أصبح واضحا أنهم لا يسمحون بنجاح ثورة الشعب السوري، والتي يجدونها مسلوبة من قبل المنظمات الإرهابية والإخوان المسلمون ومعهم بعض الشخصيات المعارضة الذين كانوا وطنيين يوماً ما وأصبحوا متشددين لا يقلون عن الجهاديين في العديد من مفاهيمهم، وبناءً على آراء مستشارين لا قيمة للشعب وثورته لديهم، ولا رؤية إلا عبر مصالحهم، يغضون الطرف عن المعارضة الوطنية وعن الشعب السوري الذي يصارع السلطة بعملية وجود أو لا وجود.
مع ذلك هناك في بعض المواقع ستتلاقى مصالحهم والشعب السوري، وعلى الأغلب أن أمريكا وأوروبا في كثيره ينتظرون خروج تام للأسلحة الكيمائية، أي خط براك أوباما الأحمر وكأنها لا تزال عقدة في مواقفه، ولا نستبعد مواقف أكثر صرامة بعد التأكيد على إخراج أخر قطعة منها، فالخوف هنا من الجهاديين أكثر مما هي من سلطة الأسد، فهذا الترقب وهذه السياسة تدركها كل من روسيا وسوريا، لهذا نرى تماطلهم، بإخراج وإتلاف الأسلحة، وتمديدهم للزمن المحدد قدر المستطاع، رغم نفي ما يقومون به، وهو النفي المتعود عليه العالم من خلال الدعم الدبلوماسي أثناء قيام السلطة بمجازرها الإجرامية ومثلها التدخلات الفاضحة من قبل القوى والمنظمات التي تدعم الأسد في وجوده، والبعض من الأحزاب الانتهازية والمنظمات الإرهابية المرتبطة تكتيكيا بالسلطة تستخدم نفس النهج، أي نفي الحقيقة رغم وضوحها.
ففي كل هذا وغيرها، تطفوا على السطح أحيانا خلافات بين السياسيين الأمريكيين أنفسهم، بين الجمهوريين والديمقراطيين، وبعضها على سويات الدور الأمريكي الخارجي وتقليصه، البارزة بشكل واضح، والفاضحة في الإعلام وبين مراكز الدراسات الاستراتيجية، ومثلما العلاقات الاقتصادية الداخلية والخارجية، فلا يخفي أي من الطرفين وجهة نظره ونهجه السياسي والدبلوماسي في هذه الأبعاد، خاصة أثناء الدعايات الانتخابية. فالحزبان عادة يركزان على قدرة أقناع الشعب بالمنطق الذي يمكن من خلاله تقليص البطالة وزيادة مستوى رفاهية الشعب، إما عن طريق دعم الطبقة المتوسطة أو الشركات الكبرى كحافز لجميع شرائح المجتمع وتحريك الاقتصاد، كل حسب وجهة نظره، فالجمهوريين أصحاب النهج في دعم الرأسمالية والمنافسة الحرة، وكما نعلم أن معظم الحروب التي شاركت فيها الجنود الأمريكيين ظهرت في فترة إدارة الجمهوريين، وهو نهج مبني على أن حراك الاقتصاد يجب أن يكون متداخلا ما بين الداخل والخارج، وهو الفضاء العالمي الذي يلغي الحدود الجغرافية لأنهم يركزون على الشركات الرأسمالية العالمية، لتحريك وتطوير الاقتصاد الداخلي، في الوقت الذي يركز فيه الديمقراطيون على الطبقة المتوسطة والتي لا تخرج في كثيره عن نطاق جغرافية أمريكا، فالبعض من الأمريكيين يبررون عدم تدخل الإدارة الأمريكية الحالية المباشر في القضية السورية بالتالي: وهي الرؤية الداعمة بحد ذاتها لنهج الإدارة المعروفة بليبراليتها ضمن الحزب الديمقراطي، والغريب أن الذين يطرحون الأفكار التالية هم من الحزبين.
1-بالرغم من إننا حررنا الشعب العراقي من حكم الطاغية صدام حسين، أصبحنا استعماراً لدى المعارضة العراقية والبعض من المثقفين العرب.
2-تلقينا من الليبيين، الذين خلصناهم من معمرهم المجنون، هدية إجرامية، فقد قاموا بقتل قنصلنا الأول كريستوفر ستيفنسون وحرق القنصلية وأصبحنا دولة كافرة في كل شمال أفريقيا.
3-أفغانستان لا تزال تستجدي لبقاء قواتنا فيها، وهم في الحقيقة لا يروننا سوى دولة استعمارية كافرة.
4-هكذا الأن أمريكا، بالنسبة لمعظم المنظمات العربية وأغلب مثقفيهم، دولة استعمارية وصدام ومعمر وغيرهما أصبحوا أبطال قوميون وقفوا في وجه دولة غازية.
5-رغم كل الحماية التي نقدمها لدول الخليج للحد من الاجتياح الإيراني لا يروننا سوى كفار ويكرهوننا بلا حدود.
هذه وغيرها من القناعات الحاضرة بين شريحة لا يستهان بها من الشعب الأمريكي والأوروبي أيضاً، والتي تعتمد عليها الإدارة الأمريكية الحالية لتثبت أن معظم الدول والشعوب الإسلامية تتبنى ثقافة مناهضة للأمريكيين مهما كانت طرق أو نوعية المساعدات التي تقدمها، ولا يستبعدون ظهور ونشر نفس المفاهيم حولها في حال تدخلها أكثر من الجاري في القضية السورية، حتى ولو أدت إلى أنقاد الشعب من سلطة الأسد المجرمة، والتي قد يصبح بعدها بطلا قوميا! وفي كل الأبعاد تبقى الثقافة المنتشرة بين شعوب العالمين العربي والإسلامي معادية للوجود الأمريكي والأوروبي رغم كل الارتباطات السياسية والصناعية والثقافية بهم.
بل والبعض حتى ولو كانوا قلة لكنها موجودة وتسمع، الذين يقولون بأنه الأفضل للحركات الجهادية والإرهابية والسلطات الطاغية تصفية ذاتهم بذاتهم، علهم يتمكنون من تغيير الثقافات المشوهة والخاطئة تجاه الأخرين والتعامل بالمنطق الإنساني. وللأسف هذه المفاهيم تدفع ببعض السياسيين ومستشاريهم أن يتناسوا فيه الإنسانية المدمرة ودور إداراتهم فيها!
البعض من السياسيين والعسكريين الكبار يتبنون هذه الدعاية، وكثيرا ما يقولون لماذا سنتدخل في سوريا بشكل مباشر ونضحي بشبابنا هناك، وتكفيرييهم سيصبحون شهداء وجنودنا مجرمون، والبعض منهم لا يرون ذاتهم سوى رسل السلام والمساعدة للشعوب، ومن أحد الكبار الذين صرح بمثل هذا الموقف كان رئيس الأركان الجنرال مارتن ديمبس، عندما قارن بين حزب الله والقاعدة في سوريا، في الوقت الذي يقدمون فيه كل المساعدات الإنسانية الممكنة للشعوب المستجيرة من طغاتها، وهو الموقف الذي لا يكتمه شريحة من الشعب الأمريكي عند التحدث عن السياسة الخارجية وتدخل الجيش الأمريكي المباشر.
لا شك المصالح كلنا نتكالب عليها، حتى ولو كانت دعم الثورة السورية لوجه الله، فإنهم يرون مصلحتهم من خلال وجه الله، وهذه حقيقة، رغم ظهور الأنانية فيها بكل أبعادها، إلا أنه منطق كلي، فكل من يعمل لوجه الله يندرج في بعضه أو بكليته لمصلحته، فالله غني عن أعمال الإنسان، والإنسان يستخدم خدمة الله لمصلحته، والمصالح تتنوع من دنيوية إلى مصالح للأخرة، وفي النهاية كلها مصالح إن كانت فردية أو مصالح شعوب أو دول، رغم إن البعض يفرزها ما بين الأنانية والمصلحة الطيبة أو القيم والأخلاق في العملية، وهذه الأحكام تتغير من حيث وجهات النظر، واختلاف الرؤى والزوايا التي تنظر منها وإليها.
ومن يدعي انه لا يبحث عن مصالحه ينافق على ذاته قبل أن ينافق على الأخرين، فرداً كان أم شعوباً أم منظمات ودول، لكن وتبقى من مصلحة العالم والإدارة الأمريكية والأوروبية التخلص من سلطة بشار الأسد الشمولية، التي أغرقت المنطقة بكل الأوبئة، وإعادة الشعب السوري المهجر إلى وطنه.
د. محمود عباس
الولايات المتحدة الأمريكية