الكورد عندما يَنْتفون ريشَهم .

سليم عمر

و في الحقيقة ، فإن الكورد لم ينبتْ لهم ريشٌ طوال عهود العبودية التي خيمتْ عليهم ، و لا تزالُ ، و التي امتدّت لقرون متواصلة ، فقد ظل مستعبدوهم ينتفون منهم الريش كلما نما  منهم زَغَبٌ ، و استطال لهم جناح ، و عندما سنَحتْ لهم الفرصة ، لأن ينمو لهم ريش ، فإنهم أسرعوا إلى نتْفه بأنفسهم . هي ثقافة العبودية التي تجري منا في العروق ، و التي لم نستطع منها فكاكا ، أو هي عدم ثقتنا بأنفسنا في أننا نستطيع أن نتجاوز الدوائر التي رسمها المستعمرون من حولنا ، و أن نمزق الأغلال التي كبّلونا بها ، فقد حوّلنا كوردستان الغربية إلى ثلاث مقاطعات منفصلة ، إلى ثلاثة كيانات ، لا نعرف كيف سيتسنى لها أن تتواصل فيما بينها ، و كيف ستتمكن من الدفاع عن وجودها مستقبلا ، هكذا جزأنا هذا الوطن المجزأ ،  و من غير أن يطلب منا أحد ذلك ، و من غير أن يفرض علينا ذلك أحد .
 الأحداث في سوريا تتوالى بصورة فظيعة ، و تأخذ في كل لحظة أشكالا جديدة ، و تتحول هذه الدولة المصطنعة إلى كيان فاشل ، و المشاريع الكثيرة و المتباينة للدول الإقليمية ، و العظمى في هذا الكيان لم تكتمل بعدُ ، و ليس من الواضح النهاية التي ستنتهي إليها الأحداث في هذا البلد ، و مع ذلك فقد أسرع الكورد إلى تمزيق هذا الجزء من كوردستان ، تماما على الصورة التي رسمها لنا الاستعمار التركي ، لم يزيدوا على ذلك شبرا ، مع أن الأتراك عندما قطّعوا في أوصال هذا الشعب ، و في تفتيت وطنه ، لم يأخذوا  له رأيا ، و لم يعطوا لوجوده أي اعتبار .

إذا أمعنا النظر في جغرافية دول العالم ، فسنجد أن الحدود الفاصلة بينها ، نتوءات ، و زوايا ، و خطوط متداخلة . لا نجد خطوطا مستقيمة إلا في الصحارى الخالية . الحدود الجنوبية لتركيا خط مستقيم باستقامة خط القطار الذي قسّم كوردستان ، فقسّم معه القرية الواحدة ، و العائلة الواحدة ، و القبيلة الواحدة ، و ترك ثغرات في المنطقة الكوردية تمتد في عمق تركيا الاستعمارية . الأتراك لم يشغلوا أنفسهم بهذا الأمر ، لقد تعاملوا مع مختلف الأجناس على أنهم أتراك ، الكورد ملكيون أكثر من الملك ، و حقانيون أكثر من الحق ، فقد أكدوا على شرعية هذه الثغرات ، و على اعتبارها مناطق لا تخصهم ، و على أن الإدارة الذاتية لا تشمل سكنتها ، و أنا هنا لا أطالب بهضم الحقوق لأي كان ، و لا بالاعتداء على أي حق ، و ما دمنا قد أقْررْنا بحق العرب و الفرس و الروم و الغمْر في عامودا و في عفرين و في غيرهما في رسم مستقبلنا ، و جعلناهم شركاءنا في المصير ، فما الذي كان يمنع ، أن نشارك سكان هذه الثغور في إدارتنا الذاتية هذه ؟ ، و لماذا استبقْنا الأحداث ، ففرضنا على أنفسنا هذا المستقبل المظلم ؟ ، و ما الذي كان يمنعنا من أن ننتظر إلى أن تستقر الأمور ، فنتصرف بالطريقة المثلى التي تعيد إلينا حقوقنا كاملة ، أن نرسم مستقبلنا بثبات ، و أن نبني وطنا متكاملا ، يتسع للجميع ، و يعيش فيه الجميع على قدم المساواة ! ؟ .  
غضب النبي سليمان على الطيور ، فأمر بنتف ريشها ، رفعت الطيور اعتراضها على حكم سليمان ، و انتظرت جوابه ، نفد صبرُ الخفّاش . نتَفَ الخفّاش ريشه ، و أسرع إلى صغاره الذين تركهم دون رعاية . نتف الكورد ريشهم بأيديهم ، حتى لا يطولَ لهم جناحٌ أبداً .
salimbahoz@hotmail.com

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest


0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

د. محمود عباس تمعنوا، وفكروا بعمق، قبل صياغة دستور سوريا القادمة. فالشعب السوري، بكل مكوناته، لم يثر لينقلنا من دمار إلى آخر، ولا ليدور في حلقة مفرغة من الخيبات، بل ثار بحثًا عن عدالة مفقودة، وكرامة منهوبة، ودولة لجميع أبنائها، واليوم، وأنتم تقفون على مفترق مصيري، تُظهر الوقائع أنكم تسيرون في ذات الطريق الذي أوصل البلاد إلى الهاوية….

نظام مير محمدي*   بعد الذي حدث في لبنان وسوريا، تتسارع وتيرة الاحداث في المنطقة بصورة ملفتة للنظر ويبدو واضحا وتبعا لذلك إن تغييرا قد طرأ على معادلات القوة في المنطقة وبحسب معطياتها فقد تأثر النظام الإيراني بذلك كثيرا ولاسيما وإنه كان يراهن دوما على قوة دوره وتأثيره في الساحتين اللبنانية والسورية. التغيير الذي حدث في المنطقة، والذي كانت…

عنايت ديكو سوريا وطن محكوم بالشروط لا بالأحلام. سوريا لن تبقى كما يريدها العرب في الوحدة والحرية والاشتراكية وحتى هذا النموذج من الإسلاموية، ولن تصبح دولة كما يحلم بها الكورد، من تحريرٍ وتوحيد للكورد وكوردستان. هذا ليس موقفاً عدمياً، بل قراءة موضوعية في ميزان القوى، ومصارحة مؤلمة للذات الجماعية السورية. فمنذ اندلاع شرارة النزاع السوري، دخلت البلاد في مرحلة إعادة…

محمود برو حين يتحدث البعض عن كوردستان على أنها أربعة أجزاء، ثم يغضون الطرف عن وجود كوردستان الغربية، ويحاولون النقص من حقوق شعبها تحت ذرائع مبرمجة ومرضية للمحتلين ،فهم لا ينكرون الجغرافيا فقط، بل يقصون نضالاً حقيقياً ووجوداً تاريخيا و سياسياً للكورد على أرضهم. إنهم يناقضون انفسهم ويدفعون شعبهم إلى متاهات صعبة الخروج كل ذلك بسبب سيطرة الادلجة السياسية…