ابراهيم محمود
يقال” والعهدة على الراوي ” أن أحد رؤساء الولايات المتحدة الأميركية، خاطب جمهوراً محتشداً في ساحة مفتوحة بالقرب من البيت الأبيض قائلاً ” يا شعبي الأميركي العظيم “! وهي لم تكن العبارة الاستهلالية الأولى، إنما جاءت على خلفية تأثر الرئيس بتجاوب الجمهور مع كلماته المنتقاة والتصفيق الذي تداخل مع صوته بين الفينة والأخرى، ومن باب الحماس غير المعهود طبعاً، لعله نسي أنه رئيس أميركي وفي موقع المسئولية الكبرى إزاء الكلمات المطلوبة. لم يكن من تصفيق، إنما ما يشبه الضرب على الأرض وأصوات صفير، أوقعته في حيرة من أمره، ليستدرك قائلاً وبعد اعتذار: أيها الشعب الأميركي العظيم. ورغم ذلك كان عليه المضي على ما تقدم به لتعود الأمور إلى نصابها، وليتها عادت!
ما جرى لاحقاً، هو ما اعتمده الإعلام السمعي والبصري من طرق تعليقات واستعراض لهذا الموقف، لا بل واتصالات بالمعنيين بهكذا مسائل: من محللين اجتماعيين ونفسيين وأصحاب طرائف ونوعية عثرات وتداعياتها وبشكل لافت.
إذ لم يحدث في التاريخ السياسي الرئاسي الأميركي هنا، ولا حتى في أمكنة أخرى أوربية معروفة، أن استخدم رئيس ما مثل هذا الأسلوب في الخطاب أو الكلام، رغم الاعتذار الفوري، سوى أن الوقوع في خطأ محسوب، وعلى مستوى رئاسي ليس بالأمر السهل قبوله أو اليسير نسيانه، فثمة بنية لاشعورية معينة لهذا الموقف غير المحسود عليه.
على صعيد المقاربة الدلالية، يكون أي استخدام لضمير المتكلم استدعاء لعالم آخر، ولعلاقة أخرى معه، باعتباره ضمير الملْكية، كما لو أن المتحدث يشير إلى أن الذين يتابعونه مشدودون إليه وأن مصيرهم متعلق به وحده فقط، كما هو وضع القطيع تماماً، وهذا مرفوض في كلّيته، بقدر ما يعني استخدام ضمير المتكلم المفرد أو الجمعي” يا شعبي، شعبنا ..الخ “، حائلاً دون رؤية المسافة الفاصلة بين موقع المتكلم ” الرئيس ” ومن يتابعونه ليس في اعتبارهم مطواعين له، محسوبين عليه، وإنما كونه هو بالذات يتحدث بطريقة تقرّبه منهم من خلال ما هو ملموس، وكونه محل اختبار دائماً.
ذلك ما يذكّر بالفرق الكبير جداً في عالم آخر، وما أوسعه وأفجعه، في منطقتنا، وعلى العكس تماماً، إذ إن استخدام الضمير المحايد، وباعتماد ” الـ ” التعريف ” أيها الشعب العظيم ” هو الذي يلفت النظر جرّاء سياسات تربوية رعوية تبدأ من العائلة ” رب البيت- راعيه ” لتبدأ سلسلة الآبائيات : أب الشارع، المؤسسة، المدرسة، الجامعة، الجامع، الدائرة… والأب الأكبر هو القائد العام للدولة والمجتمع ” أب الجميع “، إلى درجة أن من يخاطب الشعب هكذا ” أيها الشعب العظيم ” لا يلقى تجاوباً كما يجب، كما هو إيقاع التجاوب في ” يا شعبي “، انطلاقاً من تاريخ طويل رسَّخ هذا التصور.
في هذا الفارق الكبير بين ” ضمير المتكلم ” و” ألـ ” التعريف سياسياً، يمكن التعرف إلى سلوكيات أمم وجماعات ودول وحتى ثقافات نظرية وعملية، ليس على مستوى النظام فقط، إنما ضمن أفكار معتمدة ومحور موضوعات، لأن النظام أوسع من كونه نظام حكم، والسياسة تتجاوز نطاق ” البيت المحروس ” للأب الأكبر في البلاد وللعباد.
في الوقت الذي يسهل النظر في كل سستام فكري، نفسي، سلطوي، ثقافي، قيمي…الخ، يبقى التأكيد على حالة اللاقطعية في الموضوع، كما لو أن ليس من اتصال وتخاطب ما بين العالمين، وكأنهما مفترقان بالمطلق، إنما هو إمكان النظر في الوضع القانوني ومن يحركه وكيف يتحرك، إنما هو التمييز الدقيق والمحروس والمراعى كثيراً بين كل من الحقوق والواجبات، وأن القيمة الكبرى لأي كان لا تعدو أن تكون محصورة في إطار صلاحيات معينة تبقي الفرد قيّماً على نفسه وقادراً على التصرف وتسيير أموره اليومية والإبداع وممارسة النقد بعيداً عن هذه الأبوية التي أودعتنا ” إحَناً : مصائب شتى”، هذه الأبوية التي يسهل تبينها حتى لدى كبار المعنيين بمسألة الثقافة ومزعم الإبداع جهةَ الملْكية المريعة.
في ” الـ ” التعريف، ولمن يحسن التعريف بما يجري من حوله، في وسع الفضولي المعرفي تحري أصوله، وكيف أن مقدرات ” الـ ” التعريف تبقي المتكلم مكشوفاً لنفسه وللآخر، كما أنها تهيئه لأن يكون أكثر انضباطاً وقوام كينونة في انتقاء الكلمات المعتبرة، في إدارة اقتصاد المعاني والمشاعر بالذات لأنها لا تنفصل عما هو نفسي وذهني، وبالتالي ليكون هذا المناط به ” ضمير المتكلم ” محصوراً في دوائر ضيقة، ووضعيات عمرية مسماة، ليشعر كل من المتكلم والمخاطَب أنه في مواجهة عالم يعنيه كما يعني كليهما ولمصلحتهما معاً، وفي انتظار استثمار طاقاتهما بصيغ مختلفة.
وقد لا يكون المطلوب هو الإتيان بأمثلة لها صلة بحياتنا اليومية على أعلى مستوى، إنما هو إمكان النظر، ومكاشفة قائمة نوعيات الاحتكارات والملكيات التي تعتّم ليس على أشخاص وأفراد معينين، وإنما على جماعات وشعوب كاملة، ليس من الخارج بالتأكيد، لأننا سنكون إزاء مفهوم القوة في التاريخ وترسيم حدود سلطاتها وجغرافياتها القيمية منذ القِدم، إنما في الداخل القريب جداً ” داخلنا “: في المناهج، وأساليب البحث، وطرق الكتابة وأنواع المطبوعات والقيّمين عليها، ومقاربة نوع ” ضمير المتكلم ” في كل ذلك، إذ ثمة مراتب مسجَّلة هنا، أعني تحديداً ما هو رعوي، بهائمي، قطيعي مختَّم، موسَّم…!
إذ لم يحدث في التاريخ السياسي الرئاسي الأميركي هنا، ولا حتى في أمكنة أخرى أوربية معروفة، أن استخدم رئيس ما مثل هذا الأسلوب في الخطاب أو الكلام، رغم الاعتذار الفوري، سوى أن الوقوع في خطأ محسوب، وعلى مستوى رئاسي ليس بالأمر السهل قبوله أو اليسير نسيانه، فثمة بنية لاشعورية معينة لهذا الموقف غير المحسود عليه.
على صعيد المقاربة الدلالية، يكون أي استخدام لضمير المتكلم استدعاء لعالم آخر، ولعلاقة أخرى معه، باعتباره ضمير الملْكية، كما لو أن المتحدث يشير إلى أن الذين يتابعونه مشدودون إليه وأن مصيرهم متعلق به وحده فقط، كما هو وضع القطيع تماماً، وهذا مرفوض في كلّيته، بقدر ما يعني استخدام ضمير المتكلم المفرد أو الجمعي” يا شعبي، شعبنا ..الخ “، حائلاً دون رؤية المسافة الفاصلة بين موقع المتكلم ” الرئيس ” ومن يتابعونه ليس في اعتبارهم مطواعين له، محسوبين عليه، وإنما كونه هو بالذات يتحدث بطريقة تقرّبه منهم من خلال ما هو ملموس، وكونه محل اختبار دائماً.
ذلك ما يذكّر بالفرق الكبير جداً في عالم آخر، وما أوسعه وأفجعه، في منطقتنا، وعلى العكس تماماً، إذ إن استخدام الضمير المحايد، وباعتماد ” الـ ” التعريف ” أيها الشعب العظيم ” هو الذي يلفت النظر جرّاء سياسات تربوية رعوية تبدأ من العائلة ” رب البيت- راعيه ” لتبدأ سلسلة الآبائيات : أب الشارع، المؤسسة، المدرسة، الجامعة، الجامع، الدائرة… والأب الأكبر هو القائد العام للدولة والمجتمع ” أب الجميع “، إلى درجة أن من يخاطب الشعب هكذا ” أيها الشعب العظيم ” لا يلقى تجاوباً كما يجب، كما هو إيقاع التجاوب في ” يا شعبي “، انطلاقاً من تاريخ طويل رسَّخ هذا التصور.
في هذا الفارق الكبير بين ” ضمير المتكلم ” و” ألـ ” التعريف سياسياً، يمكن التعرف إلى سلوكيات أمم وجماعات ودول وحتى ثقافات نظرية وعملية، ليس على مستوى النظام فقط، إنما ضمن أفكار معتمدة ومحور موضوعات، لأن النظام أوسع من كونه نظام حكم، والسياسة تتجاوز نطاق ” البيت المحروس ” للأب الأكبر في البلاد وللعباد.
في الوقت الذي يسهل النظر في كل سستام فكري، نفسي، سلطوي، ثقافي، قيمي…الخ، يبقى التأكيد على حالة اللاقطعية في الموضوع، كما لو أن ليس من اتصال وتخاطب ما بين العالمين، وكأنهما مفترقان بالمطلق، إنما هو إمكان النظر في الوضع القانوني ومن يحركه وكيف يتحرك، إنما هو التمييز الدقيق والمحروس والمراعى كثيراً بين كل من الحقوق والواجبات، وأن القيمة الكبرى لأي كان لا تعدو أن تكون محصورة في إطار صلاحيات معينة تبقي الفرد قيّماً على نفسه وقادراً على التصرف وتسيير أموره اليومية والإبداع وممارسة النقد بعيداً عن هذه الأبوية التي أودعتنا ” إحَناً : مصائب شتى”، هذه الأبوية التي يسهل تبينها حتى لدى كبار المعنيين بمسألة الثقافة ومزعم الإبداع جهةَ الملْكية المريعة.
في ” الـ ” التعريف، ولمن يحسن التعريف بما يجري من حوله، في وسع الفضولي المعرفي تحري أصوله، وكيف أن مقدرات ” الـ ” التعريف تبقي المتكلم مكشوفاً لنفسه وللآخر، كما أنها تهيئه لأن يكون أكثر انضباطاً وقوام كينونة في انتقاء الكلمات المعتبرة، في إدارة اقتصاد المعاني والمشاعر بالذات لأنها لا تنفصل عما هو نفسي وذهني، وبالتالي ليكون هذا المناط به ” ضمير المتكلم ” محصوراً في دوائر ضيقة، ووضعيات عمرية مسماة، ليشعر كل من المتكلم والمخاطَب أنه في مواجهة عالم يعنيه كما يعني كليهما ولمصلحتهما معاً، وفي انتظار استثمار طاقاتهما بصيغ مختلفة.
وقد لا يكون المطلوب هو الإتيان بأمثلة لها صلة بحياتنا اليومية على أعلى مستوى، إنما هو إمكان النظر، ومكاشفة قائمة نوعيات الاحتكارات والملكيات التي تعتّم ليس على أشخاص وأفراد معينين، وإنما على جماعات وشعوب كاملة، ليس من الخارج بالتأكيد، لأننا سنكون إزاء مفهوم القوة في التاريخ وترسيم حدود سلطاتها وجغرافياتها القيمية منذ القِدم، إنما في الداخل القريب جداً ” داخلنا “: في المناهج، وأساليب البحث، وطرق الكتابة وأنواع المطبوعات والقيّمين عليها، ومقاربة نوع ” ضمير المتكلم ” في كل ذلك، إذ ثمة مراتب مسجَّلة هنا، أعني تحديداً ما هو رعوي، بهائمي، قطيعي مختَّم، موسَّم…!
دهوك