الأزمة المصرية وانعكاساتها على الثورة السورية

  فؤاد عليكو

لا أحد يستطيع أن ينكر الدور المصري التاريخي الرائد في منطقة الشرق الأوسط منذ العهد الأيوبي مروراً بمحمد علي باشا وأسرته الخديوية، وحتى بعد الانقلاب العسكري عام 1952وسيطرة الضباط الأحرار على السلطة بقيادة جمال عبد الناصر الذي تمكن خلال فترة قصيرة من استعادة الدور المصري في الحياة السياسية على منطقة الشرق الأوسط وقيادة العالم العربي بجدارة، بعد أن نال معظم الدول العربية استقلالها السياسي وبالتعاون والتنسيق التام مع المملكة العربية السعودية التي تملك المكانة المالية والدينية في العالم الإسلامي ككل، وبالتالي بات يُعرف بأن الاستقرار والتوازن في الشرق الأوسط منذ خمسينات القرن المنصرم وحتى اليوم تعتمد بالدرجة الأساس على استقرار وتفاهم أربع قوى أساسية في المنطقة هي (مصر، السعودية، إيران، تركيا، اسرائيل) وأن أي اختلال أو اهتزاز في وضع قوة من هذه القوى سوف يحدث اختلال في توازنات القوى في الشرق الوسط لصالح الأطراف الأخرى،
 وهذا ما حصل للثورة السورية، إذ أن غياب الدور المصري السياسي والدبلوماسي في الثورة السورية نتيجة ارباكها بوضعها الداخلي، دفعت بالقوى الاقليمية الأخرى وخاصة تركيا وإيران ومن خلف الستار اسرائيل من استغلال الوضع لصالح تدخلها بالشأن السوري ولم تتمكن السعودية بمفردها من املاء الفراغ الحاصل، مما دفعها الى التعاون مع تركيا للتعويض عما خسره من الدور المصري في العالم العربي، في مواجهة التدخل الإيراني السافر لصالح النظام القائم واستغلال ضعف النظام وحاجته الماسة لهذا الدعم من التمدد بقوة في المنطقة العربية، وهذا ما دفع بالسعودية الى تشكيل محور سعودي – تركي لمساعدتها في مواجهة المد الإيراني القوي في المنطقة العربية، والذي اتخذ بعداً طائفياً شيعياً يهدد كيان عدة دول عربية سنية الطابع مع وجود اقلية شيعية مؤثرة فيها وخاصة دول الخليج العربي والعراق وسوريا واليمن ويمكن استثمارها طائفيا لصالح مشروعها السياسي في التوسع جغرافياً في المنطقة، وبالتالي تنعكس هذه الوضعية الجديدة على الأمن الاستراتيجي للمنطقة العربية في الشرق الأوسط برمته، وبالفعل استطاع المحور الجديد السعودي – التركي من الوقوف بوجه التمدد الإيراني وقامت بدعم الثورة السورية لتتمكن من الوقوف على قدميها إلى حد ما ريثما تنجلي الأوضاع في مصر ويعود للعرب دورهم السياسي والدبلوماسي المتعثر، لكن الأمور ذهبت عكس ما تتمناه السعودية، إذ أن مصر خرجت من أزمتها السياسية واستلم الإخوان المسلمون السلطة فيه عبر صناديق الانتخاب، وبدلاً من أن يتجه الإخوان صوب السعودية لإحياء المحور العربي المطلوب عربياً، عملوا على تعزيز العلاقات مع تركيا الإخوانية، وعمل الاثنان معاَ على بناء علاقات حسن جوار مع إيران وهذا ما أرعبت السعودية من فقدان الدور العربي في المنطقة نهائياُ خاصة إذا ما حصل تفاهم جديد بين إيران وتركيا على تقسيم مناطق النفوذ بينهم على حساب الأمن الاستراتيجي العربي، وهذا ما دفع بالسعودية الى التوجه صوب مصر والعمل على إزاحة حكومة مرسي الإخوانية بكل الوسائل لأنها لم تستوعب دور مصر الإقليمي عربياً وسلمت قرار مصر ودورها لتركيا، واستطاعت خلال فترة قصيرة ومن خلال انقلاب عسكري – شعبي معاً من الإطاحة بمرسي وإزاحته عن السلطة نهائياً لا بل زجه وجماعته في السجن الى أجل غير محدود، وسط تأييد معظم الدول العربية باستثناء دولة قطر الإخوانية أيضا، إلا أنّ هذا التحول الجديد في مصر أغضبت تركيا الى أبعد الحدود ووصلت العلاقة بين النظام المصري الجديد وتركيا الى حدود القطيعة بينهما، وانعكس ذلك سلباَ ايضاً على العلاقة بين تركيا والسعودية بشكل كبير وإنْ لم يصل بعد إلى حدود التراشق الإعلامي والسياسي، لكنها أثرت بشكل مباشر على المعارضة السورية في الداخل والخارج، فمن المعروف أن المعارضة السورية اعتمدت في نضالها على المحور التركي – السعودي كما اسلفنا وبانهيار هذا المحور تصدعت أطراف المعارضة السورية السياسية والعسكرية فالائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة وهو الجناح السياسي للثورة السورية انقسم الى قسمين وانسحب منها 44عضوا كانوا محسوبين على تركيا وقطر.

وكذلك حصل على الأرض وانقسم الجيش الحر أيضا الى قسمين بين وزير الدفاع المدعوم سعودياً ورئيس أركانه المدعوم تركيا وقطرياً وجرى ويجري الحديث حالياً عن نقل مركز ثقل المعارضة إلى دولة عربية بدلاً من تركيا، واستغل النظام هذا الموضع الجديد لصالحه بذكاء وبدأ بضغطه العسكري محرزاً انتصارات كبيرة على الأرض في مناطق عدة ودفع الشعب السوري مرة أخرى ثمناً باهظاً نتيجة ذلك، لكن ما يبشر بالأمل هو التدخل الأمريكي – الأوربي على الخط لمنع هذا التدهور في العلاقة بين الطرفين والعمل على رأب الصدع سورياً وتوحيد قوى المعاضة من جديد واعطائها زخماً أكثر فعالية من خلال دعمها سياسياً وعسكرياً، خاصة بعد أن فشل الحل السياسي في جنيف2وبعد أن أدركت أمريكا بأن موقفها المتردد من الثورة السورية أضعفت الثقة بها لدى حلفائها الإقليميين كثيراً وعززت مكانة روسيا في الشرق الأوسط أكثر0

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف إنَّ إشكالية العقل الأحادي تكمن في تجزئته للحقائق، وتعامله بانتقائية تخدم مصالحه الضيقة، متجاهلاً التعقيدات التي تصوغ واقع الشعوب. هذه الإشكالية تطفو على السطح بجلاء في الموقف من الكرد، حيث يُطلب من الكرد السوريين إدانة حزب العمال الكردستاني (ب ك ك) وكأنهم هم من جاؤوا به، أو أنهم هم من تبنوه بإجماع مطلق. الحقيقة أن “ب ك ك”…

شيروان شاهين سوريا، الدولة ذات ال 104 أعوام البلد الذي كان يومًا حلمًا للفكر العلماني والليبرالي، أصبح اليوم ملعبًا للمحتلين من كل حدب وصوب، من إيران إلى تركيا، مرورًا بكل تنظيم إرهابي يمكن أن يخطر على البال. فبشار الأسد، الذي صدع رؤوسنا بعروبته الزائفة، لم يكتفِ بتحويل بلاده إلى جسر عبور للنفوذ الإيراني، بل سلمها بكل طيبة خاطر…

ماجد ع محمد بعد أن كرَّر الوالدُ تلاوة قصة الخريطة المرسومة على الجريدة لأولاده، شارحاً لهم كيف أعادَ الطفلُ بكل سهولة تشكيل الصورة الممزقة، وبما أن مشاهِدَ القصف والتدمير والتدخلات الدولية واستقدام المرتزقة من دول العالم ومجيء الجيوش الأجنبية والاقليمية كانت كفيلة بتعريف أولاده وكل أبناء وبنات البلد بالمناطق النائية والمنسية من بلدهم وكأنَّهم في درسٍ دائمٍ لمادة الجغرافيا، وبما…

صلاح بدرالدين لاتحتاج الحالة الكردية السورية الراهنة الى إضفاء المزيد من التعقيدات اليها ، ولاتتحمل هذا الكم الهائل من الاخذ والرد اللذان لايستندان الى القراءة العلمية الموضوعية ، بل يعتمد بعضها نوعا من السخرية الهزلية وكأن الموضوع لايتعلق بمصير شعب بكامله ، وبقدسية قضية مشروعة ، فالخيارات واضحة وضوح الشمس ، ولن تمر بعد اليوم وبعبارة أوضح بعد سقوط الاستبداد…