من دفاتر الثورة السورية.. (1) ماذا جلبت لنا الثورة؟

صالح بوزان

خلال نصف قرن من حكم حزب البعث كان العقل السوري معتقلاً في دائرة الفكر البعثي وادعاءات النظام القومية. كان محرماً علينا أن نتجاوز هذا الفكر. وكانت التهمة جاهزة، وهي معاداة الثورة وإضعاف الشعور القومي العربي. لقد كان عقلنا معتقلاً. وفي حالة أي اعتقال يتجه العقل إلى الداخل. فعلى سبيل المثال يضطر السجين المحصور بين أربعة جدران للانغلاق إلى عالمه الداخلي والعيش مع أحلامه وذكرياته، كذلك الأمر بالنسبة للعقل السوري الذي بقي نصف قرن منكفئاً في دائرة حزب البعث والشعارات القومية والوطنية الخلبية.
عندما نعود إلى كتابات كتابنا السوريين خلال نصف قرن الذي مضى لا نجد أية مقدمات تهيئ للثورة. إنها كتابات تحوم حول الفكر البعتي ولا تستطيع الطلاق منه. أما الكتابات التي كان بالإمكان أن تخلق مقدمات ضرورية للثورة هي غالباً كتابات لكتاب سوريين هاجروا إلى أوروبا ولم تكن تصل إلى الوطن. فرجل أمن النظام لم يكن يراقب دخول وخروج المواطنين في بوابات العبور الخارجي وفي المطارات السورية، بل كان يراقب دخول وخروج الأفكار أيضاً.
أتذكر في الستينيات القرن الماضي كانت معظم المجلات المصرية واللبنانية تدخل إلى سوريا بحرية. أما بعد مجيء حافظ الأسد إلى السلطة أصبحت هذه المجلات والكثير من الكتب تحتاج إلى فيزيا للدخول إلى سوريا.
عندما بدأت الثورة السورية، فهي لم تحمل معها منذ البداية شعار الحرية والديمقراطية، وإنما فتحت ثغرة في دائرة فكر البعث والسلطة الحاكمة، وهكذا خرج العقل السوري من معتقله.
نعم كم كان تاريخاً أسوداً..!

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

د. محمود عباس في لقائه الصحفي الأخير اليوم، وأثناء رده على سؤال أحد الصحفيين حول احتمالية سحب القوات الأمريكية من سوريا، كرر خطأ مشابهًا لأخطائه السابقة بشأن تاريخ الكورد والصراع الكوردي مع الأنظمة التركية. نأمل أن يقدّم له مستشاروه المعلومات الصحيحة عن تاريخ منطقة الشرق الأوسط، وخاصة تاريخ الأتراك والصراع بين الكورد والأنظمة التركية بعد انهيار الإمبراطورية العثمانية. للأسف، لا…

إبراهيم اليوسف ليست القيادة مجرد امتياز يُمنح لشخص بعينه أو سلطة تُمارَس لفرض إرادة معينة، بل هي جوهر ديناميكي يتحرك في صميم التحولات الكبرى للمجتمعات. القائد الحقيقي لا ينتمي إلى ذاته بقدر ما ينتمي إلى قضيته، إذ يضع رؤيته فوق مصالحه، ويتجاوز قيود طبقته أو مركزه، ليصبح انعكاساً لتطلعات أوسع وشمولية تتخطى حدوده الفردية. لقد سطر…

نارين عمر تدّعي المعارضة السّورية أنّها تشكّلت ضدّ النّظام السّابق في سوريا لأنّه كان يمارس القمع والظّلم والاضطهاد ضدّ الشّعوب السّورية، كما كان يمارس سياسة إنكار الحقوق المشروعة والاستئثار بالسّلطة وعدم الاعتراف بالتّعدد الحزبي والاجتماعي والثّقافي في الوطن. إذا أسقطنا كلّ ذلك وغيرها على هذه المعارضة نفسها – وأقصد العرب منهم على وجه الخصوص- سنجدها تتبع هذه السّياسة بل…

فوزي شيخو في ظل الظلم والإقصاء الذي عاشه الكورد في سوريا لعقود طويلة، ظهر عام 1957 كفصل جديد في نضال الشعب الكوردي. اجتمع الأبطال في ذلك الزمن لتأسيس حزبٍ كان هدفه مواجهة القهر والعنصرية، وليقولوا بصوتٍ واحد: “كوردستان سوريا”. كان ذلك النداء بداية مرحلةٍ جديدة من الكفاح من أجل الحرية والحقوق. واليوم، في هذا العصر الذي يصفه البعض بـ”الذهبي”، نجد…