إبراهيم محمود
«إلى عامل المدْجنة الكردي وصيصانه النافقة بالتأكيد، فهو الملهم هنا»
حدَّثني أحد ” أكرادنا ” وهو عامل مدجنة بين مئات عمّال المداجن الكُرد، ممَّن تحمصنوا وتشومنوا وتحلبنوا وتذرعنوا وتحمينوا وتأدلبوا وتلذقنوا وتطرسنوا..الخ، بحيث تداخلت اللهجات الكردية مع اللهجات السورية، حدثني عن أنه حين هرب من القصف المدفعي لمنطقته، وشمل القصف مدجنته، لم يجد من الفرار بداً من البحث عن طريق عودة إلى ديار بلا ديار، ليبصر ضمن رقعة جغرافية حمصية واسعة آلاف الصيصان خارج مداجنها، وهي تصوصي، وأعلمني أنه لا يستطيع نسيان هذه المنظر، ولن ينساه حتى آخر رفة جفن لعينه المعمشة، أعلمته، أننا، وبعد ثلاث سنين من ” الثورة ” السورية، قد أصبحنا في المجمل صيصاناً، نصوصي على طريقتنا، ولكل من إيقاعه، وأن عرس القطط السمان دسم، رغم أن القطط لها حدود شبع، أما البشرية منها فتحمل معداً احتياطية لا نهاية لتخومها وشبعها *.
وحدثني القريب مني جداً، أن مضي ثلاث سنوات على ” عمر: الثورة ” السورية، كشف عن مدى البون الشاسع الواسع بين الشعار والإشعار، وأن من الجدارة بمكان النظر في هؤلاء الذين تتم صيصنتهم من البشر، وقد صاروا بالملايين، وهؤلاء الذين صاروا قططاً لا تسمن أبداً، نظراً لنهمها، وحبها للدماء رغم أنف كل كتاب سماوي أو أرضي، بلحى ودون لحى، بمسابح ودون مسابح، حيث يزداد عدد الصيصان ” الغلابة ” وهم في عراء الله والأمم ” الكبرى ” ووسع الشاشات التفزيونية الكبرى، يزدادون صيصانية وصوصنة وتصوصناً، إزاء القطط التي تمد في مخالبها وأنيابها وتوسع كروشها وعروشها، هؤلاء ما عادوا معنيين حتى بسؤال الثورة أو جواب المعادي للثورة المعتبرة نظاماً، وأن الذين يسعون في مناكب الأرض السورية والإقليمية والدولية وأصحاب المساعي الحميدة، لم تعد ذاكراتهم تسع هول المطلع ورعب المرجع وفظاعة الموقع، بقدر ما أن ” الثورة ” نفسها باتت تسائل عن حقيقة ما انطلقت منه، وما عرّفت به، وآل إليه أمرها، لأن صوصأة الصيصان باتت تزعج حتى القطط السمان، حيث لم يعد بمقدورها الراحة لهضم ما ابتلعته ومثَّلت فيه، وبعثرته، وداسته هنا وهناك، إلى ما هو أبعد من حدود ” سوريا أرض الحضارات “، وللكرد نصيب مما هو دائر وثائر وحائر وبائر في آن، ولهم سهم نافذ في الصوصنة السورية والعربية والدولية والأممية وحتى ذوي الشأن الكردي المقطين.
حدثني البعيد مني جداً، ولكنه لا يخفي قربه، وهكذا الحال معي، أن ما يجري يحفّز واضعي القوانين ومشرّعي الأحكام، والمعنيين بمحاكم الجنايات الدولية وغيرها، وبدعة ” الأمم المتحدة ” وأصحاب النظريات السياسية والمؤرخين ، على لزوم تحرّي ما فرَّخته العولمة بطبعاتها المختلفة، وأختامها، وأعلامها، لأن الجاري سورياً، يعرّي كل وعد للتكنولوجيا المتقدمة بالدخول في جنة موعودة، وعلى أعلى مستوى، كما لو أننا نعيش حرباً كونية، ولو أن ثمة رقعة جغرافية واحدة هي التي تسمى وتدمى هنا، ولكنها ” حرب العوالم ” المصغرة، أفظع من رؤيتها الهوليودية، وخفّة ” توم كروز ، والنهاية التي أرست عليها الفكرة، فما هو هوليودي على أرض ليست هوليودية مسماة، غير ما ينظَر فيه بمقاييس هوليودية مؤمركة أو مأوربة أو مفبركة لصالح سدنة الأوسكار ومن يؤفلم ” فنياً “، ويتأفلم واقعاً في بطولة مريعة، إذ لا يعود في الوسع إحصاء الضحايا من الصيصان، ولا حالات التنكر والعري الفاضح والمتنامي لقطط، في هذا الانفجار الكارثي البشري ” المؤمم ” والمحوَّل حتى اللحظة إلى إشعار آخر وآخر.
حدثت قريبي وسميّ والداخل معي في نطاق تليباثي، أنني رغم كل ادعاءاتي بالفهم النسبي والكتابة الغينتسية ربما، أشعر أنني لا أعدو أن أكون صوصاً يصوصي، ولا أدري أي قط يتربص بي وهو يمومىء متبرماً من صوصأتي هنا وهناك، خصوصاً وأنني أتحدث جمعاً بين كردية لا مناص من ” نفضها ” وسورية لا مجال لفضها، وعالمية لا إمكان لدحضها.
دهوك
*- لجأت اضطراراً إلى اعتماد مفردة ” الصوص ” نظراً لضعفه شبه المطلق، إزاء قط يسيل لعابه لمرآه، أكثر من تسمية الفأر المتمتع ببعض الدهاء والقدرة على المواربة والاختفاء في جُحْر ما، وبالتأكيد فإنه ليس من علاقة بين ما لجأت إليه وما يرد في الذهن مما ورد في قصة قصيرة نسبياً لفرانز كافكا في مجموعته القصصية ” سور الصين “، حول فأر كان يتذمر من وجوده في مدينة كبيرة وموحشة، لينقض عليه قط بغتة وهو يقول له، بينما تنغرز أنيابه في ظهره: كان عليك ألا تسكن هذه المدينة” انتهت القصة “. والمشكلة الكبرى، أنني لا أجد بداً من المكان الذي أنسَب إليه *1.
*1- طبعاً من الصعب الوصف جداً، في هذا الإطار، لما مرت به ” الثورة ” السورية من أطوار، حيث بات يفخَّم من لديه درهم أمان، إزاء من لديه من التصرف والفهلوة أكثر من قنطار، وأن الجاري والهاري يتحديان أكثر من فساد الدهم وحكمة العطار، كل ذي مخيلة بارعة في هذه الأمور من فساد لمفهوم الثورة ومتغيراتها، حتى لو كان الطاهر وطار*2.
*2- يمكن للكردي سليل الكردي طرح السؤال تلو السؤال عن هذا الاسترسال في الكلام الموجع والصادم، ولعل الجواب من مجسد صوص هائم في جغرافية هائمة على وجهها بالمقابل، هو رعب المتحول، والمنتظر أيضاً، وبالنسبة للكردي الذي يتلمظ أحياناً لما هو موعود به، بينما أكثر من خاصية القطط السمان تتربص به، وبالتالي، فإن علينا ألا نستهين بدروس التاريخ وعبره وصدماته الكبرى، وألا يتملكنا فرح كردستاني كما هو المطلوب والمشتهى، ليس من سانحة يُطمأَنُّ إليها بمبررة له *3.
حدثني البعيد مني جداً، ولكنه لا يخفي قربه، وهكذا الحال معي، أن ما يجري يحفّز واضعي القوانين ومشرّعي الأحكام، والمعنيين بمحاكم الجنايات الدولية وغيرها، وبدعة ” الأمم المتحدة ” وأصحاب النظريات السياسية والمؤرخين ، على لزوم تحرّي ما فرَّخته العولمة بطبعاتها المختلفة، وأختامها، وأعلامها، لأن الجاري سورياً، يعرّي كل وعد للتكنولوجيا المتقدمة بالدخول في جنة موعودة، وعلى أعلى مستوى، كما لو أننا نعيش حرباً كونية، ولو أن ثمة رقعة جغرافية واحدة هي التي تسمى وتدمى هنا، ولكنها ” حرب العوالم ” المصغرة، أفظع من رؤيتها الهوليودية، وخفّة ” توم كروز ، والنهاية التي أرست عليها الفكرة، فما هو هوليودي على أرض ليست هوليودية مسماة، غير ما ينظَر فيه بمقاييس هوليودية مؤمركة أو مأوربة أو مفبركة لصالح سدنة الأوسكار ومن يؤفلم ” فنياً “، ويتأفلم واقعاً في بطولة مريعة، إذ لا يعود في الوسع إحصاء الضحايا من الصيصان، ولا حالات التنكر والعري الفاضح والمتنامي لقطط، في هذا الانفجار الكارثي البشري ” المؤمم ” والمحوَّل حتى اللحظة إلى إشعار آخر وآخر.
حدثت قريبي وسميّ والداخل معي في نطاق تليباثي، أنني رغم كل ادعاءاتي بالفهم النسبي والكتابة الغينتسية ربما، أشعر أنني لا أعدو أن أكون صوصاً يصوصي، ولا أدري أي قط يتربص بي وهو يمومىء متبرماً من صوصأتي هنا وهناك، خصوصاً وأنني أتحدث جمعاً بين كردية لا مناص من ” نفضها ” وسورية لا مجال لفضها، وعالمية لا إمكان لدحضها.
دهوك
*- لجأت اضطراراً إلى اعتماد مفردة ” الصوص ” نظراً لضعفه شبه المطلق، إزاء قط يسيل لعابه لمرآه، أكثر من تسمية الفأر المتمتع ببعض الدهاء والقدرة على المواربة والاختفاء في جُحْر ما، وبالتأكيد فإنه ليس من علاقة بين ما لجأت إليه وما يرد في الذهن مما ورد في قصة قصيرة نسبياً لفرانز كافكا في مجموعته القصصية ” سور الصين “، حول فأر كان يتذمر من وجوده في مدينة كبيرة وموحشة، لينقض عليه قط بغتة وهو يقول له، بينما تنغرز أنيابه في ظهره: كان عليك ألا تسكن هذه المدينة” انتهت القصة “. والمشكلة الكبرى، أنني لا أجد بداً من المكان الذي أنسَب إليه *1.
*1- طبعاً من الصعب الوصف جداً، في هذا الإطار، لما مرت به ” الثورة ” السورية من أطوار، حيث بات يفخَّم من لديه درهم أمان، إزاء من لديه من التصرف والفهلوة أكثر من قنطار، وأن الجاري والهاري يتحديان أكثر من فساد الدهم وحكمة العطار، كل ذي مخيلة بارعة في هذه الأمور من فساد لمفهوم الثورة ومتغيراتها، حتى لو كان الطاهر وطار*2.
*2- يمكن للكردي سليل الكردي طرح السؤال تلو السؤال عن هذا الاسترسال في الكلام الموجع والصادم، ولعل الجواب من مجسد صوص هائم في جغرافية هائمة على وجهها بالمقابل، هو رعب المتحول، والمنتظر أيضاً، وبالنسبة للكردي الذي يتلمظ أحياناً لما هو موعود به، بينما أكثر من خاصية القطط السمان تتربص به، وبالتالي، فإن علينا ألا نستهين بدروس التاريخ وعبره وصدماته الكبرى، وألا يتملكنا فرح كردستاني كما هو المطلوب والمشتهى، ليس من سانحة يُطمأَنُّ إليها بمبررة له *3.
*3- الحبل على الجرّار …