فؤاد عليكو
لا أحد ينكر بأن اردوغان الشاب ذو التوجه الإسلامي المعتدل والمنحدر من أسرة فقيرة قد حقق لتركيا من نهوض اقتصادي فاق كل تصورات المتفائلين، واستطاع بعد استلامه السلطة في 2002وفي فترة قياسية لايتجاوز العشر سنوات أن يصل بتركيا الى مصافي الدول العشرين الأكبر اقتصادا في العالم، وتمدد شرقا باتجاه الدول الناطقة بالتركية وجنوبا باتجاه الدول العربية وشمال افريقيا واستطاع خلال فترة قصيرة بناء علاقات سياسية واقتصادية وتجارية متينة مع تلك الدول واكتسب شعبية كبيرة في العالم العربي والإسلامي سياسيا خاصة بعد موقفه القوي من اسرائيل بسبب اقتحام اسرائيل لسفينة السلام التركية المتجهة الى غزة لفك الحصار عنها، و انسحابه من مؤتمر دافوس 2009 لعدم اعطائه الوقت الكافي للرد على الرئيس الإسرائيلي شيمون بيريز،
مما دفع هذه النشوة بالنصر بوزير خارجيته احمد داود اغلو الى القول صراحة انهم سليل الإمبراطورية العثمانية المترامية الأطراف اوربيا وعربيا وأنهم يشكلون العثمانيون الجدد وفخورون بهذه التسمية لنا، وبعد تصاعد نجم الأخوان المسلمين في مصر بعد نجاح الثورة المصرية في يناير2011واستلامهم السلطة بعد ذلك وتسليم مرسي أوراق مصر السياسية والدبلوماسية القوية عربيا ودوليا الى أردوغان لاستخدامه لتوسيع نفوذه أكثر فأكثر، كذلك العمل على تطوير العلاقات الإقتصادية مع إيران مستغلا حالة الجمود والتوتر بين إيران والغرب بشأن الملف النووي، كل ذلك أثار حفيظة الدول الإقليمية وأوربا وأمريكا وتخوفهم من أن يتحول الشرق الأوسط في فترة قريبة الى منطقة نفوذ تركي بامتياز ويخل بالتوازن الإقليمي القائم منذ زمن طويل بين القوي الأربعة العرب ممثلا ب(مصر والسعودية) واسرائيل وإيران وتركيا، لذلك بدؤوا بلجم طموحه الخارجي فكان الإنقلاب العسكري في مصر وزج مرسي ومعظم قادة الأخوان في السجون وكان تقليص نفوذه في الثورة السورية بإبعاد المناصرين له من مركز قرار الثورة وتحويلها الى السعودية، و من ثم تأليب القوى الداخلية عليه بمختلف تياراتها الدينية والعلمانية وخلق قطيعة بينه وبين حليفه القوي فتح الله كولن رجل الدين المقيم في أمريكا والذي له نفوذ قوي داخل قوى الأمن والقضاء والمدارس الدينية التركية، فكان تسريب ملفات الفساد من قبل الأجهزة الأمنية بحق عدد من قادته ووزرائه ونجله من أصعب التحديات التي واجهها أردوغان خلال الشهور المنصرمة، كل ذلك من أجل سحب البلاط من تحته واسقاطه في عيون الشعب التركي وبالتالي خسارته لمعركة انتخاب البلديات والتي جرى في 30-3-2014، لكن أردوغان ونتيجة عمله على تطوير تركيا اقتصاديا وتحسين مستوى دخل الفرد التركي لم تستطع هذه القوى المجتمعة من الثأثير على الرأي العام الشعبي التركي اضافة إلى تقربه من الملف الكردي أكثر من أي زعيم تركي آخر ومحاولته حل القضية الكردية بالوسائل الديمقراطية وابعاد تركيا عن شبح استمرار الحرب الداخلية منذ 30 عاما وتسبب باستنزاف طاقات تركيا بشريا واقتصاديا وقد لاقى هذا التوجه قبولا من زعيم حزب العمال الكردستاني عبدالله أوجلان ذات النفوذ القوي بين أكراد تركيا الموجود في سجن إمرالي منذ1999، خاصة وأن اوجلان قد تخلى نهائيا عن فكرة قيام دولة كردية في كردستان الشمالية وانحصر مطالبه بالحقوق الثقافية الكردية والديمقراطية لتركيا ككل، مما سهل لأردوغان الدخول في حوار مباشر مع اوجلان منذ أكثر من عام وتمخض الحوار عن اعلان اوجلان سحب القوات العسكرية الكردية من تركيا مقابل بعض الإنفتاح على الموضوع الكردي، وبالفعل قد بدأ هذا الإنفتاح من خلال فتح قناة تلفزيوني باللغة الكردية وافساح المجال للغة الكردية والثقافة الكردية بالتعبير عن ذاتها في الاعلام والمكتبات التركية وكذلك فتح مدراس خاصة باللغة الكردية وتحسين الوضع الإقتصادي للمنطقة الكردية وتوفير فرص العمل للمواطنين الكرد، كل ذلك خلق تفاؤلا لدي الشعب الكردي بان مفتاح حل قضيته قد بدأ وأن اردوغان يملك من القوة الشعبية والجرأة السياسية في فتح حوار جدي و مباشر وقانوني مع اوجلان يفضي الى صيغة تفاهم بين الطرفين، وهذا ما عبر عنه اوجلان في رسالته الأخيرة للشعب الكردي في عيد نوروزـ وهذا ما دفع أيضا بالشعب الكردي الوقوف الى جانب أردوغان والتصويت له في المدن التركية الكبرى كإستنبول وانقرة اضافة إلى استقطابه لاصوات كبيرة في الولايات الكردية ونجاحه في بعضها وحصوله على المزكر الثاني في البعض الأخرى، وهذه تعتبر رسالة مشجعة لأردوغان بالمضي قدما في حل القضية الكردية ديمقراطيا وعبر الحوار مع ممثلي الشعب الكردي، وفي حال تحقق له ذلك فإنه سوف يكسب تاييد وتعاطف الشعب الكردي في الأجزاء الأخرى ولدى الجالية الكردية النشطة في اوربا وأمريكا، ويصبح الكرد ورقة قوية بيده في الشرق الوسط يضمن له الإستمرارية في السلطة ومواجهة خصومه بكل اقتدار داخليا وخارجيا بدلا من ان تشكل عدم حلها عبئا اضافيا يستغلها الخصوم للنيل منه متى أرادو وينفض حوله الكرد بنفس الوقت.
إذا نستطيع القول أن أردوغان أخفق خارجيا ونجح داخليا لكن الى حين، وبقاءه وسقوطه مرهون بحله للقضية الكردية او بفشله في حلها والأيام والشهور القادمة ستكون تركيا حبلى بالتطورات الدراماتيكية على الصعيد الداخلي ومحكا حقيقيا لوعود اردوغان للكرد.
في 6-4-2014