البعثيون يدخلون عبر بوابة «روداو» الى أقليم كُردستان

حسين جلبي

أفتتحت قبل أكثر من سنة في أقليم كُردستان قناة كُردية تسمى روداو “الحدث”، كانت القناة مشروعاً طموحاً بامكانيات كبيرة توقع لها المراقبون، و بسبب الإمكانات اللامحدودة التي وضعت في خدمتها، أن تحتل مكانة متقدمة حتى أبعد من مستوى الإعلام في الأقليم، و قد ساد التفاؤل الأوساط الكُردية السورية بسبب وضع قضيتهم على صدر أولويات القناة و وجود عدد كبير من الإعلاميين الكُرد السوريين ضمن طاقم العمل.

لكن القناة شهدت اضطراباً حاداً بعد إنطلاقة جيدة، و تمثل ذلك صعوداً و هبوطاً حادين أثر على حضورها بين الناس بعد أن كان الجمهور يترقب و بشكل خاص ساعتها الاخبارية المسائية الموجهة الى كُرد سوريا.
إلا أن ما لم يكن متوقعاً في زمن الثورة هو أن تصبح هذه القناة “المستقلة” منبراً كُردياً لمسؤولي نظام الأسد و شبيحته، حيثُ أصبح يطل على المشاهدين في الفترة الأخيرة و بشكلٍ شبه يومي شريف شحادة و عمران الزعبي و عمر أوسي و أعضاءً في مجلس شعب النظام و موظفين آخرين لديه ليحتلوا مساحة كبيرة و يبرروا من خلالها جرائمه و يتهجموا على الثورة و يقومون بتشويهها، و هم الذين لا يحتاجون في الحقيقة الى منبر بسبب توافر الكثير منها لدى النظام و داعميه، حيثُ يمكن لمن يرغب متابعتهم على قنوات التشبيح الكثيرة، إلا أنهُ لا يغيب هنا التذكير بأن النظام نفسهُ لا يقيم وزناً لهؤلاء الذين تُكرمهم روداو، كما أن لا أحد من داخل البلاد يحمل كلامهم على محمل الجد، و رغم ذلك تفرضهم القناة على مشاهديها من خلال عملية “دس السم في الدسم”.
من جهةٍ أُخرى أصبحت روداو تتحفنا خلال نشرتها الاخبارية المذكورة بمقتطفات من أقوال الصحف السورية، حيثُ بتنا نشاهد أخباراً مما تنشره ” البعث، تشرين، الثورة، الوطن أو وكالة سانا الرسمية التابعة للنظام”، و هذه الصحف لا يقرئها السوريون عادةً في الداخل بسبب منسوب الأكاذيب فيها و هي لم تعد تستعمل حتى لمسح الزجاج خشية من أن تزيده سوءاً، و الصحف متوفرة على كل حال على الانترنت و بامكان من يرغب من خارج سوريا الإطلاع عليها، إلا أن روداو تقدم خدمتها هنا أيضاً.
هنا يبقى السؤال الكبير: ما الذي يرغم قناةً كُردية مثل روداو على القيام بدعاية رخيصة لنظام الأسد و الترويج لصحفه الكاسدة؟ كيف نفهم ظهور صحيفة “البعث” على شاشة قناة كُردية تبث من الأقليم بعد أن عانى أهلهُ من البعث و أهلهُ؟ الحقيقة أن الأمر أبعد من أن يكون متعلقاً بحرية الرأي أو اظهار وجهات النظر المختلفة، لكن كل الأسئلة ليست مفتوحة، إذ أن لدينا اجاباتٍ على بعضها و سنحتفط بها في الوقت الحالي، لكننا نستطيع القول و بشكلٍ صريح بأن أصابع النظام لم تُقطع بعد على ما يبدو، و هناك من يستغل كلمة “كُرد” التي يثق بها الناس، فيستعملها للأسف كعلامة تجارية يستفيد منها، ليس أكثر.

شهداء حلبجة منعوا دخول البعثيين الى روضة جنتهم بعبارة صريحة، لكن البعثيون يدخلون عبر بوابة “روداو” الى أقليم كُردستان، نأمل أن تتوقف عن لعب دور حصان طروادة.

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

محمود عمر*   حين أزور دمشق في المرّة القادمة سأحمل معي عدّة صناديق لماسحي الأحذية. سأضع إحداها أمام تمثال صلاح الدين الأيوبي، وسأهدي أخرى لبيمارستانات أخواته الخاتون، وأضع إحداها أمام ضريح يوسف العظمة، وأخرى أمام قبر محمد سعيد رمضان البوطي، وأخرى أضعها في قبر محو إيبو شاشو، وأرسل أخرى لضريح هنانو، ولن أنسى أن أضع واحدة على قبر علي العابد،…

مصطفى جاويش بعد مضي عام على معركة ردع العدوان وعلى سقوط النظام السوري ووصول احمد الشرع الى القصر الرئاسي في دمشق بموجب اتفاقيات دولية واقليمية بات الحفاظ على سلطة الرئيس احمد الشرع ضرورة وحاجة محلية واقليمية ودولية لقيادة المرحلة الحالية رغم كل الاحداث والممارسات العنيفة التي جرت ببعض المحافظات والمدانة محليا ودوليا ويرى المجتمع الدولي في الرئيس احمد الشرع انه…

ماهين شيخاني مقدمة يواجه الشعب الكوردي في سوريا منذ عام 2011 تحولات سياسية وأمنية عميقة، أفرزت بيئة معقدة تتداخل فيها عوامل داخلية وخارجية. وفي ظل غياب تسوية سياسية شاملة، برزت ثلاثة أطراف رئيسية تركت أثراً مباشراً على مسار القضية الكوردية وعلى الاستقرار الاجتماعي والسياسي في مناطق توزع الكورد. هذا “الثالوث” يشمل الجماعات المتطرفة، والإدارة الذاتية، والمجلس الكوردي، وكلٌّ منها يمتلك…

حسن مجيد في الوضع الكوردي العام وبشكل خاص في إقليم كوردستان العراق كل أصناف المعارضة مرفوضة وخاصة المسلحة منها فالقيام بأعمال الشغب حتى لو لم تكن مرتبطة بأجندات إقليمية أو خارجية فقط يحق لك أن تعارض ضمن مجالات حرية الرأي والتعبير . إن النيل من المنجز بطرق غير شرعية وتخريبية تخدم المتربصين والذين لايريدون الخير للكورد . الواجب الوطني…