قراءة في المشهد السوري

سعيد فرمان 

تنطوي مسألة اختزال الموقف من الوضع السوري وحصره في خانتين وحيدتين فقط إما مع , أو ضد , على جملة من المغالطات التحليلية وتسطيح للمسألة ومقاربة قد تبدو للوهلة الأولى أنها تتماها مع الحقيقة بطابعها المطلق وتنسجم معها , لكن وعند الغوص في عمق المشهد السوري بأبعاده الداخلية والإقليمية والدولية وخلفياته الطائفية يتبين لنا أن الصراع الذي يجري الآن في سوريا هو في حقيقة الأمر عامودي في الجوهر والمحتوى وبعيد كل البعد عن الشكل الأفقي الذي قد يتصوره ويفترضه البعض ويبني عليه لجهة إطلاق الشعارات وتحديد الخنادق وشكل الإصطفافات ومباركتها .
وهنا لا بد من القول أن الاستنتاجات التي تبنى على قراءات ومقدمات خاطئة تُؤدي في نهاية المطاف إلى نتائج خاطئة , حيث يعتقد بعض الناس انه إذا كانت A كظاهرة اجتماعية – سياسية ( النظام مثالاً ) في اتجاه معين ومحدد فإن B ( المعارضة مثالاً ) يجب أن تكون في اتجاه آخر , اتجاه يناقضها ويختلف معها ولو أدى ذلك إلى لوي عنق الوقائع والحقائق العلمية والتاريخية ؟ هذه النظرة للأمور والقضايا تعكس إلى حد بعيد طريقة الفهم المُبسط والمبتذل للمسألة , نعم قد تكون A خاطئة وفي منحى غير سوي , لكن وفي نفس الوقت من الممكن أن تكون B أيضاً تُشارك A في الخطأ والابتعاد عن الحقيقة طبعاً في حالتها النسبية , وقد يكون الصراع على السلطة كعملية تبديل للمواقع وعلى أساس خلفية عرقية – مذهبية وليس بدافع الإتيان بنظام ديمقراطي وعادل كما يُسوق أحياناً ؟ لقد ثَبُت تاريخياً أن هذا الاستنتاج وكلما اصطدم بالواقع واحتك به خاصة في اللحظات المفصلية والحاسمة يسجل عجزه وتراجعه أمام الحالة أو السياق الطبيعي للأمور والقضايا ؟ ذلك السياق الذي من الممكن له أن يبنى ويتبلور على أساس معطى آخر , معطى قد يكون C أو D أو أي عنوان آخر ؟ وعليه يمكننا القول أنه من الممكن لقراءتان أو لصياغتان أو أكثر أن تكونا في نفس الاتجاه , سواء كان الاتجاه المعني صائبا أو خاطئا , سلبيا ام ايجابيا ؟ لذلك فإن المهم في الأمر وفي هذه القضية تحديدا أن لا نُصاب بمرض عمى الألوان وأن نقتنع بوجود ألوان أخرى ( أصفر , احمر , أزرق …الخ ) غير الأبيض والأسود اللذان من الممكن لهما ان يعبرا عن نفس الاتجاه وإن تباينت أشكال وطرائق الإفصاح والتعبير عنه .
– الوضع السوري بخطه البياني المليء بالتعرجات والمزالق أوقع معظم القوى السياسية في سوريا في متاهات النظرة التقليدية للأمور ولم تكن الحركة السياسية الكردية بمنأى عن ذلك , حيث تلاقت معظم القراءات الكردية للوضع وبكل أسف مع تلك النظرة التقليدية – الصوفية للمسألة وانطلقت منها , كونها بُنيت وإلى حد كبير على أساس عاملين اثنين هما 1 – مسألة الانتماء الوطني السوري وتضخيمه بشكل لافت وغير متوازن ومثير للجدل على حساب الخصوصية القومية الكردية والانتقاص من استحقاقاتها وما تستدعيه من مواقف وخطاب سياسي واقعي يأخذ في الاعتبار رؤية كافة أطراف المعادلة السورية ( سلطةً ومعارضةً ) للقضية الكردية وأفاق تناولها وشكل حلها , 2 – الانبهار بالخطاب المرافق لما سمي بالربيع العربي وإسقاطه على الوضع السوري بشكل قسري ورغم أنف الحقائق والتغاضي عن وجود البُعد الطائفي – المذهبي بامتداداته الإقليمية في عُمق ما يجري على الأرض , لقد ساهمت الحركة الكردية بهذه السلوكية السياسية وإلى حد كبير في ضياع البوصلة وإرباك الشارع الكردي والتعتيم على الهدف والاستحقاق القومي في هذه المرحلة الدقيقة والحاسمة ؟ 
– أعتقد وأجزم أن المقاربة الموضوعية للوضع السوري بملابساته وتداعياته الخطيرة على القضية الكردية ببعديها الوطني والقومي تتلخص في الوقوف بجدية على ما يحدث في سوريا وتسمية الأشياء بمسمياتها الحقيقية وترتيب الأولويات وتشخيص الهدف والآليات والتميز بين المهم والاهم , بين الأساسي والرئيسي من جهة والثانوي ( الأقل شأناً ) من جهة أخرى وإدراك أن ما يواجهه الكرد في هذه االلحظة الآنية هو شيء مرتبط بالمصير إلى حد كبير , الوجود الكردي كشعب وقومية ( وليست الأحزاب ) مستهدف بغض النظر عن المسببات , وبغض النظر عن من خلق المبررات أو ساهم في إيجادها , وإذا كان الجانب الكردي حسب بعض التحليلات مساهماً في تموضع هذا المناخ على الأرض , وهو أمر مشكوك فيه بالشكل الذي يُسوق ويُضخم , نعم وبغض النظر عن كل ما يقال عن هذا الأمر يتبادر إلى الذهن السؤال التالي : هل الجانب الآخر الذي لا يؤمن أصلاً بالقضية الكردي وباستحقاقاتها يحتاج لمبررات وحجج كي يهاجم المناطق الكردية ويستبيحها , وهل الشركاء في الوطن ( وهنا أقصد المعارضة السياسية ) اتخذوا موقفاً واضحاً من الأحداث التي استهدفت الكرد سوى بعض التعليقات والمواقف الخجولة التي ساوت أحياناً بين المهاجِم والمهاجَم , بين المعتدي والمعتدى عليه ؟ وهل استطاعوا أن يتجاوزوا رؤيتهم التقليدية للقضية الكردية ويعترفوا بعدالتها ومشروعيتها كقضية شعب مضطهَد يعيش على أرضه التاريخية ( كردستان ) , أعتقد أن الجواب سيكون سلبياً وبالنفي , لذلك فإن الهدف الأكثر أهمية بالنسبة للشعب الكردي وبحالته الجامعة في هذه المرحلة يتجسد وببساطة في حماية نفسه والدفاع عن وجوده القومي وعدم تمكين الآخرين من فتح ثغرات في الجدار الكردي المانع لأية انتكاسة قد تحصل على الصعيد الميداني – على الأرض ومن ثم على المستوى السياسي الحامي لهذا الوجود ولبقائه وديمومته .؟
18 / 3 / 2014

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

محمود عمر*   حين أزور دمشق في المرّة القادمة سأحمل معي عدّة صناديق لماسحي الأحذية. سأضع إحداها أمام تمثال صلاح الدين الأيوبي، وسأهدي أخرى لبيمارستانات أخواته الخاتون، وأضع إحداها أمام ضريح يوسف العظمة، وأخرى أمام قبر محمد سعيد رمضان البوطي، وأخرى أضعها في قبر محو إيبو شاشو، وأرسل أخرى لضريح هنانو، ولن أنسى أن أضع واحدة على قبر علي العابد،…

مصطفى جاويش بعد مضي عام على معركة ردع العدوان وعلى سقوط النظام السوري ووصول احمد الشرع الى القصر الرئاسي في دمشق بموجب اتفاقيات دولية واقليمية بات الحفاظ على سلطة الرئيس احمد الشرع ضرورة وحاجة محلية واقليمية ودولية لقيادة المرحلة الحالية رغم كل الاحداث والممارسات العنيفة التي جرت ببعض المحافظات والمدانة محليا ودوليا ويرى المجتمع الدولي في الرئيس احمد الشرع انه…

ماهين شيخاني مقدمة يواجه الشعب الكوردي في سوريا منذ عام 2011 تحولات سياسية وأمنية عميقة، أفرزت بيئة معقدة تتداخل فيها عوامل داخلية وخارجية. وفي ظل غياب تسوية سياسية شاملة، برزت ثلاثة أطراف رئيسية تركت أثراً مباشراً على مسار القضية الكوردية وعلى الاستقرار الاجتماعي والسياسي في مناطق توزع الكورد. هذا “الثالوث” يشمل الجماعات المتطرفة، والإدارة الذاتية، والمجلس الكوردي، وكلٌّ منها يمتلك…

حسن مجيد في الوضع الكوردي العام وبشكل خاص في إقليم كوردستان العراق كل أصناف المعارضة مرفوضة وخاصة المسلحة منها فالقيام بأعمال الشغب حتى لو لم تكن مرتبطة بأجندات إقليمية أو خارجية فقط يحق لك أن تعارض ضمن مجالات حرية الرأي والتعبير . إن النيل من المنجز بطرق غير شرعية وتخريبية تخدم المتربصين والذين لايريدون الخير للكورد . الواجب الوطني…