إعادة هيكلة الجيش الحر ضرورة وطنية ولكن ؟

صلاح بدرالدين

   لايختلف اثنان حول حقيقة أن تشكيلات الجيش السوري الحر السباقة في الانحياز الى صف الشعب منذ بدايات الانتفاضة الثورية وتلاحمها المبكر مع تنسيقيات الشباب والحراك الثوري العام في البلاد وتفاعلها مع أهداف الثورة وشعاراتها باسقاط نظام الاستبداد وإعادة بناء الدولة السورية الديموقراطية التعددية وتقديمها التضحيات من دماء الشهداء في معاركها الدفاعية ضد قوى الظلم والاجرام وحماية الشعب من بطش النظام قد أسهمت بفاعلية في توفير شروط استمرارية الثورة الوطنية وتعميق أهدافها وذلك بفضل تفاني رعيلها الأول من الضابط الشهيد – الحي حسين هرموش ومؤسس الجيش الحر وقائده العتيد العقيد رياض الأسعد الذي قدم معظم أفراد عائلته على مذبح الشهادة وخسر ساقه نتيجة محاولة اغتيال جبانة مدبرة في منطقة دير الزور الى جانب كوكبة من الشهداء والجنود المجهولين.
  وكأية قوة ثورية مناضلة وبما تشغله من مكانة مرموقة وأساسية في تكوين ثورتنا الوطنية وعلى قدر الآمال المعلقة عليها من جانب الوطنيين السوريين كانت ومازالت تشكيلات الجيش الحربأمس الحاجة الى إعادة تنظيم صفوفها وترسيخ عقيدتها القتالية الدفاعية وابتكار طرق ومفاهيم عملية في مجال برنامج التحالفات التكتيكية والاستراتيجية مع قوى وتيارات دخيلة تشكل ملامح الثورة المضادة بينها جماعات إرهابية تشكل جزءا من نظام الاستبداد وأخرى اسلاموية قد يمكن التعاطي معها بشكل وآخر في مرحلة اسقاط النظام بحيث ترتقي تلك التشكيلات الحرة الى مستوى مواجهة تحديات قوى العدو النظامية وأسلحته الفتاكة وأعوانه من الميليشيات وتطوير مفاهيمها السياسية حول أهداف الثورة ومراحلها الانتقالية والنهائية وأولوياتها الراهنة .

  في البدء كانت قوى الثورة ونواتها الأساسية مجاميع الجيش الحر في مواجهة النظام وهي من وضعت اللبنة الأولى للشرعية الثورية النامية أمام سقوط شرعية النظام القاتل والتي انطلق منها كل ثائر في وجه الاستبداد وتطورت وتعززت بفضل هدفها السياسي وشعاراتها المعبرة عن طموحات الشعب الى اكتساب الشرعية الوطنية أيضا حيث وقفت معها الغالبية الساحقة من السوريين في مختلف مناطق البلاد ومن معظم المكونات القومية والدينية والمذهبية تلك الشرعية المكتسبة التي شكلت سندا وسببا وحيدا في اعتراف عشرات دول العالم بثورة الشعب السوري (كل حسب مصالحه وأجندته وليس من أجل مصالح السوريين وثورتهم) ولكن عبر العنوان الخطأ حيث استغلت – المعارضات – الخارجية التي ظهرت ونمت كالفطر منشؤها اما الأحزاب التقليدية المفلسة وخاصة حركة الاخوان المسلمين وتيارات قوموية – شيوعية فاشلة أو عبر وافدين من أجهزة النظام الأمنية والإدارية والحزبية البعثية المسؤولة عن قمع السوريين لعقود خاصة وأن هذه الأصناف الطيعة المطواعة مرغوبة أكثر لدى ممثلي أنظمة الدول الإقليمية والعالمية التي تتعاطى مع الملف السوري عبر أجهزتها المخابراتية في حين من الصعب عليها جر قوى الثورة في الميدان الى أحابيل الصفقات وشراء الضمائر .
  ان ما أربك عملية إعادة هيكلة تشكيلات الجيش الحر بل قوضها من الأساس هو القيمون على كل من (المجلس السوري والائتلاف) وبشكل خاص التدخل السافر من جانب رئيس الأخير ومنظره وحاشيته في شؤون الجيش الحر الذين يفتقرون الى الصلاحيات الشرعية والتخويل الشعبي وآخر من يحق لهم حتى تغيير موقع جندي حر فكيف بفرض تبديلات على الأركان والمجالس والقيادات العسكرية والشيء الوحيد الذي يملكونه في تآمرهم هو شراء الضمائر باالمال الخارجي واذا كان لأية فئة معارضة ذرة من الشرعية فمصدرها قوى الثورة ونواته الحية الجيش الحر فكيف يمكن أن تنقلب الآية بهذه السهولة ؟.

  في موازاة الأزمة العاصفة بالوضع الداخلي لقوى الثورة وبالتزامن معها صدرت قرارات هامة من عدد من دول الخليج بوصم قوى وتيارات إسلامية سياسية بالإرهاب وبينها حركة الاخوان المسلمين ولأن ماحصل له صلة مباشرة بالوضع السوري من جهة سيطرة الاخوان على مقدرات (المجلس والائتلاف) ليس عبر قياداتهم المعروفة مباشرة فحسب بل من خلال التابعين لنهجهم السياسي وبينهم مسيحيون اخوان أيضا وهؤلاء مسؤولون عن الأزمة الراهنة وعن كل الإخفاقات السابقة وبما أن هؤلاء (الارهابييون) لديهم حظوة خاصة (حتى تاريخ صدور القرارات)  لدى القيادة السعودية فمن المأمول أن ترفع تلك الحظوة ويترك أمر إعادة هيكلة قوى الثورة وكذلك إعادة بناء الجناح السياسي للثورة الى القرار الوطني السوري المستقل والوطنييون الثوار من بنات وأبناء شعبنا قادرون على تقرير مصيرهم السياسي والعسكري وجديرون بتحمل تبعات هذه الأمانة التاريخية.

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest


0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف لقد كان حلم السوريين أن يتوقف نهر الدم الذي فاض وارتفع عداده ومستواه، تدريجياً، طيلة العقود الأخيرة، أن يُفتح باب السجون لا ليُستبدل معتقل بآخر، بل ليُبيّض كل مظلوم مكانه، أن يتحول الوطن من ساحة للبطش إلى حضن للكرامة. لقد كان الأمل كبيراً في أن تؤول الأمور إلى دولة ديمقراطية، تُبنى على قواعد العدالة والحرية والكرامة، لكن هذا…

صالح جانكو حينما يتوهم القائمون على سلطة الأمر الواقع المؤقتة بأنهم قد شكلوا دولة من خلال هذه الهيكلية الكرتونية، بل الكاريكاتورية المضحكة المبكية المتمثلة في تلك الحكومة التي تم تفصيلها وفقاً لرغبة وتوجهات ( رئيس الدولة المؤقت للمرحلة الانتقالية)وعلى مقاسه والذي احتكر كل المناصب والسلطات و الوزارات السيادية لنفسه ولجماعته من هيئة تحرير الشام ، أما باقي الوزارات تم تسليمها…

خالد جميل محمد جسّدت مؤسسة البارزاني الخيرية تلك القاعدة التي تنصّ على أن العمل هو ما يَمنحُ الأقوالَ قيمتَها لا العكس؛ فقد أثبتت للكُرد وغير الكُرد أنها خيرُ حضن للمحتاجين إلى المساعدات والمعونات والرعاية المادية والمعنوية، ومن ذلك أنها كانت في مقدمة الجهات التي استقبلَت كُرْدَ رۆژاڤایێ کُردستان (كُردستان سوريا)، فعلاً وقولاً، وقدّمت لهم الكثير مما كانوا يحتاجونه في أحلك…

ريزان شيخموس بعد سقوط نظام بشار الأسد، تدخل سوريا فصلًا جديدًا من تاريخها المعاصر، عنوانه الانتقال نحو دولة عادلة تتّسع لكلّ مكوّناتها، وتؤسّس لعقد اجتماعي جديد يعكس تطلعات السوريين وآلامهم وتضحياتهم. ومع تشكيل إدارة انتقالية، يُفتح الباب أمام كتابة دستور يُعبّر عن التعدد القومي والديني والثقافي في سوريا، ويضمن مشاركة الجميع في صياغة مستقبل البلاد، لا كضيوف على مائدة الوطن،…