جكرخوين عبد الرزاق ملا أحمد، الناشط والمعتقل السابق في سجن حلب المركزي: »استخدمونا دروعا بشرية«

 جكرخوين عبد الرزاق ملا أحمد (مواليد 1985 في القامشلي) طالب وناشط، اعتُقل في 3 آذار (مارس) 2012 في حلب وأفرج عنه في 13 تشرين الأول (أكتوبر) 2013 بطلب من محاميه مقابل دفع كفالة مالية، بيد أنه ما يزال يخضع للمحاكمة. قضى جكرخوين ملا أحمد عدة أشهر في سجن حلب المركزي حيث عايش هناك موت العشرات من المعتقلين جوعا أو تحت التعذيب أو أثناء الهجمات العسكرية. 

كردووتش: كيف ولماذا اعتُقلت؟ 
جكرخوين ملا أحمد:أصبحت مطلوبا من قبل مديرية الأمن السياسي والمخابرات العسكرية بسبب نشاطي في إطار الثورة، ومشاركتي في مظاهرات طلابية سلمية وبسبب مقابلات صحفية مختلفة أجريتُها. لذا تخفيت لمدة ثلاثة أشهر دون أن أوقف نشاطاتي. اعتقلتني المخايرات العسكرية بعد ذلك في حلب حيث اتهِمت بتوزيع السلاح في جامعة حلب ومساعدة جنود على الإنشقاق. 

كردووتش: هل تعرضت للتعذيب في فترة إعتقالك؟ 
جكرخوين ملا أحمد: نعم، كان ذلك بين 3 آذار (مارس) و22 نيسان (أبريل) 2012، أثناء إعتقالي في الفرع 215 المسمى »سرية المداهمة«و كذلك في الفرع 293 التابعيين للأمن العسكري في دمشق. لقد تم تثبيتي في إطار سيارة وضُربت بالكابلات. وبعد تثبيتي على كرسي عرّضوني لصدمات كهربائية. كما أنهم استخدموا طريقة تعذيب يسمونها »الكرسي الألماني«. استلقيت على الأرض ويداي مكبلتان خلف ظهري. وبين ذاراعيّ أدخلوا كرسي ليبدؤوا بسحبها إلى الخلف. ليس هناك وصف للألم. إما أن يعترف المرء بكل شيء أو أن ينقسم الظهر نصفين. 

كردووتش: متى تم نقلك إلى سجن حلب المركزي؟ وكيف كان الوضع هناك؟ 
جكرخوين ملا أحمد: نُقلت إلى سجن حلب المركزي في 26 نيسان (أبريل) 2012 و تم فرزي إلى مهجع لمعتقلي الثورة، حيث كانت تهمة غالبيتهم نشاطات إرهابية أو تمرد عسكري. آنذاك كانت الثورة ما تزال سلمية، وكان الواقع يتناقض مع هذه الإتهامات. عند وصولي إلى السجن المركزي لم يكن ثمة تعذيب هناك، حتى الطعام كان مقبولا. 

كردووتش: هل لك أن تصف لنا سجن حلب المركزي؟ 
جكرخوين ملا أحمد: يتألف السجن من مبنى كبير يسمى »الحصن«، وهو السجن الرئيسي، وهو يتألف من ثلاث طوابق في كل منها ست أجنحة وفي كل جناح عشر غرف في كل واحدة منها ما بين 25 إلى30 معتقل. وإلى جانب هذا المبنى مبنى أصغر منه حيث يتم فيه إحتجاز معتقلي الثورة و كذلك النساء. أقدر أن عدد السجناء هناك بالمجمل يقارب 5000. 

كردووتش: منذ متى تدهورت حالة السجن ولماذا؟ 
جكرخوين ملا أحمد: تدهورت الأمور في السجن منذ 23 تموز (يوليو) 2012 بشكل درامي عندما بدأ السجناء بالمقاومة. آنذاك كان الجيش السوري الحر قد فرض سيطرته على أجزاء واسعة من حلب وهو ما بنى عليه الكثير من المعتقلين آمال كبيرة بتحريرهم. إتسم الوضع بالتوتر الشديد وبدأ موظفو السجن بمعاملة السجناء على نحو سيء. كانوا يقصدون إرهابنا بهدف منع أي تمرد، لكنهم تسببوا بما كانوا يخشونه. لقد قمعت العناصر الأمنية المحتجين بشكل وحشي وأطلقوا عليهم الذخيرة الحية والغازات المسيلة للدموع ما أسفر عن مقتل 16 معتقل وإعدام 10 لاحقا. عندها تغيرت المعاملة تجاهنا بشكل جذري، فلم يعد مسموح لنا شراء الطعام أو تلقي الزيارات. عشرات المعتقلين تعرضوا لتعذيب وحشي، كما أنه ألغيت الفرص التي كنا نستغلها لإستنشاق الهواء ورؤية الشمس في ممرات الباحة. 

كردووتش: أفادت بعض المصادر أنه في فترة معينة كان السجناء لا يحصلون سوى على ما مقداره كأس من الطحين يوميا. هل هذا صحيح؟ وكيف بات الأمر كذلك؟ 
جكرخوين ملا أحمد: في 27 آذار (مارس) 2013 حاصر الجيش الحر سجن حلب المركزي فتوقف إمداد السجناء بالغذاء والوقود. وإعتبارا من 5 أيار (مايو) 2013 لم يعد النظام يزودنا بالخبز متعذرا بإنعدام مادة المازوت. هذا طبعا غير صحيح. فالمازوت كان متوفرا بكل الأحوال لأن جميع المركبات العسكرية تعمل بالمازوت في السجن. بدأت إدارة السجن بعدها بتزويد كل سجين بكأس من الطحين وآخر من الماء يوميا فقط. كان علينا أن نستخدم الأغطية والملابس كوقود من أجل إشعال نار يمكن الخَبز عليها. كانت غرفنا تمتلئ بالدخان لساعات طويلة. لقد كان وقتا عصيبا كلفنا الكثير من الجهد. في ذلك الوقت مرض الكثير من السجناء بمرض السلّ. مات في هذه الأثناء 170 سجينا متأثرين بأمراض مختلفة. لمدة شهرين وسبعة أيام لم نحصل إلا على كأس طحين واحد في اليوم. آنذاك كان يشتعل محيط السجن بمعارك طاحنة. فكنا نعاني من الجوع من جهة، ومن الصواريخ التي أصابت السجن من جهة أخرى. حراس السجن استخدمونا كدروع بشرية. لم نكن نستطيع النوم من شدة الخوف وكنا نحسب أنفسنا أمواتا في كل لحظة. 

كردووتش: وهل تحسنت الحال اعتبارا من منتصف تموز (يوليو)؟ 
جكرخوين ملا أحمد: نعم، لكننا مررنا بمرحلة قصيرة صعبة للغاية لم نحصل فيها خلال 96 ساعة على ما يُؤكل أو يُشرب. الكثير من المعتقلين، خاصة المرضى منهم، ماتوا أمام أعيننا. كنا عاجزين عن مساعدتهم تماما. لم نكن نقم إلا بالصراخ: »نحن جائعون«. في هذا الوضع تجدد التمرد مرة أخرى. والنظام تعامل معه بالذخيرة الحية ما نجم عنه مقتل 6 وجرح 40 من جهتنا. كما قضى 16 جريحا أثناء التحقيق جراء التعذيب. كان هناك 22 قتيلا بالمجمل. 

كردووتش: كيف نجوت أنت من هذه الظروف؟ 
جكرخوين ملا أحمد: كنت محظوظا جدا، ولم أمرض أبدا، الحمد لله. على الرغم من أن وزني أصبح 52 كيلو فقط، علما أن طولي 180 سنتيمترا. 

كردووتش: هل من المعتقلين من لقوا مصرعهم جراء القصف الصاروخي من قبل الجيش الحر؟ 
جكرخوين ملا أحمد: نحو 120 قتلوا بهذه الطريقة. ثلاث مرات أصابت صواريخ جدران الغرفة الخارجية حيث كنت معتقلا هناك. بعض المعتقلين معي أصيبوا بجروح بليغة أمام عينيّ و تُوفو على أثر ذلك لاحقا. أما الجنود فتحصنوا بالقرب من المعتقلين عن قصد ، لقد استخدمونا دروعا بشرية. 

كردووتش: ما تزال تحت المحاكمة. ماذا يعني هذا لك؟ 
جكرخوين ملا أحمد: أنا خائف. إذ يمكن أن تصل عقوبة التُهم الموجهة لي وفق القانون السوري إلى الإعدام. برلين، 28 تشرين الثاني (نوفمبر) 2013.

المصدر: كردووتش، 18 آذار (مارس) 2014

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف ما يلاحظ من صمت من قبل المثقف السوري أمام التحولات العميقة التي شهدتها البلاد خلال العقود الأخيرة يمثل في حقيقته ظاهرة لافتة، تكشف عن حجم التعقيد الذي يكتنف المشهد السوري. هذا الصمت- ولا أقصد الخطاب التهليلي الببغاوي- الصمت الذي قد يراه بعضنا خياراً واعياً بينما يجده آخرون منا نتيجة ضغوط وقيود، وهو لم يكن مجرد فعل فردي، بل…

خليل مصطفى منذ 13 عاماً ونخب كورد سوريا (المثقفون المُستقلون) لا زالوا يسألون: عن سبب عدم وحدة أحزابهُم السياسية.؟ وعن سبب ديمومة الخصومة بين زعماء أحزابهم.؟ يقول الله تعالى (عن المشركين): ( ما ينظُرُون إلا صيحة واحدة تأخُذُهُم وهم يَخِصِّمُون. يس 49 ). التفسير (التأويل): 1 ــ ما ينظُرُون: ما ينتظرُون إلا صعقة (نفخة) إسرافيل تضربهم فجأة، فيموتون في مكانهم….

بوتان زيباري في زوايا المشهد السوري المعقّد، تتشابك الخيوط بين أيدٍ كثيرة، بعضها ينسج الحكايات بدماء الأبرياء، والبعض الآخر يصفّق للقتلة كأنهم أبطال ميثولوجيون خرجوا من أساطير الحرب. في قلب هذا العبث، يقف أكثر من خمسة آلاف مقاتل أجنبي ضمن صفوف هيئة تحرير الشام، وكأنهم غيوم داكنة جلبتها رياح التاريخ المشؤوم. هؤلاء لم يأتوا ليحملوا زيتون الشام في أيديهم…

اكرم حسين تستدعي الإجابة عن سؤال أيُّ سوريا نُريد؟ صياغة رؤية واضحة وشاملة تُعالج الجذور العميقة للأزمة السورية ، وتُقدّم نموذجاً لدولة حديثة تُلبي تطلعات جميع السوريين ، بحيث تستند هذه الرؤية إلى أسس الشراكة الوطنية، والتعددية السياسية، والمساواة الاجتماعية، وتجاوز إرث الاستبداد والصراعات التي مزّقت النسيج المجتمعي على مدار أكثر من عقد. لأن سوريا الجديدة يجب أن تبدأ…