ما هو الحزب الذي يحتاج إليه الكرد؟

نارين عمر
narinomer76@gmail.com

الشّعب الكرديّ في سوريا ومنذ تأسيس أوّل تنظيم حزبيّ كرديّ يتطلّعُ إلى حزبٍ حقيقيّ مثال يكون بمثابةٍ الهالة التي تضمّهم جميعاً, تحتضنهم بودّ ورفق, توحّد رؤاهم ومشاعرهم. حزبٍ يتحوّل إلى مظلّةٍ ظليلة تلمّ شملهم, يحقّقون في حماها آمالهم وطموحاتهم في الوصول إلى أهدافهم في العيش الذي يليقُ بهم كشعبٍ وكأمّةٍ وقوميّةٍ عريقةٍ في الأصول والفروع.
مع ولادة أوّل حزب نبتت في قلبهم ونفسهم أزاهير الأماني, وأزهرت أكاليل الطّموحات, ولكنّها بدأت شيئاً فشيئاً تتوجّه نحو الذّبول واليباس حين بدأ هذا الحزب المثال, الرّمز يُصابُ بشروخٍ سريعة وهدّامة, تتسلّل إلى أعماق الجسدِ الكرديّ, فتنال منه النّفَسَ والنّبض, وبها بدأت تتعمّق الآلام, وتتصدّع الطّموحات إلى أن وصل ما يشبه اليأس أو القنوط لأنّ هذه الأحزاب ظلّتْ وما تزال تقليديّة, شكليّة لم تستفد من التغيّرات التي هبّتْ على منطقة الشّرق الأوسط والبلدان المجاورة, وظلّتْ تدورُ وتلفّ في حلقات ضيّقة رسمتْها هي نفسها من حولها ومن حول الجماهير الكرديّة, واعتمدت على أسس عائليّة أو عشائريّة أو شخصيّة هذا الأمر سبّب تعطيلاً وعطلاً في موكبّ التّقدّم والتغيّر الكردييّن. ولكنّ هذا الشّعب الأصيل وكونه يملك الإيمان المطلق بأحقيته في الوجود وفي العيش اللائق به, فقد نهض من جديد, وقرّر الاستمرار والدّيمومة بالمقاومةِ وروح التّحدي, وما يزال يبحثُ عن حزب مثاليّ, حقيقيّ يقوده إلى دروبٍ تحقّق له الأهداف والمطالب, فما هو الحزب الذي يحتاج إليه الكرد في سوريا؟
أوّلاً: يريدُ أن يكون حزباً مثالاً ومثاليّاً ليكون المثل الأعلى في الحريّة والدّيمقراطيّة لشعوب المنطقة وللشّعوب الأخرى, فنبرهن للعالم أجمع على أنّنا شعب نستحقّ مثلهم وربّما أكثر منهم العيش الهانئ الرّغيد في ربوع الوجود الفسيحة.
ثانياً:أن يحضر الكرد بمختلفِ فئاتهم وشرائحهم وطبقاتهم إلى اجتماع موسّع جدّاً, كلّ ضمن منطقته أو المساحة الجغرافيّة التي يتواجد فيها, يطلبون إليهم تشكيل الحزب الذي يرغبون به, وبعد ذلك يضعون كل المقترحات والملاحظات أمامهم, ويختارون منها ما يتوافق مع الحزب الذي يختارونه, ثمّ تُترَك لهم حرّيّة اختيار الّلجنة التي يودّون العمل فيها.
ثالثاً:يجب أن يعملَ كلّ شخص ضمن اختصاصه في الحزب, ولكن إن أكّد أحدهم أنّه يستطيع العمل في مجال آخر, وتبيّن للجميع أنّه قادر على القيام بواجبه فليكن له ما يريد, فلا يُعقل أن ينصّبوا محاميّاً أو طبيباً أو معلّماً للإشراف على لجان الأدب والثقافة وهو لا علاقة له بهذه الّلجان أصلاً, أو يعيّنوا مهتماً بالأدب والثقافة في الّلجان القانونيّة والحقوقيّة أو الصّحيّة أو الهندسيّة أو التّعليميّة التّربويّة, أو يأتوا بأشخاص لا علاقة لهم بكل هذه الاختصاصات ويعيّنوهم فيها بحجة أنّه قياديّون في لجان عليا,فما يهمّنا هو العمل والعطاء وتحقيق الأهداف.أي أن تتمّ عملية الاختيار وفق خطّة منهجية أكاديميّة, يقوم كلّ شخص بالعمل الذي يليق به ويستطيع إنجازه فعلاً.
رابعاً: الانتخابات وآلية إجرائها:يجب أن تُلغى من قاموس الانتخابات الكرديّة مسألة أو “فكرة” “التّكتّلات” و”التّجمّعات” أو أنّ الشّاطر هو مَنْ يلعب لعبته ويضرب ضربته ويفوز بأعلى الأصوات, والذي يضفي على هذا الأسلوب الشّرعيّة شخص غير سويّ خلقاً وفكراً وتقديراً, لأنّ الشّخص المستقيم والمخلص والسّويّ لا يلجأ إلى أساليب الخداع والنّفاق والكذب لذلك يظلّ خارج دائرة التّكتّلات والمحسوبيّات, فيخسر في الانتخابات, فيكون كلّ شيء من نصيب المخادع والمنافق وبهذا تبدأ مشاكلنا بالانفلات, إن لم نتمكّن من تحقيق مثل هذه الانتخابات فلنلجأ إلى عملية التّعيين, ولكن بعيداً عن التّكتّلات والمحسوبيّات أيضاً, قد يقول قائل هذه الأمور تحصل في أكبر وأكثر الدّول التي تنادي الدّيمقراطيّة والحرّية في “أوروبا وأمريكا” مثلاً, سنقول لهم: نعم, يتمّ ذلك, ولكنّنا سنتجاوزها, ونخلق نظاماً انتخابيّاً خاصاً بنا كشعب كورديّ, ليكون فيما بعد نهجاً يلتزمون هم به ويسيرون على منواله.
خامساً:النّظام الدّاخليّ للحزب والأهداف والمقترحات يجب أن يشارك في وضعها كلّ مَنْ لديه قدرة على المساهمة وإبداء الرّأي بغضّ النّظر إلى تحصيله العلميّ أو الأدبيّ أو طبقته الاجتماعيّة أو وضعه الماديّ.
سادساً:أن تُصاغ لجنة للعلاقات العامّة تضمّ الرّئاسة والنّيابة والمهام الأخرى بالتّناوب ولفترات زمنيّة محدّدة غير قابلةٍ للتّجديد على الأقلّ خلال السّنوات الأولى وهنا يجب أن تُراعى مسألة الكفاءة والقدرة والإمكانيّات, يجب أن يتأكّد الجميع من هذه الصّفات في الشّخص الذي يختارونه, فهناك أشخاص يعتقدون أنّ فيهم هذه الصّفات, فيرشّحون نفسهم لمناصب لا يستطيعون أداء واجبهم خلالها, يجب أن يُنّبهوا إلى ذلك بالحوار والتّفاهم إلى أن يوصلوهم إلى قناعةٍ أكيدةٍ بصحّة هذا المنطق. كما يجب ضخّ الحزب بين الفترة والأخرى بروح الشّباب فتظلّ العمليّة السّياسيّة والحزبيّة متجدّدة, مستحدثة على الدّوام.
سابعاً: الشّرط الأهم أن نتمكن من اختيار أعضاء متمتّعين بفنون السّياسة والدّبلوماسيّة, وهنا يكمن سرّ الحكاية, نعم, “السّياسة والحنكة والدّبلوماسيّة” التي تمنح أيّ شخص منّا القدرة على التّحاور والتّخاطب والقيادة وتحقيق الأهداف والطّموحات.

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

فرحان كلش عقد ونيف من السنوات العجاف عاشها السوريون، طُبقت عليهم رؤى بعثوية مزيجة بين القومية والطائفية والسطوة الأمنية والمزيد من الفساد والإفساد، وتكيف السوريون مع حالة الإدعاء التي تقمصها النظام السابق والمتمثلة باستكمال الربط والتقييد الداخلي بخط خارجي موازٍ متمثل بفكرة المقاومة، هذه الفكرة التي أرهقت المجتمع السوري اقتصادياً وأمنياً. ولم تكن ثورة 2011 إلا رد فعل على جملة…

إبراهيم اليوسف لم تكن ثقافة العنف في سوريا وليدة لحظة أو حدث عابر، بل هي نتاج عقود من السياسات القمعية التي سعت إلى إحكام السيطرة على المجتمع من خلال ممارسات شمولية اعتمدت الترهيب والتدمير المنهجي لأي محاولة للخروج عن النص السلطوي. حافظ الأسد، الذي استولى على السلطة عام 1970، أرسى قواعد نظام أمني مبني على الخوف والولاء المطلق،…

بوتان زيباري رأيتُ سوريا في المنام، تقف على تلٍ عالٍ، عيناها مغمضتان كمن ينتظر حُكم القدر. كان وجهها متعبًا، مُثقلًا بغبار الحروب، وشعرها مشعثًا تراقصه رياح الخوف. ومع ذلك، كانت في عينيها مساحات شاسعة من الأمل، كأنها تقول: “أنا باقية… ولن أنهزم.” في الحلم، لم تكن سوريا مجرد جغرافيا أو خطوطًا متشابكة على الخرائط. كانت أمًّا تضم أطفالها الذين…

إبراهيم اليوسف تمر بلادنا بمرحلة مفصلية، حيث تزداد الحاجة إلى التكاتف والتعاضد بين أبناء الشعب الكردي من جهة، وبينهم والشعب السوري عامة. في خضم هذه الأوقات الصعبة التي تتطلب جهودًا مشتركة من جميع الأطراف، يصبح من الطبيعي أن تظهر آراء متناقضة وأحيانًا متباعدة في ظل الظروف المعقدة. ولكن ما يزيد الأمور صعوبة هو تحول بعض النقاشات إلى ساحة من الشتائم…