ما يحق للقرم… يحق للكورد …

نــــزار عيسى

إذا ما سلمنا جدلاً بمنطق الغرب وفق هواه ومصالحه في بعض الأحيان ومؤخراً الشرق ممثلة بروسيا وتوابعها في أن للشعوب الحق في تقرير مصيرها ورسم مستقبلها في أية بقعة من العالم وهو ما تطلقه وتتشدق به هذه الأيام روسيا الاتحادية لجهة تأييدها التام للاستفتاء الذي جرى بالأمس في شبه جزيرة القرم والذي رتب له و أجراه برلمانها الموالي لروسيا كون ثلثي سكانها هم من الناطقون باللغة الروسية وهو ما جعل نتائج الاستفتاء تأتي متوافقة مع توجه حليفتهم روسيا ولتعبر عن طبيعة وحقيقة انتماء سكان الجزيرة والتي صوت فيها هؤلاء وبنسبة تجاوزت 90% لصالح الانفصال عن جمهورية أوكرانيا والانضمام لروسيا الاتحادية والتي عبرت بدورها عن غبطتها وسعادتها الكبيرتان بذلك لتؤكد للغرب وبإصرار تام أن ذلك هو حق مكفول لسكان الجزيرة وأنه يتماشى مع كل القوانين والمواثيق والأعراف الدولية المتبعة

فإن ذلك ووفق نفس القوالب والمقاييس والمواثيق الدولية ووفق  مبدأ المعاملة بالمثل يستوجب أن يطبق الأمر ذاته على الوضع الكوردي في اقليم كوردستان العراق من منطلق أن  ما يحق لشعب القرم يحق للكورد والتأكيد على حقه الأصيل في اجراء استفتاء حر وحقيقي يقرر فيه هذا الشعب مصيره ومستقبل اقليمه سواء أكان لجهة  التصويت ببقائه ضمن سيادة الدولة العراقية  الموحد ة مع الاحتفاظ بالميزات والمكتسبات الراهنة التي انتزعها منذ عشرات السنين بالإرادة الصلدة والعزيمة القوية و بالدم الغالي لخيرة أبنائه
 وذلك بعد مسيرة نضال شاقة ومريرة قدم خلالها هذا الشعب آلاف الشهداء والمهجرين والمنفيين والمغيبين  قسراً على مدى عقود خلت تجرع فيه الكورد في اقليم كوردستان  الويلات و الإبادات ظل الأنظمة البعثية المتعاقبة ومورست بحقه سياسات عنصرية شوفينية  تنكر وجوده كقومية عريقة على أرضه التاريخية وتسلب حقوقه كسائر شعوب العالم هذه الحقوق التي كفلتها جميع الشرائع السماوية أو مواثيق وضعية لهيئات ومؤسسات وجمعيات أقرتها ووقعت عليها جميع دول العالم بلا استثناء
أو لجهة تحقيق الحلم الكوردي الكبير والانفصال عنها واعلان دولتها الكوردية المستقلة والمعترفة دوليا ً وبحدودها الجغرافية الحالية وللمفارقة الطريفة فإن شبه جزيرة القرم والتي تتمتع بحكم ذاتي ضمن السيادة الأوكرانية منذ العام واحد وتسعون وتسعئمة وألف وهو نفس العام الذي تحرر فيه الاقليم الكوردي من سيطرة الحكومة المركزية في بغداد ثم شكل حكومته وبرلمانه وافتتح له قنصليات ومكاتب تمثيل في غالبية دول العالم وبات في الوقت الراهن أشبه ما تكون بالدولة المستقلة المكتفية في مجمل مناحي الحياة الاقتصادية والعسكرية والجيوسياسية  لكن هذا لا يعني بالطبع عدم وجود بعض المشاكل التي لاتزال عالقة مع الحكومة الاتحادية  في بغداد
ويبدو أن الخطوة الجريئة التي اقدمت عليها شبه جزيرة القرم قد غدت حقيقة ساطعة  لا لبس فيها بسبب الدعم والتأييد الروسي لها في كافة الجوانب الاقتصادية منها والسياسية وحتى العسكرية  رغم تهديدات كل من الغرب الأوربي والأمريكي  لها وتلويحها بعقوبات قاسية اقتصادية تطال مؤسسات وشخصيات روسية وأوكرانية موالية لها  وهو ما يبدو أن روسيا لا تعيره بالاً ولا تعطيه أهمية كبرى لكونها  واثقة من هيافة كل تلك التهديدات لأن الغرب كما تعتقد هي غير قادرة على الاستغناء عن الغاز الروسي والتي تمتلك  أكبر مخزون استراتيجي من الطاقة  في الشرق الأوربي
وعليه فإن حكومة اقليم كوردستان العراق مطالبة حاليا ًوأكثر من أي وقت مضى بالعمل الجاد على تهيئة الأرضية المناسبة لتحقيق ما تطمح إليه الحكومة  ويتطلع له الشعب الكوردي ليس فقط ابناء الإقليم بل عموم الشعب الكوردي في اجزائه الأربعة  
ولذلك لابد من التحرك على كافة  الجبهات سواء أكانت الدبلوماسية الاقليمية منها أو الدولية وخاصة الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن وكذلك على الصعيد الداخلي من خلال اتخاذ خطوات عملية سريعة مع كل الأفرقاء في العراق وخاصة حلفاء التحالف الكوردستاني في البرلمان العراقي والسعي الحثيث إلى إذابة الجليد مع الحكومة المركزية عبر حنكة وفطنة سياسية وحلحلة كل تلك القضايا والمشاكل العالقة بين الطرفين وعلى رأسها مسألة كركوك التي اعتبرها البارزاني الخالد قلب كوردستان فلا حياة لكوردستان بدون هذا القلب النابض بالخيرات…

 

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف تعود سوريا اليوم إلى واجهة الصراعات الإقليمية والدولية كأرض مستباحة وميدان لتصفية الحسابات بين القوى الكبرى والإقليمية. هذه الصراعات لم تقتصر على الخارج فقط، بل امتدت داخليًا حيث تتشابك المصالح والأجندات للفصائل العسكرية التي أسستها أطراف مختلفة، وأخرى تعمل كأذرع لدول مثل تركيا، التي أسست مجموعات كان هدفها الأساسي مواجهة وجود الشعب الكردي، خارج حدود تركيا،…

روني آل خليل   إن الواقع السوري المعقد الذي أفرزته سنوات الحرب والصراعات الداخلية أظهر بشكل جلي أن هناك إشكاليات بنيوية عميقة في التركيبة الاجتماعية والسياسية للبلاد. سوريا ليست مجرد دولة ذات حدود جغرافية مرسومة؛ بل هي نسيج متشابك من الهويات القومية والدينية والطائفية. هذا التنوع الذي كان يُفترض أن يكون مصدر قوة، تحوّل للأسف إلى وقود للصراع بسبب…

خالد حسو الواقع الجميل الذي نفتخر به جميعًا هو أن سوريا تشكّلت وتطوّرت عبر تاريخها بأيدٍ مشتركة ومساهمات متنوعة، لتصبح أشبه ببستان يزدهر بألوانه وأريجه. هذه الأرض جمعت الكرد والعرب والدروز والعلويين والإسماعيليين والمسيحيين والأيزيديين والآشوريين والسريان وغيرهم، ليبنوا معًا وطنًا غنيًا بتنوعه الثقافي والديني والإنساني. الحفاظ على هذا الإرث يتطلب من العقلاء والأوفياء تعزيز المساواة الحقيقية وصون كرامة…

إلى أبناء شعبنا الكُردي وجميع السوريين الأحرار، والقوى الوطنية والديمقراطية في الداخل والخارج، من منطلق مسؤولياتنا تجاه شعبنا الكُردي، وفي ظل التحولات التي تشهدها سوريا على كافة الأصعدة، نعلن بكل فخر عن تحولنا من إطار المجتمع المدني إلى إطار سياسي تحت اسم “التجمع الوطني لبناء عفرين”. لقد عملنا سابقاً ضمن المجتمع المدني لدعم صمود أهلنا في وجه المعاناة الإنسانية والاجتماعية…