الاتحاد السياسي الكردي آمال وتحديات

ماريا عباس / قامشلي

 تُذكرُنا الحالة السياسية الكردية الراهنة بالفترة التي شهدتها الحركة السياسية الكردية في سوريا ما بين عام 1975 وإلى عام 1989والتي تميزت بالزخم الكبير للتنظيمات والفصائل العاملة على الساحة الكردية وليدة حالات التشرذم الحزبي التي أصابت الحركة السياسية في بنيتها ، وبالتالي تعدد الحركة السياسية الكردية في سوريا، لتتحول إلى مجرد تنظيمات ضعيفة، غير جديرة بالمطالب الكردية أمام القوى السياسية المجحفة بحق قضيتها العادلة، والتي كانت من أولى مهماتها صهر الكرد في المجتمع العربي .

 ورغم تشابه الخطاب السياسي الواضح  في الفكر والنظرة على حدٍ سواء في برنامج عمل تلك التنظيمات ، إلا إن الخلاف نشب بينها مما أدى إلى الانشقاقات المتزايدة التي كانت مجرد تصفية للحسابات الشخصية الناتجة عن الأنانية الحزبية البعيدة كل البعد عن المصلحة الكردية العامة وبعيدة كلَّ البعد عن الثوابت النضالية للقضية الأساسية ،

 وبالتالي لم تتمكن الحركة السياسية الكردية بالحصول على أي حق من حقوق الشعب الكردي في سوريا رغم مشوارها الطويل والشائك ! لتغدو القضية مجرد شعارات براقة ، وهذا ما أدى إلى تراجع شعبيتها وفقدان الثقة بها.

ولأكثر من عامٍ مضى والساحة السياسية الكردية تنتظر ولادة اتحاد جديد عبر مؤتمر توحيدي سياسي لأربعة أحزاب كردية  متقاربة في الرؤى والأهداف  (الاتحاد السياسي) والتي يعتبرها الساسة خطوة ملحة وضرورة مرحلية في المنظومة النضالية الفاعلة إذا استثمرت بشكلٍ سليم من خلال تسخير الطاقات الوطنية والقومية الفعالة لتكون رداً على التفكك والتشرذم الذي حصل في الاتحادات السابقة والتي لم تدم طويلاً ، بسبب التمسك بالمصالح الحزبية والشخصية الضيقة التي انعكست سلباً على الواقع الكردي في سوريا .
الاتحاد السياسي الكردي المُنتظر في سوريا أمام تحديات وآمال كبيرة إذا ما تحقق،  سيكون خطوة توحيدية هامة للأحزاب المتحالفة والتي عقدت شريحة كبيرة من الجماهير الكردية عليها الآمال! متجاوزة الخلافات والاختلافات وكل التناقضات الثانوية مركزةً على العمل النضالي المثالي لتكون الخطوة الأنسب في هذه المرحلة الحساسة جداً والتاريخية إذا ما كان الهدف الأساسي من هذا الاتحاد هو دعم القضية الكردية ، كونها جاءت نتيجة النضال السياسي القومي للشعب الكردي في سوريا ،   هل إذاً ستكون خطوة مباركة مثمرةً حقوقاً للشعب الكردي الذي يأمل بنضوجها ويرنو إليها منذ زمنٍ طويل؟.
فيغدو الاتحاد السياسي مثالا ونموذجاً ناجحاً للنضال الحقيقي الذي يصبو إلى الهدف الأسمى وهو عدالة القضية الكردية وإيصالها إلى المحافل الدولية وعلى أعلى المستويات من خلال كافة مؤسساته وإداراته وتفعيلها إسوة بتجربة كردستان العراق .
كلنا أمل بأن يكون هذا الاتحاد الملاذ الآمن لبثّ الأمل والأمان في نفوس الكرد السوريين الذين وقعوا في براثن الاضطهاد واختنقوا في صومعة التشرد والاغتراب والتشتت والعيش في مخيمات الفقر  والمعاناة ، وركوب الخطر في بلاد الاغتراب والبحث عن قبول طلبات اللجوء والعيش على المساعدات التي تقدمها المنظمات الإنسانية بينما أرضنا زاخرة بالخيرات التي حُرِم منها الشعب الكردي السوري لعهودٍ طويلة.

 إنّ المرحلة السياسية الآنية والمقبلة والتاريخية تتطلب التحليل البناء وإيجاد نقاط الالتقاء بين الأطراف المتحالفة والتجاذب السليم والابتعاد عن حالة التشرذم والأنانية لأن الشارع الكردي سأِم من متاهة الخطاب السياسي التناحري الفوضوي عديم الفائدة وعليها الاعتبار والاستفادة من تجارب الاتحادات المُجهضة سابقاً والارتقاء بالعمل السياسي في إطار المصلحة الكردية العليا ، حتى يكون الاتحاد السياسي بديلاً واقعياً وخلاقاً جديراً بالمرحلة الراهنة ، لأن التاريخ لن يرحم قط المتلونين ولن ينسى أي خطوة أو أي نتيجة حاصلة سلباً أو إيجاباً لأي طرف مساهم في هذا الاتحاد.

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest


0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

د. محمود عباس تأملات في الزمن والموت ومأساة الوعي الإنساني. لا شيء يُجبر الإنسان على النظر في عيون الفناء، كما تفعل لحظة نادرة نقف فيها على تخوم الذات، لا لنحدّق إلى الغد الذي لا نعرفه، بل لننقّب فيما تبقى من الأمس الذي لم نفهمه. لحظة صمت داخلي، تتكثّف فيها كل تجاربنا، وتتحوّل فيها الحياة من سلسلة أيام إلى…

مروان سليمان من أهم القضايا الشائكة في المجتمعات الشرقية هو التطرف العنيف الذي يعمل بها أناس ليل نهار من أجل شق وحدة الصف و أنقسامات داخل المجتمع و إنعدام حقوق الإنسان و من هنا كان لزاماً على الطبقات المثقفة و التي تحمل هموم شعوبها أن تعمل من أجل الحوارات المجتمعية و تقديم المبادرات السلمية و تحافظ على حقوق…

بوتان زيباري   في دهاليز السلطة، حيث تتهامس الأقدار وتتصارع الإرادات، تُحاك خيوط اللعبة السياسية ببراعة الحكّاء الذي يعيد سرد المأساة ذاتها بلغة جديدة. تُشبه تركيا اليوم مسرحًا تراجيديًا تُعاد كتابة فصوله بأقلام القوة الغاشمة، حيث تُختزل الديمقراطية إلى مجرد ظلٍّ يلوح في خطابٍ مُزيّف، بينما تُحضَر في الخفاء عُدّة القمع بأدواتٍ قانونيةٍ مُتقَنة. إنها سردية قديمة جديدة، تتناسخ…

خالد بهلوي بعد ثورة أكتوبر الاشتراكية العظمى وإرساء أسس بناء الاشتراكية وظهور المعسكر الاشتراكي كقوة اقتصادية وعسكرية تنافس الدول الرأسمالية ومعسكر الحلف الأطلسي، انعكس هذا التوازن على العديد من الدول، فحصلت على استقلالها، ومن بينها الدول العربية. كما خلقت هذه التحولات قاعدة جماهيرية تنادي بضرورة الاشتراكية، وأصبحت بعض هذه الدول، وحتى الأحزاب القومية التي تشكلت فيها، تدّعي…