئيسية الدوامة التي تعيشها المنطقة الكُردية السورية، و لعل أولاها هي معركة “الشرعية” التي ستجري في ظل “قانون ترخيص الأحزاب و الجمعيات” الذي تقوم سلطة حزب الاتحاد الديمقراطي بالاعداد لهُ، و الذي يتطلب من جميع الأحزاب و المؤسسات طلب الترخيص منهُ.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

خالد بهلوي تحت شعار “وقف العنف والتهجير – العيش المشترك بسلام”، وبمبادرة من مجموعة نشطاء من الشابات والشباب الغيورين، شهدت مدينة إيسين الألمانية يوم 21 ديسمبر 2024 وقفة احتجاجية بارزة للتعبير عن رفض الاحتلال التركي والتهديدات والانتهاكات التي يتعرض لها الشعب الكردي المسالم. الحضور والمشاركة: حضر الفعالية أكثر من مائه شخصً من الأخوات والإخوة الكرد والألمان، إلى…

د. محمود عباس ستكثّف الولايات المتحدة وجودها العسكري في سوريا وستواصل دعمها لقوات سوريا الديمقراطية (قسد) والإدارة الذاتية. تدرك تركيا هذه المعادلة جيدًا، وتعلم أن أي إدارة أمريكية قادمة، حتى وإن كانت بقيادة دونالد ترامب، لن تتخلى عن الكورد، لذلك، جاء تصريح أردوغان بعد عودته من مصر، ووزير خارجيته من دمشق اليوم كجزء من مناورة سياسية تهدف إلى تضليل الرأي…

شادي حاجي المرء لا يذهب إلى طاولة المفاوضات وهو خالي الوفاض وإنما يذهب وهو متمكن وقادر والمفاوض يكشف أوراقه تدريجياً تبعاً لسير العملية التفاوضية فعند كل منعطف صعب وشاق يقدم المفاوض بطريقة أو بأخرى معلومة ولو صغيرة حول قدراته على إيقاع الأذى بالطرف الآخر من أجل أن يكون مقنعاً فعليه أن يسأل عن مقومات الندية والتي تتركز على مسألة القوة…

إبراهيم اليوسف منذ سقوط النظام المجرم في 8 كانون الأول 2024 وتحول السلطة إلى السيد أحمد الشرع، بات السوريون، سواء أكان ذلك في العاصمة دمشق أو المدن الكبرى والصغرى، يتطلعون إلى مرحلة جديدة يتخلصون فيها من الظلم والاستبداد. حيث سنوات طويلة من مكابدات المعذبين في سجون الطاغية الأسد وأبيه”1970-2024″ كانت كفيلة بتدمير أرواح مئات الآلاف. إذ إن بعض…