ثانياً، الناحية السياسية والتي لها عدة غايات منها:
1- تندرج ضمن عمليات المناسفة لروسيا لما قامت بها في القرم.
2- الضغط على السلطة السورية لتحجيمها في عدة مواقف، منها عدم الغاء محادثات جنيف، والشروط التي يجب تقبلها قبل إجراء الانتخابات الرئاسية، وهي الخطوة التي ستحدث وبدون اعتراض رسمي من أية جهة دولية معنية بالقضية السورية.
3- كما أنه تنبيه لإبلاغ سلطة الأسد في عدم نقل مشاكلها إلى مجالات دولية أكثر من المسموح لها.
ثالثاً، الأبعاد العسكرية داخل سوريا، وهي الأهم:
1- فقد بدأت تظهر للجميع عودة عكسية للجهاديين إلى أوطانهم وبينها الدول الأوروبية وهذه كانت على خلفية القناعة التي انتشرت بينهم وبين قسم كبير من المعارضة السياسية في الداخل والخارج، على أن الدول الصديقة للشعب السوري وعلى رأسها أمريكا، أصبحوا يقلصون دعمهم في كل المجالات ليس فقط السياسية بل والعسكرية، وبدا ذلك واضحا في المجال العسكري، فالسلطة تحرز انتصاراً وراء الأخر كما أن الجهاديين والتكفيريين أصبحوا يتقاتلون فيما بينهم أكثر ما يقاتلون السلطة، وهنا ظهرت قناعات على أن الجهاد غير صحيح وعليهم العودة إلى الوطن أو الانتقال إلى أرض جهادية أخرى أصدق وأكثر دعماً، لهذا ولتكذيب الدعاية والحد منها قامت واشنطن بهذه الخطوة ونشرتها في الإعلام السوري عامة والشرق الأوسطي أكثر بكثير من إعلامها الخاص.
2- وهي في حقيقتها ليس خوفا على خسارة الجهاديين في الثورة، بل هي الغاية التي تعمل عليها أمريكا وأوروبا وروسيا معا وهي إبقائهم على أن تحد من قدراتهم، والعملية تندرج ضمن خطط إبقاء التوازن بين الطرفين المتصارعين. ولا يستبعد حدوث ضربات مباشرة على جيش النظام بطرق ما، للتأكيد على أن الدعم والإسناد لا يزال ويبشر بتغييرات نوعية.
القضاء على الجهاديين والمنظمات الإرهابية الإسلامية أصبح في حكم العدم حاليا، وهي متعلقة بخطط استراتيجية ستعتمد على فترات زمنية طويلة المدى، مادامت منابع الجهاديين والتكفيريين هي كل العالم العربي والإسلامي، فالعملية تحتاج إلى تغيير في البنية الفكرية للعالم الإسلامي بكليته، كالثورة الفكرية التي حدثت في أوروبا بعد عصر الظلمات وظهور مراحل التنوير، لهذا فالخوف من أن تنتقل هذه القوة إلى أوطانها الذين قدموا منها وبينها أوروبا وأمريكا ويصبحون عندها بؤر قابلة للإرهاب في كل لحظة، هذه القضية هي التي تقلقهم، فمراقبتهم تحتاج إلى أموال طائلة وعمل مستمر.
تتردد في الأوساط السياسية وخاصة في الدول التي تجتاز الثورات مفهوما على أن أمريكا كإمبراطورية تمر في مرحلة الضعف، دون الدخول في تحليلات ودراسات علمية حول ظهور الإمبراطوريات إلى حين زوالها، وهنا لا يتعرضون إلى دراسة المجالات العسكرية والاقتصادية والثقافية وغيرها التي ترتكز عليها قوة أمريكا كإمبراطورية ولا يقارنون بينها وبين الدول التي تعد مناسفة لها كروسيا أو الصين، فما يظهر لا يحللونه كمرحلة يسيطر عليها سياسيون مرجحين قضايا داخلية على حساب سيادة أمريكا الخارجية، والتي هي نهج الليبراليين في الحزب الديمقراطي مقابل رغبة بوتين في إعادة الحكم الستاليني إلى روسيا حتى ولو كانت على حساب الشعب الروسي ومعيشته اليومية، والتي ستعيد الحياة إلى التقشف الماضي القريب، إذا ظهرت الحرب الباردة بشكل جدي، والاتحاد السوفيتي كمثال لا يزال في الأذهان لكل من عاشها.
كما وهنا لا يحدث تحليل منطقي بين موقف المصالح، مقارنة مصلحة أمريكا ومصالح الشعوب التي تستجير من طغاتها، وعلى رأسهم الشعب السوري، لا شك أمريكا وروسيا ومعظم الدول التي هي غارقة في الصراع السوري تبحث عن مصالحها أولا قبل أن يبحثوا في مصلحة الشعب السوري، كالخلاص من سلطة الأسد الشمولية الغارقة، أو الحد من المجازر والتي تعدت جميع القيم والأخلاق الإنسانية.
لا شك السياسة الأمريكية مترسخة على هذه الاستراتيجية وهي متمسكة بمفاهيمها وتبثها كإيديولوجية، صراع المصالح، بين العالم، وبناءً عليها تظهر مواقفها كسياسة متضاربة ومرتبكة في العديد من الحالات والمراحل، وكانت لها غايات من ورائها، ومنها مصالح شركاتها العالمية، والتي لا تتعرف على القيم والأخلاق عند تعرضها لأية انتكاسة، وبالتأكيد روسيا تجاري نفس النهج، بل وفي الواقع السوري، ظهرت كلية تخليها عن القيم والأخلاق الإنسانية بمساندتها لأحد ابشع السلطات الشمولية في العالم، ومساندتها لطاغية أستعمل كل أنواع القتل والدمار بحق الشعب السوري للبقاء في الحكم، وهذا ما كانت مصلحة روسيا تتطلبه فلم يتوانى من تقديم كل أنواع الدعم للقيام بمجازره بتخطيط روسي وتحت أبعاد التكتم الأمريكي في الواقع العملي.
يتبع…
د. محمود عباس
الولايات المتحدة الأمريكية