البارزاني ميلادُ وطنْ

عيسى ميراني

عند قراءتنا للتاريخ القديم والمعاصر نجد أن هناك الكثير من الشخصيات قد لعبت دوراً مهماً بين شعوبها في مراحل تاريخية مختلفة وكانوا أداة التغيير في مجتمعاتهم سواء كان ذلك التغيير سياسياً أم علمياً أم اجتماعياً أم اقتصادياً ، مثل الهندي غاندي الذي تزعم النضال السلمي لشعبه ضد الاحتلال الإنكليزي حتى أصبح المخلّص لشعبه من العبودية والاحتلال ، ونلسون مانديلا الجنوب إفريقي الذي قضى معظم حياته في سجون النظام العنصري مناضلاً من أجل حرية شعبه الأسود من هيمنة النظام العنصري والذي توجّها حريةً لشعبه وأصبح مثالاً للنضال والاحترام عند شعبه وشعوب العالم…
ولا تختلف الأمة الكردية عن غيرها من الاُمم ، فأنجبت العديد من المناضلين الذين برزوا على الساحة الكردية في ظروف ومراحل تاريخية مختلفة مثل الشيخ عبيد الله النهري والشيخ سعيد بيران والشيخ محمود الحفيد وقاضي محمد و مناضلو المدرسة البرزانية كالشيخ عبدالسلام والشيخ أحمد ومصطفى البرزاني الذين دخلوا معترك النضال بكافة أنواعه (السياسي والاجتماعي و العسكري) خدمةً للكرد وكردستان
لكن الشخصية الأكثر تأثيراً في مسيرة النضال التحرري للشعب الكردي في العصر الحديث هو مصطفى البرزاني الذي تحلى بصفات اختلفت عن غيره من القادة الكرد لا سيما الصفات الشخصية والفكرية والنضالية التي استلهمها من المدرسة البرزانية التي فرضت نفسها منارة للعلم والأخلاق والوطنية الحقّة منذ الأيام الأولى لتأسيس التكية في قرية بارزان والتي وجدت نفسها حامية للإنسان والحيوان والنبات في مجتمع يملأه الظلم والتخلف والعبودية مناضلاً من أجل ترسيخ الكوردايتي المتلازمة مع الإنسانية السمحة من خلال النضال المستمر لتحقيق الحلم الأزلي للشعب الكردي بحصوله على حقوقه المشروعة في دولته المستقلة آخذا بعين الاعتبار خصوصية الزمان والمكان وإطاره الإنساني مفضلاً الوسائل السلمية قبل أي خيار آخر حيث إنه لم يسمح باستخدام أي من وسائل العنف ضد مدنيي الطرف الآخر(الأعداء) لا سيما التفجيرات أو أي شيءٍ آخر كأداة للضغط على الأعداء مردداً على الدوام  ً هل تضمنون أن لا يُقتل أي مدني وما ذنب المدنيين في صراعنا مع أعدائنا  ً   
وعلى الرغم من ألاعيب السلطات الغاصبة لكردستان لم يستخدم البارزاني الأسرى إلا أدواتاً لإنسانية الثورة الكردية، جاعلاً من نفسه معلماً للنشء الواعد لتلاميذ المدرسة البرزانية لقناعته الراسخة بأنها الوحيدة التي يمكن أن ُتبنى عليها الآمال لأنها مدرسةٌ واقعية ذو أهدافٍ قابلةٍ للتحقيق، متضمنة حب الإنسان و الأمة والوطن  بما فيها من طبيعةٍ ونباتٍ وحيوان، ورفضَ الظلّم والاستبداد والاحتلال وإنها التي انجبت أولئك الذين انتفضوا من كل حدبٍ وصوب بقيادة الرئيس مسعود البرزاني في الانتفاضة المباركة في عام 1991، التي طردت بقايا النظام العراقي من أرض كردستان، والتي أصبحت فيما بعد نواةً لآمال الكرد في كيانٍ مستقل ليس لأكراد العراق فحسب بل لكل الكرد وفي كل الاجزاء الكردستانية.  

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

محمود عمر*   حين أزور دمشق في المرّة القادمة سأحمل معي عدّة صناديق لماسحي الأحذية. سأضع إحداها أمام تمثال صلاح الدين الأيوبي، وسأهدي أخرى لبيمارستانات أخواته الخاتون، وأضع إحداها أمام ضريح يوسف العظمة، وأخرى أمام قبر محمد سعيد رمضان البوطي، وأخرى أضعها في قبر محو إيبو شاشو، وأرسل أخرى لضريح هنانو، ولن أنسى أن أضع واحدة على قبر علي العابد،…

مصطفى جاويش بعد مضي عام على معركة ردع العدوان وعلى سقوط النظام السوري ووصول احمد الشرع الى القصر الرئاسي في دمشق بموجب اتفاقيات دولية واقليمية بات الحفاظ على سلطة الرئيس احمد الشرع ضرورة وحاجة محلية واقليمية ودولية لقيادة المرحلة الحالية رغم كل الاحداث والممارسات العنيفة التي جرت ببعض المحافظات والمدانة محليا ودوليا ويرى المجتمع الدولي في الرئيس احمد الشرع انه…

ماهين شيخاني مقدمة يواجه الشعب الكوردي في سوريا منذ عام 2011 تحولات سياسية وأمنية عميقة، أفرزت بيئة معقدة تتداخل فيها عوامل داخلية وخارجية. وفي ظل غياب تسوية سياسية شاملة، برزت ثلاثة أطراف رئيسية تركت أثراً مباشراً على مسار القضية الكوردية وعلى الاستقرار الاجتماعي والسياسي في مناطق توزع الكورد. هذا “الثالوث” يشمل الجماعات المتطرفة، والإدارة الذاتية، والمجلس الكوردي، وكلٌّ منها يمتلك…

حسن مجيد في الوضع الكوردي العام وبشكل خاص في إقليم كوردستان العراق كل أصناف المعارضة مرفوضة وخاصة المسلحة منها فالقيام بأعمال الشغب حتى لو لم تكن مرتبطة بأجندات إقليمية أو خارجية فقط يحق لك أن تعارض ضمن مجالات حرية الرأي والتعبير . إن النيل من المنجز بطرق غير شرعية وتخريبية تخدم المتربصين والذين لايريدون الخير للكورد . الواجب الوطني…