محنة الضمير العالمي

دلكش مرعي

  لقد أثير الكثير من الجدل والأسئلة في الآونة الأخيرة حول ماهية هذا الضمير هل هو حي أو ميت بعد أن تلاشى مفعوله عالمياً  وانحدر نحو الهاوية والعقم بسبب صمته وتخاذله المريب عن جرائم القتل المهولة التي تجري في وضح النهار بحق عشرات الآلاف من النساء والأطفال والشيوخ من أبناء الشعب السوري….. فقد كان التوقع والاعتقاد السائد قبل هذه المحرقة البشرية متفائلاً بمعظمه والجميع كان يعتقد بأن التوجه العام للعالم سيتوجه في المستقبل نحو الارتقاء والتطور والنماء على مختلف صعد الحياة وخاصة في مجال احترام حقوق الإنسان وضمان أمنه وحقه في العيش الكريم وسينتهي شيئا فشيئا الظلم والطغيان والعنف ضد البشر وسيكون هناك في المستقبل عالماً أكثر أمن وأماناً واستقراراً ينعم فيها الجميع بالحرية والسلام ولقمة العيش ..
ولكن توضح جلياً بعد هذه المحرقة بأن هذه التوقع لم يكن إلا وهماً خيالياً لا محل له من الإعراب في بورصة عالم اليوم وإن أصل الصراع في هذا العالم  هو صراع نفعي مادي بحت يعتمد على التكنولوجيا الأكثر تطورا يتنافس حول امتلاكها الشعوب المتطورة علمياً من اجل الحصول على اكبر حصة من الاقتصاد العالمي من خلال الربح المجني من بيع هذه التقنيات وأن هذا الضمير فقط يحركه مصالح الأقوياء في هذا المجال وعند اللزوم وخاصة عندما يتعلق الأمر بأمنهم الاقتصادي وأمن شعوبهم وحتى بأمن حياة احد مواطنيهم ولكن عندما يكون هذا الخطر خارج هذا الإطار فيصبح هذا الضمير ميتاً لا حياة فيه حتى وأن تعرض حياة شعباً بأكمله إلى خطر الفناء والزوال .. بالإضافة إلى كل ذلك فقد أظهر هذه المحرقة حقيقة المؤسسات الأممية بشرائعها وقوانينها ومؤسساتها المتعددة فقد تبين بأنها مؤسسات مكرسة فقط لضمان مصالح هؤلاء وخاصة من يمتلك حق النقد الفيتو…… ولكن السؤال الذي يطرح نفسه بقوة هنا هو هل العالم يتحمل تبعات ومآسي إرث هذه الشعوب الذي لم ينتج عبر تاريخه سوى التخلف والجهل والتطرف والحروب الطائفية والقتل والغزوات وسبي النساء ونهب الممتلكات والصراعات السياسية بتناحراتها الدموية فلماذا نحمّل وزر جرائمنا واستبدادنا وطغياننا وجهلنا وتخلفنا الفكري والحضاري إلى الغير ونعتبرها مؤامرة كونية تستهدف وجود الشعب السوري أليس معظم الأطراف المتصارعة على الساحة السورية نظاما ومعارضة هي بمعظمها تنتمي بهذا القدر أو ذاك إلى نفس الفكر الطائفي ومشبعة بإرث الاستبداد والتطرف والتخلف باستثناء بعض الشخصيات وبعض الشرائح الاجتماعية.. ألم ينجح النظام من تحويل الثورة الشعبية التي كانت تنادي بالحرية والكرامة إلى صراع طائفي ؟ الم يكن السبب الرئيسي لنجاح النظام في هذا التوجه كان بسبب وجود بذور الفكر الطائفي التي أججها بعض أطراف المعارضة السورية المعروفة … وأخيراً أليس معظم أبناء الطائفة العلوية كانت مع النظام وجرائمه قلباً وقالباً وتكرس سياساته الإجرامية على الأرض عبر أربعة عقود وإلى حينه … فلماذا سيتدخل الغرب لوقف رحى هذا الحرب التي تدور حسب اعتقاده بين قوى إرهابية طائفية متطرفة يستنزف كل طرف قوة الطرف الآخر دون أن يخسر الغرب في هذا الحرب مليماً واحدا وهو جالس يضع قدما فوق الآخر يترقب الإحداث من بعيد بعدما كان يخسر المليارات وآلاف الضحايا  في مشروعه  ضد الإرهاب …. ولذلك نعتقد بأن التدخل الغربي لوقف هذا المحرقة البشرية ما زال بعيد المنال إلا إذا استجد أمور أخرى على الساحة السورية وبدأت بتهديد مصالحه المادية في المنطقة أو تهديد مصالح إسرائيل وأمنها  أي إن الشعب السوري وحده سيستمر بدفع فاتورة الدم والدمار والتشرد  نتيجة هذا الصراع الطائفي الأعمى والبغيض .

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest


0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

فرحان مرعي هل القضية الكردية قضية إنسانية عاطفية أم قضية سياسية؟ بعد أن (تنورز) العالم في نوروز هذا َالعام ٢٠٢٥م والذي كان بحقّ عاماً كردياً بامتياز. جميل أن نورد هنا أن نوروز قد أضيف إلى قائمة التراث الإنساني من قبل منظمة اليونسكو عام ٢٠١٠- مما يوحي تسويقه سياحياً – عالمياً فأصبح العالم يتكلم كوردي، كما أصبح الكرد ظاهرة عالمية وموضوع…

شيركوه كنعان عكيد تتميز سوريا كما يعرف الجميع بتنوعها القومي والديني وكذلك الطائفي، هذا التنوع الذي استطاعت السلطة البائدة أن تبقيه تحت السيطرة والتحكم لعقود طويلة في ظل سياسة طائفية غير معلنة، ورغم أن علاقة الدين بالدولة بقيت متشابكة، إلا أنها لم تصل إلى حد هيمنة العقلية الدينية أو الطائفية على مؤسسات الدولة بصورة صريحة. أدى ذلك الوضع تدريجيًا إلى…

علي جزيري نشرت جريدة قاسيون، في الخميس المصادف في 17 نيسان 2025 مقالاً تحت عنوان: “لماذا نحن ضد الفيدرالية؟” انتهج القائمون عليها سياسة الكيل بمكيالين البائسة بغية تسويق حجتهم تلك، فراحوا يبرّرون تارة الفيدرالية في بلدان تحت زعم اتساع مساحتها، ويستثنون سوريا لصغر مساحتها…! وتارة أخرى يدّعون أن سويسرا ذات (أنموذج تركيبي)، يليق بها ثوب الفيدرالية، أما سوريا فلا تناسبها…

صلاح عمر منذ أن خُطّت أولى مبادئ القانون الدولي بعد الحرب العالمية الثانية، ترسخ في الوعي الإنساني أن الشعوب لا تُقاس بعددها ولا بحدودها، بل بكرامتها وحقها في تقرير مصيرها. ومنذ ذلك الحين، أُقرّ أن لكل شعب الحق في أن يختار شكله السياسي، وأن ينظّم حياته وفق هويته وتاريخه وثقافته. هذا المبدأ لم يُولد من رحم القوة، بل من عمق…