عندما تصبح الحقيقة في يدك جمرة نار

جان كورد


ظل إعلام حزب العمال الكوردستاني الذي يتهمه البعض ب”الفاشية الإعلامية” منذ تأسيسه يتهم كل من ليس على خطاه سياسياً وآيديولوجياً بالخيانة للشعب الكوردي وبقلة الشرف والكرامة، وشمل الاتهام التاريخي الكبير مثقفين وسياسيين وعلماء دين ورؤساء عشائر واقطاعيين وتجاراً وفلاحين، نساءً ورجالاً، وطارد أنصار هذا الحزب المعارضين لسياسته وقتل من “الخونة!” ما لا يقل عن 17000 إنسان كوردي حسب اعترافات زعيمه وشقيق زعيمه، وحدثت هذه الجريمة الكبرى باسم ثورة “الحرية والاستقلال” وتحت شعار “المقاومة حياة” و”النضال الثوري ضد الامبريالية والصهيونية والرجعية…”
ولا يغيب عن البال أن هذا الحزب قد اتهم قيادات أحزاب كوردية كاملة بأنها “آتاتورك” وعملاء نظامه المعادي للكورد وكوردستان… فصفق له الشعب الكوردي في كل مكان وقدم له فلذة كبده، فتياناً وفتياتٍ في عمر الورود، آلافاً عديدة، جاؤوا من كل حدبٍ وصوب، ومن كل أرجاء كوردستان على وجه الخصوص، ليسقط منهم عدد كبير في سبيل “حرية واستقلال” شعب كوردستان. وليتم تصفية المئات منهم على أيادي رفاقهم ومسؤوليهم، وإن نساء الكورد كن ينزعن من أياديهن وأعناقهن ما لديهن من أساور وخواتم وهدايا ذهبية لدعم صندوق الحزب… فنال الحزب تأييد الشعب وصار زعيمه “القائد الوطني” و “رئيس الرؤساء!” الذي لا ينازعه أحد الزعامة، بل صار معصوماً عن الخطأ وأشد الناس رهبةً بين الشعب الكوردي، في حين أن سائر الزعامات الأخرى صارت تتعرض إلى النقد والمطالبة بمحاسبتها على “الخيانة العظمى” لأنها لا تطالب إلا بالحكم الذاتي عوضاً عن الاستقلال أو تتحرك ضمن الظروف المتوفرة سياسياً، وليست لديها الجرأة لقيادة الشعب الكوردي إلى الحرية و”نعيم الشيوعية” بل إن الحرب عليهم اتخذت شكلاً فعلياً لفترةٍ من الزمن مع الأسف، كما حدث في جنوب كوردستان… (هنا سيقول بعضهم: لماذا الحديث عن الماضي الذي ندفنه الآن؟ وكأن عودة الإنسان إلى تاريخ حركته السياسية خيانة!!!)
واليوم نرى انعقاد ندواتٍ لحزب السلام والديموقراطية “غير المحظور” في تركيا تحت صورة مصطفى كمال إلى جانب الراية التركية في حجمٍ كبير، وهذا الحزب معلوم عنه بتبعيته المطلقة لقيادة حزب العمال الكوردستاني وبأنه مؤسس من قبله… بل نرى كيف أن بعض قادته يطالبون الآن بما هو أدنى من “الحكم الذاتي” ومن ذلك المطالبة بتكوين “كانتونات” في شمال كوردستان على غرار الكانتونات الآبوجية في غرب كوردستان، وهي ليست إلا عملية تقطيع لأوصال الشعب الكوردي تحت شعار “الإدارة الذاتية” و “الأمة الديموقراطية”  ولا يقول عنه أحد بأنه “خان قضية الأمة الكوردية”، بل يجد له الناقدون الأعذار  والذرائع ويدعمون خطواته أيضاً بذريعة أنه “ملأ الفراغ الإداري” في غرب كوردستان، إلا أن المطالبة بإقامة كانتونات في شمال كوردستان ستجد لها ذرائع أخرى لأنه ليس هناك “فراغ إداري” في أي منطقة من تركيا حسب علمنا…
حزب العمال الكوردستاني لم يعتذر حتى الآن للشعب الكوردي عن تطاوله على كل مقدسات هذا الشعب وعن سياسته العدائية تجاه سائر الحركة الوطنية الكوردية في عموم كوردستان، تلك السياسة التي لم تجلب سوى التمزق والنزاع إلى صف المناضلين الكورد، فسكت معظم المثقفين الكورد عن ذلك أيضاً لأنه “لا حاجة إلى نبش القبور التي تفوح منها الروائح الكريهة!” وعسى الزمن يغير من “عقلية التسلط” وإلى ذلك الحين ستجري مياه كثيرة من تحت جسر التآخي الكوردي… إلا أن هذه العقلية بالذات لا تزال تدفع بعض المثقفين الآبوجيين ومن على خطاهم إلى شن أبشع الحملات التضليلية حتى الآن، على الأفراد وعلى الجماعات الكوردية المخالفة لها مستخدمة غالب الأحيان ذات المصطلحات السيئة والبذيئة تجاه الآخرين، وليس بين المثقفين المعارضين لسياسات حزب العمال الأخيرة من لم ينل نصيبه من الشتائم والمسبات وتهم الخيانة والتهديد بالمحاسبة… في حين يحمل الآبوجيون في غرب كوردستان يافطة كبيرة كتب عليها (نحن في حرب مع داعش وليس مع النظام) وفي الحقيقة إن داعش جزء من النظام ذاته شاؤوا أم أبوا، والنظام هو الذي يوقد نيران الفتن لإضعاف الجميع في سوريا والخروج من محنته بسلام، مستخدماً في ذلك عملاءه في كل مكان…
برر الآبوجيون عدم تعرضهم لتمثال الدكتاتور البائد حافظ الأسد في وسط مدينة القامشلي الكوردية، وتظاهراتهم المارة بجانبه بأعلامهم وصور قائدهم، بل والدوران حوله، على الرغم من تحطيم تماثيله في أغلب المدن السورية بأن “الكورد يريدون أكل العنب وليس ضرب الناطور!!!”، فسكت الوطنيون الكورد إماً خوفاً من اتهامهم بالعمالة للأمريكان وتركيا وإسرائيل وداعش أو درأً لهجماتهم التي لا تزال تحدث هنا وهناك… ولكن في شمال كوردستان أيضاً يجلس أنصار حزب العمال الكوردستاني من حزب السلام والديموقراطية تحت صورة مصطفى كمال الذي كان يقول عنه السيد أوجالان أثناء ثورته التي خمدت لأسبابٍ عديدة بأنه “العدو رقم 1” للأمة الكوردية، فهل الحفاظ على تمثال حافظ الأسد وعقد الندوات تحت صورة مصطفى كمال مصادفة ولا علاقة فيما بين الحالتين؟
… عجباً كيف يسكت المثقفون الكورد عن كل ما يقوم به حزب الآبوجيين ويشحذون سيوفهم للهجوم المكثف على سائر القيادات الكوردية الأخرى لدى وقوعها في أصغر الأخطاء؟ بل إن هناك مواقع إلكترونية تتصيد الهفوات التي يقع فيها هذا الحزب أو ذاك وتنبش كتب التاريخ لتكتشف أخطاء هذه القيادة أو تلك ولكنها تسكت وكأنها “مقابر ” في حالة حزب العمال هذا. أهو الخوف أم التهرب من مسؤولية المثقف أم التحزب الأعمى؟
لقد أدهشتني “كذبة نيسان” التي أطلقها بالكوردية الناشط الناقد الجريء قادو شيرين عن قيام الآبوجيين بتحطيم تمثال حافظ الأسد في القامشلي… وباعتقادي أن الحقيقة عندما تصبح جمرة نارٍ   في يد الإنسان تبرز أهمية دور المثقف، ولذلك فإن بعض المثقفين
ومنهم لوركا الاسباني يستحقون التقدير في كل العصور…

 

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest


0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

فرحان مرعي هل القضية الكردية قضية إنسانية عاطفية أم قضية سياسية؟ بعد أن (تنورز) العالم في نوروز هذا َالعام ٢٠٢٥م والذي كان بحقّ عاماً كردياً بامتياز. جميل أن نورد هنا أن نوروز قد أضيف إلى قائمة التراث الإنساني من قبل منظمة اليونسكو عام ٢٠١٠- مما يوحي تسويقه سياحياً – عالمياً فأصبح العالم يتكلم كوردي، كما أصبح الكرد ظاهرة عالمية وموضوع…

شيركوه كنعان عكيد تتميز سوريا كما يعرف الجميع بتنوعها القومي والديني وكذلك الطائفي، هذا التنوع الذي استطاعت السلطة البائدة أن تبقيه تحت السيطرة والتحكم لعقود طويلة في ظل سياسة طائفية غير معلنة، ورغم أن علاقة الدين بالدولة بقيت متشابكة، إلا أنها لم تصل إلى حد هيمنة العقلية الدينية أو الطائفية على مؤسسات الدولة بصورة صريحة. أدى ذلك الوضع تدريجيًا إلى…

علي جزيري نشرت جريدة قاسيون، في الخميس المصادف في 17 نيسان 2025 مقالاً تحت عنوان: “لماذا نحن ضد الفيدرالية؟” انتهج القائمون عليها سياسة الكيل بمكيالين البائسة بغية تسويق حجتهم تلك، فراحوا يبرّرون تارة الفيدرالية في بلدان تحت زعم اتساع مساحتها، ويستثنون سوريا لصغر مساحتها…! وتارة أخرى يدّعون أن سويسرا ذات (أنموذج تركيبي)، يليق بها ثوب الفيدرالية، أما سوريا فلا تناسبها…

صلاح عمر منذ أن خُطّت أولى مبادئ القانون الدولي بعد الحرب العالمية الثانية، ترسخ في الوعي الإنساني أن الشعوب لا تُقاس بعددها ولا بحدودها، بل بكرامتها وحقها في تقرير مصيرها. ومنذ ذلك الحين، أُقرّ أن لكل شعب الحق في أن يختار شكله السياسي، وأن ينظّم حياته وفق هويته وتاريخه وثقافته. هذا المبدأ لم يُولد من رحم القوة، بل من عمق…